مستَقبلُ ميليشيات وحداتِ الحمايّة الكُرديّة YPG.. مهند الكاطع

YPG هو اختصار لما يسمى قوات الحماية الشعبية التابعة لحزب العمال الكردستاني PKK، ويشكل حزب الاتحاد الديمقراطي برئاسة صالح مسلم الجناح السياسي السوري لتلك القوات في سوريا.
على الصعيد الاجتماعي وبعيداً عن الإعلام كنّا نسمع دائماً عن وجود حالات انشقاق وهروب لعناصر من قوات الحماية الشعبية YPG التي ظهرت بدعم من النظام السوري منذ نهاية سنة 2011 في منطقة الجزيرة وعين العرب وعفرين. ويبدو أن بعض هؤلاء العناصر باتوا يدركون بأنهم يقاتلون ضمن سياق لعبة كبيرة وخطيرة يشكل النظامان السوري والإيراني أحد أهم لاعبيها، فهذه المعركة كما يؤكد بعض الناشطين المستقلين من الأكراد هي ليست معركتهم وعناصر قوات الحماية الشعبية يدفعون اليوم ضريبة باهظة لأجل مصالح قيادات مرتهنة لنظام قاتل مجرم يستغلهم ويجعل منهم وقود حرب كما استغلهم أيام قائدهم أوجلان منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي وحتى تسليمه لأعدائه في نهاية التسعينات.
معظم الذين قرروا الانشقاق عن تلك القوات كان يغادر بصمت، وكانت وجهته غالباً إلى أوروبا لتقديم اللجوء "الإنساني" لتجنيبه أي مساءلات قانونية في المستقبل في ظل استمرار وضع حزب العمال الكردستاني على قائمة الإرهاب العالمية، وكان الهروب يجري دون إعلان أي انشقاق إعلامياً لذات الأسباب غالباً وأيضاً لمعرفته بما يمكن لتلك الميليشيات أن تفعله بحقه وحق ذويه.
من ناحية أخرى لم تكن ميليشيات وحدات الحماية الشعبية تسرب أي شيء من هذا القبيل للحفاظ على الروح المعنوية لباقي المقاتلين، وتجنباً لإثارة أي بلبلة ضمن صفوفهم.
لكن حادثة انشقاق عناصر غير كردية والتي تقوم قبل انشقاقها بقتل عناصر من الوحدات التي انضمت إليها هو حدث لا يمكن إخفاؤه أو تجاهله لما قد يحمله من ردود فعل سلبية واحتقان قد يخرج عن السيطرة تماماً.
فقد تواردت الأنباء يوم أمس السبت 13 كانون الأول 2014 عن قيام شاب عربي اسمه محمود الصبح والملقب "أبو جوهر" والمنضم إلى قوات الحماية الشعبية بقتل خمسة من زملائه من مقاتلي وحدات الحماية الشعبية YPG على حاجز في قرية "الأغيبش" العربية القريبة من تل تمر والتي شهدت بداية هذا العام والعام المنصرم عدة انتهاكات وتجريف منازل وقتل للمدنيين بشكل عشوائي على أيدي قوات الحماية الشعبية نفسها.
محمود الصبح انشق بكافة عتاده بعد أن قام بقتل كل من كان في حاجز القرية، الردّ الأول لتلك لقوات الحماية الشعبية كان بتجريف منزله واعتقال 5 من ذويه في القرية، وربما يقدمون خلال 48 الساعة القادمة باستغلال الحادثة لارتكاب مجازر بحق ذويه لردع باقي العناصر بتكرار ما فعله محمود الصبح.
في سياق متصل أقدم على الانشقاق من هذه الميليشيات الشاب مهند النامس بكافة عتاده أيضاً، والنامس إحدى العشائر المعروفة في الحسكة وتنقسم بين مؤيد ومعارض للنظام.
*العناصر غير الكردية ضمن ميليشيات YPG الإرهابية
انضمت عناصر غير كردية مثل بعض السريان والعرب لما يسمى وحدات حماية الشعب YPG التابعة لحزب العمال الكردستاني بين ثنائية الترغيب والترهيب، فالترغيب جرى على بعض المرتزقة من عناصر الدفاع الوطني الذين انضموا تحت إشراف النظام لهذه الوحدات، مثل كتيبة الشهيد كمال العبد الله التي أسسها "أبو جبل" القائد في الدفاع الوطني وتم تسميتها على اسم ابنه الذي قتل في إحدى معارك النظام، وعناصر ما يسمى جيش الكرامة وقوات "الصناديد" التي أسسها "حميدي الدهام الجربا" شيخ قبيلة شمر في سورية والذي تم تعيينه من قبل حزب العمال الكردستاني بمنصب حاكم مشترك للجزيرة مع المقاتلة السابقة في صفوف الحزب "هدية اليوسف".
الترهيب أيضاً لم يخرج من ذلك السياق، وكان أحياناً ضمن استغلال عداء بين أهالي قرية معينة وإحدى الكتائب المسلحة سواء الجيش الحر أو التنظيمات "الجهادية"، فيجد أهالي القرية المصلحة في الانضمام لقوات YPG. أو ترهيب الأقليات كالسريان من خطر التنظيمات الإسلامية المتطرفة المتربصة بهم وأنهم الضمانة الوحيدة لهم يعزز ذلك الشعور مصالح بعض الأشخاص من تلك الأقليات التي تطمح ببعض المكاسب الشخصية من وراء تلك التحالفات كما حدث من تحالف السيد "بسام سعيد إسحق" مع صالح مسلم.
*مصلحة ميليشيات YPG في ضم العناصر غير الكردية
يسعى حزب الاتحاد الديمقراطي PYD الجناح السياسي لتلك الميليشيات المتعاونة مع النظام أن يوحي للمجتمع الدولي بأن قواته لا تحمل طابعا قوميا أحاديا، إنما هي مشتركة بين جميع مكونات المجتمع على الصعيدين العسكري والسياسي، بدليل انخراط جناحها السياسي مع ما يسمى هيئة التنسيق الوطنية، حتى أصبح رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم نائباً لرئيس هيئة التنسيق "حسن عبد العظيم"، أيضاً مسرحية تنصيب حاكم عربي "بدون صلاحيات"، أو منح بعض المناصب الوهمية الأخرى لبعض العرب أو السريان من المحسوبين على النظام، كل ذلك يصب في خانة ذرّ الرماد في العيون ليس إلا، وهذا كله يأتي في سياق سياسة إعلامية تنفي مضامينها ممارسات تلك الميليشيات على الأرض من خلال قتل المدنيين عبر مجازر متتالية كما حدث في (تل تمر، تل براك، اليعربية، تل حميس، جنوب الردّ)، وحرق القرى العربية بشكل خاص وتهجير سكانها، والتضييق على الناشطين من كافة المكونات بما فيهم المكون الكردي ...الخ.
*YPG سورية على خُطى PKK في تركيا
تقوم قوات YPG التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD بالسير على نهج حزبها الأساسي العمال الكردستاني PKK ومحاولة إعادة تجربته بحذافيرها، فحزب العمال الكردستاني عندما بدء نشاطه في تركيا حاول استقطاب جميع مكونات المجتمع في جنوب شرق الأناضول على اعتبار أنها مناطق مهملة من قبل النظام، وأن الضرر كان على جميع المكونات هناك، وهذا ما يفسر بروز قيادات في الثمانينات من عناصر غير كردية "علوية، عربية"، لكن مع تقدم تجربة الحزب وتحوله في تركيا من حزب يطالب بحقوق الفقراء إلى عصابة تفرض الأتاوات وتجمع الأموال ولصوص تقطع الطرق الرئيسية وتغتال الناس وتحرق القرى، فقد بدأت الحاضنة الشعبية تنفض عنه وتتذمر، وخاصة المكونات غير الكردية، والتي لا تملك أساساً أي مشروع خاص بها أو تتبع أي أجندات أخرى والتي همها الوحيد الوضع المعيشي والاستقرار السياسي والأمن.
هذا اليوم يحدث سريعاً في الجانب السوري، ويبدو أن تجربة PKK في العراق جرى محاولة استنساخها بطريقة غبية جداً بحيث أن عملية الاستنساخ لم تراعِ الفوارق بين الحالة التركية والسورية من كافة النواحي، ولم تراعِ الحالة الثورية التي انطلقت أساساً من قبل السوريين وركب موجتها هذا الحزب، كما فعلت الكثير من الميليشيات الغريبة ذات الأجندة البعيدة عن السياق الوطني السوري. يقع في نفس الأخطاء والمطبات المجلس الوطني الكردي الذي يقوم باستنساخ التجربة الكردية في العراق وتكرار نفس الخطابات والشعارات ومحاولة اختلاق نفس المشاكل والإرهاصات في شمال العراق، لأنه أي "المجلس الوطني الكردي" يهدف إلى استنساخ نفس الحلول، فهو لم يعتد بأحزابه التي عملت وفق أجندة ارتضاها النظام في السابق على إيجاد حلول حقيقية تتناسب مع الواقع الكردي في سورية والمختلف بطبيعة الحال عن الواقع الكردي في العراق.
*مستقبل قوات الحماية الشعبية YPG
ضمن سياق تسارع وتيرة الأحداث في الجانب السوري، والانتهاكات الجسيمة التي تمارسها قوات الحماية الشعبية في سورية بحق جميع المكونات، والغبن الذي لحق بالمكون العربي على وجه الخصوص بخسارة العديد من أبنائه المدنيين وحرق وتجريف عشرات القرى لهم ومنعهم قسراً من زراعة أراضيهم.
ومع قراءة في السياسة التركية وسياسة المجتمع الدولي في التعامل مع هذه الميليشيات الإرهابية أو تعامل بعض الأنظمة التي استغلت تلك القوات سابقاً لمصالحها الخاصة فقط ثم تخلوا عنها عندما تطلب الأمر ذلك، أقول وانطلاقاً من إدراكي للطبيعة الجغرافية والديموغرافية لمناطق توزع قوات الحماية الشعبية في سورية بأن مهمتهم التي كلفهم بها النظام شارفت على الانتهاء، وأنهم تكبدوا خسائر كبيرة على منذ بدء اشتراكهم في معارك الدفاع عن النظام في بداية 2013، وأن الحشد الشعبي الظاهر لهم يأتي من بعض العوام بدافع الخوف من التهديد ليس إلا، ومع زوال هذا التهديد المفتعل لعوام الناس عندها لن تجد من يصمت على انتهاكاتهم وممارساتهم القبيحة وسيحاسبهم الشعب ذاته ولن يجدوا كهفاً يحميهم من غضب المظلومين.
هذه الانشقاقات التي نشهدها اليوم في صفوفهم وهذه الاغتيالات التي تحدث ضمن صفوفهم وبينهم ليست مستغربة وأتوقع أن وتيرتها ستزداد في الأيام المقبلة، في ظل استمراء تلك القوات بالانتهاكات بحق الناس وأهالي القرى كما أشرنا سابقاً ويجري ذلك على مرأى أحياناً من ذوي الضحايا، فعلى سبيل المثال، تم قتل 35 مدنياً في مجزرة تل خليل والحاجية و المتينية في ريف القامشلي في الوقت الذي كان بعض أقارب الضحايا ضمن مشروع الإدارة الذاتية، بل إن من اكتشف جثث بعض الضحايا هو قريب من الدرجة الأولى للضحايا ومقاتل في صفوف وحدات الحماية الكردية YPG. فكيف لنا أن نتخيَّل موقف هذا الشخص؟، وهل يمكنه بعد هذه الفاجعة أن يفكر بشيء غير الانتقام من المجرمين الذين خدعوه بشعارات براقة ومكاسب مادية عندما أرادوا منه أن يكون في صفوفهم؟
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية