أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مؤسسات المعارضة ودورها السيئ في الثورة مقابل مؤسسات النظام.. عماد غليون

لماذا تحول الناشطون والمعارضون من التندر والهجوم على مجلس الشعب وحكومة النظام ومؤسساته والفساد فيها إلى تناول الائتلاف والحكومة المؤقتة ووحدة تنسيق الدعم بعد أن كان مجرد المقارنة بينهما من المحرمات مع بداية الثورة السورية؟
كان الحكم بفساد مؤسسات النظام قطعيا مع أمل بأن تغير المؤسسات الوليدة للمعارضة الصورة كليا عبر اللجوء للشفافية والنزاهة والمحاسبة في عملها.

فشلت المعارضة منذ البداية، وعند تشكيل المجلس الوطني في مأسسة عملها ووضع أنظمة داخلية ولوائح يتم الالتزام بها؛ كان يتم تبرير ذلك في البداية بنقص الخبرة وضرورة العمل بسرعة، لكن الممارسات السيئة المستغربة والمتكررة باتت محط انتقاد واسع، بحيث لم يعد من المقبول والممكن السكوت عليها، وبات من الضروري البحث عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء فشل المؤسسات المختلفة للمعارضة.

تبدأ المشكلة من انطلاق مؤسسات المعارضة كهيئات مرحلية مؤقتة ومن ثم سعي القائمين عليها إلى تحويلها لسلطات فعلية لدولة غير موجودة؛ فتحول المجلس الوطني ومن بعده الائتلاف الوطني لما يشبه السلطة التشريعية، ومن ثم ظهرت الحكومة المؤقتة كسلطة تنفيذية، وبعدها وحدة تنسيق الدعم والمجالس المحلية مع هيئة الأركان كممثل لكتائب المعارضة المسلحة.

تم تشكيل الائتلاف عبر توافقات إقليمية ودولية وليس عبر الانتخاب أو بشكل ديمقراطي، وبقي ذلك مصدر تشوه أساسي في عمله، حيث يسود الشعور بأن أعضاءه مفروضون لا يمثلون الثورة بالشكل الصحيح ولا يستطيعون تقديم شيء للناس أو العيش بينهم.

وفوق ذلك فهم مفروضون لا يمكن إبعادهم أو سحب الثقة عنهم ولا حتى محاسبتهم أو مناقشة قراراتهم وتصويبها والتي غالبا ما تكون إرضاء للجهات الداعمة لكتل الائتلاف.

عند تشكيل الائتلاف ربما أريد له أن يكون سلطة حقيقية من قبل داعميه وكان على أعضاء الائتلاف أن يغتنموا الفرصة السانحة في البداية ويعلنوا عن أنفسهم نواة لمجلس تأسيسي أو تشريعي وأن يتم تبني دستور للبلاد ومن ثم وضع نظام داخلي لعمل الائتلاف كمؤسسة تشريعية يتوافق مع مبادئ الدستور.

في ظل غياب الدستور لم تتضح مهام الائتلاف، حيث مارس دور السلطة التشريعية والتنفيذية في ظل غياب سلطة قضاء أو محاسبة وهذا الخلط بين السلطات ساهم في تضخم دور الائتلاف دون وجود رقابة أو شفافية، ما ساعد على انتشار العمل الفردي والفساد بشكل واسع.

بالمقارنة، فإن مجلس الشعب يتم اختيار أعضائه بشكل دقيق من قبل لجان حزبية وأمنية، ومن ثم تجري عملية الانتخاب الشكلية لهم، ولكن المجلس يمارس دوره من الناحية الشكلية في دراسة القوانين والمراسيم وإقرارها ويعقد اجتماعاته بانتظام وفق نظامه الداخلي، لكنه يعرف حدود الصلاحيات الحقيقية المرسومة له، ولا يتجاوزها ولم يحدث أن رفض أي قانون أو مرسوم مرسل إليه، وكذلك لم تقم لجان المجلس بفرض أي قانون على الحكومة تم اقتراحه ودراسته من قبلها.

بالنتيجة يبدو مجلس الشعب التابع للنظام بأنه يمارس دوره بشكل نمطي ممتاز وفق دستور البلاد والنظام الداخلي للمجلس، لكن عمله مراقب ومسير بدقة من قبل أجهزة أمنية خاصة تدير البلاد بشكل خفي.
بالمقابل، فإن الائتلاف يعمل وفق الميثاق الأساسي لتأسيسه، والذي تم اختراقه مرارا، خاصة فيما يتعلق بقبول التفاوض مع النظام ومن ثم تم إجراء تعديلات عليه تلبي مطالب الداعمين.

وقام الائتلاف بخرق نظامه الداخلي وصلاحياته مرارا من خلال تفسيرات وأسباب واهية، وبشكل خاص لتمرير استحقاق انتخاب رئيس الائتلاف والحكومة المؤقتة.
وجرى ذلك بشكل غير لائق جعل الائتلاف عرضة للسخرية وعدم الثقة والأهلية وسبب اتقسامات حادة في صفوفه وصلت لحد الإطاحة به كليا.

وأراد الائتلاف تشكيل حكومته المؤقتة على غرار حكومة النظام بلا صلاحيات تنفيذية حقيقية وتابعة له يمارس من خلالها السلطة الفعلية؛ ولم يغفر الائتلاف لرئيس الحكومة المؤقتة أحمد طعمة محاولة ممارسة صلاحياته كرئيس حكومة، فقام بسحب الثقة عنه وإقالته ثم عاد بشكل غريب وتحت الضغط الخارجي لتكريسه رئيسا للحكومة من جديد.

تبدو حكومة النظام هنا أيضا تمارس عملها بشكل منتظم ونمطي ومهني في ظل وجود خبرات إدارية وفنية ومتراكمة وقوانين وأنظمة داخلية للحكومة والوزارات المعنية، بينما بقيت الحكومة المؤقتة تعيش حالة من العجز لأسباب تتعلق بنقص الدعم والخبرات والصراعات السياسية وتنازع الصلاحيات مع الائتلاف، وربما كان من الأجدى والأفضل لمصالح الناس، حسب واقع الائتلاف أن يتم العمل على تشكيل إدارات تنفيذية بدلا من الحكومة والوزراء بحيث تقدم خدمات ميدانية ومباشرة للناس.

ليس مفهوما أو مبررا غياب السلطة القضائية وعملية المحاسبة عن عمل مؤسسات المعارضة التي تمثل ثورة تريد الإطاحة بنظام فاسد، ومن يقف وراء ذلك؛ ورغم عدم استقلالية قضاء النظام والفساد المستشري فيه، إلا أنه بقي هنالك جهاز قضائي ورقابي في البلاد، وربما كان سيتم من خلالها إغلاق ملفات فساد كالتي رشحت عن وحدة تنسيق الدعم بشكل أفضل مما قام به الائتلاف نفسه.

فشل المعارضة في بناء مؤسساتها ربما ساهم -إلى حد كبير- في عدم ثقة الأصدقاء بقدرتها على استلام دفة الحكم وإدارة البلاد، وبهذا تكون قد ساهمت بشكل مباشر بدور كبير في إجهاض الثورة وعدم تحقيق أهدافها، ويعود ذلك لعدم جدية أعضاء الائتلاف وسعيهم وراء أهداف شخصية ودخولهم لعبة الاستقطاب وخسارتهم حرية اتخاذ القرارات.

لا يبدو أن مؤسسات المعارضة متجهة نحو تطوير عملها وتحويله باتجاه المأسسة والشفافية، وربما حتى دول الأصدقاء لم تعد تريد ذلك في ظل السعي لحل سياسي يضمن بقاء الإدارات القائمة حاليا في البلاد وسيبقى عملها قيد المراوحة بالمكان حتى يتم دمجها في تلك الادارات والمؤسسات وتبقى برقبتها مسؤولية تاريخية تجاه الثورة السورية، وسيأتي اليوم الذي تفتح فيه ملفاتها بدون ريب.

(120)    هل أعجبتك المقالة (132)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي