أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

علم الثورة، وتراجيديا فقهية –حزبية ضده.. *ناصر زين

علم الثورة ليس كفرا أو جريمة، إنما هو حلم شعب خرج من المساجد يرفعه نحو السماء

في خضم أحداث الثورة السورية والتي فرقوها بتسمياتهم، وتحزبهم، وعنترياتهم، فلم يبقَ اسم صحابي جليل أو نبي كريم أو قائد إسلامي فذ في كتب التاريخ الإسلامي، إلّا وحَمَلَ اسم كتيبة أو فصيل عسكري في الثورة العظيمة اليتيمة، وهو عين مخالفة الإسلام بالتشتت والتفرق، ولو اجتمعوا على اسم الثورة السورية لكان أنفع وأقرب لهدي القرآن بالاعتصام ورص الصف للوصول نحو الهدف المراد وهو إسقاط النظام.

اتخذت الثورة السورية في بدايات أيامها علم "الاستقلال" رمزاً لها يفرقها عن علم البعث، علم عصابة النظام السوري وسفاحيه ومؤيديه، وكان كل الثوار لبداية 2013 لا يعرفون سواه تقريباً..

علم الاستقلال والذي أشيع أن من وضعته فرنسا وهو خطأ وكذب، بل قام باقتراحه أعضاء البرلمان السوري وكلهم سوريون انتخبهم الشعب، فقد قامت فرنسا بُعيد احتلالها لسورية، بإقرار علم رسمي لسورية عبر مندوبها السامي هنري غورو، لونه أزرق بوسطه دائرة بيضاء في أعلاه من اليسار علم فرنسا مصغراً (1920-1922)، ثم أقرت علماً أخضراً بوسطه خط أبيض عريض، وفي أعلاه من اليسار علم فرنسا نفسه مصغراً (1922-1932).


وفي عام 1932 اجتمع أعضاء البرلمان السوري المنتخب، وأعلنوا دستوراً جديداً للبلاد وأن دين الدولة الإسلام وعاصمتها دمشق، وأقروا العلم الجديد، ممثلاً للحقب الإسلامية الأولى الأخضر والذي يرمز لعهد النبوة (وفيه اختلاف وقد ورد بأحاديث ضعيفة)، والأبيض للأمويين، والأسود للعباسيين والنجوم تعبيراً عن دماء الشهداء..

تحت هذا العلم قاتل ثوار سورية من الأجداد جيش فرنسا وطردوه من سورية، لم يكن قتالهم تحت راية عمية كما يتفلسف البعض، ويضعون الحديث الذي قاله النبي محمد صلى الله عليه وسلم في غير سياقاته ((من قاتل تحت راية عُمِّيَّةٍ يغضب لعصبة أو يدعو إلى عُصبةٍ، أو ينصر عصبة فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِليّة)) [رواه مسلم].

فدلالة الحديث واضحة أن المقصود بالراية الغاية من القتال، وعليه فإن الهدف من القتال هو الذي يحدد شرعية هذه الراية وصحّتها، فمن كان قتاله لحماية: النفس، والعرض، والدين، والمال، من الضرورات التي جاءت الشريعة الإسلامية بالحفاظ عليها فرايته وغايته شرعية، قال تعالى: ( وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ) [النساء:75].

فقد كان على رأس ثوار سورية ضد فرنسا من أغفلته كتب التاريخ البعثي، الأب الروحي للثورة السورية الكبرى، المحدث الأكبر الشيخ بدر الدين الحسني كبير علماء الشام، والشيخ علي الدقر، وغيرهم، ومعه الكثير من المجاهدين كمحمد الأشمر، وحسن الخراط.. وهم يرفعون علم الثورة ويصرخون الله أكبر.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد [رواه الترمذي].

فعندما قامت الثورة السورية على يد الأحفاد، تنشد العدل ورفع الظلم، ولا شك عودة عدل الإسلام وأحاكمه الراشدة، والقضاء على الفساد والاستبداد والحكم الجائر..

رفعت غالبية الفصائل والتي تنتمي للجيش الحر إلى جانب علم الثورة راية سوداء كُتب عليها بالأبيض شهادة التوحيد (لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله)، وفعل البعض العكس ورفعوا راية بيضاء كتب عليها بالأسود شهادة التوحيد، فهم كلهم مسلمون، وإن شتتتهم التسميات، وكفرهم الغلاة..

في حين بقيت كتائب "إسلامية" ترفع العلم الأسود المصحوب بالشهادتين دون علم الثورة، لتزيد الفرقة بين الثوار والمجاهدين، رغم أن تلك الكتائب خرجت من رحم الثورة، ولولا الثورة السورية ومظاهراتها لما كان لها أثراً ولا مكان، ولربما بقيت بالجبال..

وكان لخروج تنظيم (داعش) الوجه الأكثر سوءاً للمسلمين، وليس الإسلام، فهو لا يمثل الإسلام وليس هو جزءاً منه حتى يمثله ، واتخذ من راية سوداء عليها (محمد رسول الله) ادعوا كذباً وزوراً أنها راية رسول الله صلى الله عليه وسلم..

فقد أخرج البخاري في التاريخ وأحمد في المسند والترمذي وأبو داود والنسائي في الكبرى وأبو يعلى والروياني في مسنديهما عن يونس بن عبيد مولى محمد بن القاسم قال: بعثني محمد بن القاسم إلى البراء بن عازب يسأله عن

راية رسول الله صلى الله عليه و سلم ما كانت؟ فقال: كانت سوداء مُرَبّعَة من نَمِرَة.
قال البخاري في علل الترمذي: حديث حسن 

والنمرة: أي مخططة بالأبيض والأسود ولكن يغلب عليها السواد لذلك قالوا سوداء..
أي لم يكتب عليها أي شيء، فهي في العرف الإسلامي (الفقهي) إذاً بدعةٌ ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان، وكما يكثرون "أنّ كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار"، وحتى أن أهل الحديث أنكروا أن شيئاً كتب على راية رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما لم يحدد رسول الله صلى الله عليه وسلم لوناً أو شكلاً واحداً لرايات الحرب، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له راية سوداء، وأحياناً بيضاء، وقيل أيضًا صفراء، وقيل خضراء، وحمراء، وقد علَّل الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" ذلك بحسب اختلاف الأوقات والحالات. 

ولم يثبت أنّه صلى الله وسلم كان يكتب شيئًا في تلك الرايات كما قد يتوهمه بعض المتأخرين، وما ورد عن ابن عباس أن راية النبي صلى الله عليه وسلم كان مكتوباً فيها: ( لا إله إلا الله محمد رسول الله )، فإنه حديثٌ باطل كما قال العلماء.

كما أنّ تلك الرايات كانت لتوحيد القبائل، فهي عسكرية بحتة وليس دينية، وليس من الواقع اختزال الإسلام والإيمان بالله سبحانه في خرقة لا تقدم ولا تأخر ، فالتقوى في القلوب، والغاية أسمى من قطعة قماش..

وقد عرف الجاحظ الرايات، فقال،"هي خرق سود وحمر وصفر وبيض"، ويفهم من عبارة هذا الكاتب، أن الرايات في الأصل ما هي إلا قطع من القماش أو الكتان ذات مقاسات مختلفة، وكان لكل دولة رايتها التي تتميز بها عن غيرها باللون وفي بعض الأحيان بالشكل.

فقد كانت قريش ترفع راية سوداء، بينما رفع الأوس خضراء، والخزرج حمراء، فيما كانت راية الناصر صلاح الدين الأيوبي فاتح القدس صفراء رغم أنه في عنقه بيعة للخلافة العباسية والتي كانت رايتها سوداء، بينما اتخذ السلطان محمد الفاتح "فاتح القسطنطينية" راية حمراء (علم تركيا اليوم).
حتى أنّه فقهياً من غير الوارد أخذ شيء مقدس إلى المعركة كالقرآن أو ما ذكر اسم الله عليه، حتى لا يقع في أيدي الأعداء فينجسوه أو يضعوه في القاذورات، وهو ما حصل أسفاً في عدة معارك حصلت مع الجيش الأسدي..

وتتبجح بعض الأحزاب ومنهم حزب التحرير الذي أفتى بحرمة رفع علم الثورة، وبأننا نتفق مع الغرب على اتفاقية سايكس -بيكو ، التي قسمت البلدان العربية فيما بينها، ولو أنّ الواقع اليوم يقول إن سايكس -بيكو كبرى أمريكية – روسية – إيرانية جديدة تتوغل في المنطقة على أسس ليس قومية "وطنية" كالسابق، بل أصبحت كل قبيلة تريد أن تبني دولتها، وكل عشيرة لها حلم يوتوبيا الجمهورية المستقلة، ناهيك عن الدول المذهبية والطائفية والعرقية و الإثنية والتي تغزو خرائط سورية قبل أي بلد مدعومة من
دول إقليمية ودولية..

لم أجد أجمل من علم الثورة ممثلاً شرعياً لتلك الثورة، هل أم الشهيد لا تريد الإسلام، هل المعتقل في غياغب السجون ليس له إلا الله لا يريد الإسلام؟ هل الجريح الذي يئنُ منادياً يا رب لا يريد الإسلام؟ 
كل هؤلاء يريدون حباً وكرامة علم الثورة، يرون في زهاء ألوانه، في بهاء طلعته أحلاما كبيرة، وحتى لو فكرنا وطنياً وبنظرة واقعية محضة، فإن علم الثورة بديل آمن لكل متشدق عن أقليات قد تضطهد، رغم أنّه لا مضطهد ومشّرد ومقّتل سوانا..

علم الثورة ليس كفرا أو جريمة، إنما هو حلم شعب خرج من المساجد يرفعه نحو السماء يصرخ الله أكبر و مردداً بصوته الهدار..
لا إله إلا الله محمد رسول الله 
لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله 
لا إله إلا الله والأسد عدو الله 
مع علم الثورة نحن لا نغش أحداً بأننا الوكيل الحصري والوحيد للأمة الإسلامية، لا نرتكب الجرائم والكبائر باسم الشهادتين، كل أخطائنا ومشاكلنا وتفرقنا وترهاتنا وحسناتنا وإيجابياتنا وسيئاتنا عائدة لاجتهادنا نحن المسلمين في هذه البقعة ضمن إطار الثورة السورية العظيمة، وليس تشويه لركن الإسلام الأول..

علم الثورة فلتحيا مرفرفاً في السماء، في سبيل الإسلام، دين البشرية الخالد.. في سبيل حرية هذا الشعب و انعتاقه من الأغلال.

المراجع 
القرآن الكريم 
صحيح البخاري 
صحيح مسلم 
الكامل في التاريخ لابن الأثير 
تاريخ الطبري 
تاريخ ابن خلدون 
سنن الترمذي 
فتح الباري لابن حجر 
ابن منظور
تاريخ سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي

*ريف دمشق - مشاركة لــ"زمان الوصل"
(347)    هل أعجبتك المقالة (557)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي