أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سيارات بيت الأسد.. خطيب بدلة

منع حافظ الأسد مطلع الثمانينات، استيرادَ السيارات العامة والسياحية

سأحدثكم عن تجربتي في شراء سيارة خاصة سنة 1987... والحديث عن السيارات، في سورية التي تحكمُها عائلةُ الأسد منذ عام 1970، له شؤون، وشجون، وتفريعات، وقصص، وحكايات،.. وله- بحسب ما كان يقول الممثل الكوميدي ناجي جبر (أبو عنتر)- فكاهة. 

لم يكن أي موظف، أو كاتب، أو صحفي، من أمثالي، يمتلك مبلغاً من المال يكفي لشراء سيارة، ولكن التفكير (أو الحلم) بذلك ممكن؛ إذ يفتحُ المرءُ دفاتره الجديدة والعتيقة، ويقول لنفسه: أبيعُ الدراجة النارية، وأفتحُ حصالة طفلي وآخذ ما فيها من نقود، وأستخرج قرضاً من مصرف التسليف على اسمي، وقرضاً آخر على اسم زوجتي.. ولأن الزوجة ستكون المستفيد الأكبر من اقتناء السيارة في مجال النزهات فهي مستعدة للتضحية- إضافة إلى القرض- بإسورتها، وسلسالها الذهبي. وعندما يَتَجَمَّعُ مبلغٌ يقارب ثمن السيارة يمكن أن يهب أصحابُ النخوة والضمير من الأهل والأقارب لإتمامه.

لا يظنن أحد من السادة القراء أن المقصود بالكلام الذي تَقَدَّمَ هو شراء سيارة جديدة من موديل السنة التي نحن فيها، كما هو الحال عند إخوتنا الخليجيين الذين يبدلون سياراتهم بقصد تحديث الموديل فقط، وإنما هي سيارة عتيقة، مستعملة (عايفة حالها).   

لقد منعَ الديكتاتور حافظُ الأسد، بناء على سياسة "شد الأحزمة على البطون" التي انتهجها بدءأً من مطلع الثمانينات، استيرادَ السيارات العامة والسياحية، فخلق هذا القرارُ هوساً محموماً عندنا نحن السورين تجلى بإعادة إحياء السيارات القديمة المستهلكة، ونشطت، بناء عليه، ورشات الإصلاح التي تستلم السيارة القديمة، وهي بحكم الأنقاض، فتصلح محركها أولاً، ثم تبدل بقشرتها الحديدية الخارجية قشرةً جديدة ثانياً، وتبدل بفرشها الداخلي المهترئ فرشاً جديداً ثالثاً، ثم تنقل السيارة إلى الكهربجي، ليجدد تمديداتها الكهربائية رابعاً، وإلى ورشة البخ والدهان لتعيد طلاءها بلونها القديم، أو بلون آخر مختلف خامساً، ثم، أخيراً، تُنْقَلُ إلى دكان إصلاح الدواليب ليركب لها عجلات أقل قدماً وسوءاً من عجلاتها الحالية، لتصبح، بعد هذا كله، كما كان يعبر ابن عمي أبو فكري: إذا ضربتَ لها على الطَبْلة ترقص.

تجمعَ لدي، بلا طول سيرة، مبلغ يكفي لشراء سيارة، بما يتلاءم مع وسطي الأسعار الشائعة يومذاك. وضعتُه في كيس ورقي، وقرأتْ عليه زوجتي الصمدية، وآية الكرسي، والمعوذتين، ونفخت عليه، وآذنتني بالتحرك، فحملتُه وذهبتُ إلى مكتب الصداقة عند "دوار المحريب. وما إن عرضتُ الفكرة على صاحب المكتب أبي ابراهيم حتى ضحك وقال لي: 

- صح النوم أستاذ. تأخرت كتير، اليوم ارتفعت أسعار السيارات المستعملة بمقدار الضعفين.

صفرتُ صفر يعجز عنها أكبر مربي حَمام في البلد، وقلت له: ليش؟

فشرح لي ما حصل، بالتفصيل، وهو: أن القيادة الاقتصادية السورية الحكيمة، التابعة للقيادة السياسية الأكثر حكمة، كانت قد فتحت للمواطنين باب التسجيل على بيكآبات زراعية (وانيتات)، بأسعار مخفضة، فنزلت أسعار السيارات المستعملة، ولله الحمد، وصار حتى الموظف التعبان، من أمثالك يا أستاذ، قادراً على اقتناء سيارة... وحينما تصالح حافظُ الأسد مع أخيه الصغير رفعات، وأعطاه كل ما يوجد في البنك المركزي السوري من أموال، لقاء أن يغادر البلد برائحة طيبة (مع أن رائحة رفعات طيبة بطبيعة الحال!)، وقع قائدنا الكبير حافظ في حيص بيص، إذ لم يبق مع فرنك سوري أصفر. ووقتها هب الفريق الاقتصادي الحكيم لإنقاذه، ففتحوا باب التسجيل على كمية كبيرة من السيارات السياحية والبيكآبات الزراعية، فانفرج الناس نفسياً، وبدؤوا يبيعون ما فوقهم وما تحتهم ويودعون السلفة الخاصة بالسجيل في المصرف التجاري، وأصبحت فروع المصرف تملأ الأموال في الأعدال وترسلها إلى المركزي بدمشق.

وحينما مضى على ذلك عامان، وأكثر، ولم يتسلم المكتتبون سياراتهم، يئسوا وعادوا يبحثون عن السيارات المستعملة التي ارتفع سعرها بنسبة صغيرة بناء على الطلب المتزايد.

قلت لأبي ابراهيم: بصراحة أنا أعرف كل هذا الذي تقوله. فما الجديد؟

قال: الجديد الذي جعل أسعار المستعمل تتتضاعف هو أن قراراً صدر قبل يومين تقول فيه مؤسسة الاستيراد للمواطنين المكتتبين:

- لا تؤاخذونا حبيباتي، كنا نمزح معكم (بالمصري نهزر، وبالكويتي نتقشمر)، ومشكلة القائد الكبير حافظ مع القائد الصغير رفعات انقضت على خير، والحمد لله، ولن نعطيكم، من ثم، لا سيارات ولا مَيَّارات، والآن، أصبح من حق كل مكتتب أن يسحب مبلغه بعد أن يتخلى عن ألف ليرة لقاء العمولات.. وباختصار: كل اللي بيننا انتهى والحب كان أوهام! 

***
طبعاً أنتم تتوقعون ماذا فعلت يومئذ. أعدت لكل ذي حق حقه، وبقيت بلا سيارة لبضع سنوات أخرى.

من كتاب "زمان الوصل"
(394)    هل أعجبتك المقالة (328)

نيزك سماوي

2014-12-15

هذه سيارات الشعب السوري الذي حصاره ذاك المجرم العميل حتى الطرطراة كانت حلم حتى موتور الدولابين كان حلم وكلما كنت أشتري موتور يتم مصادرته وأدفع رشوة 5000 ليرة حتى أرجعه ولكن بالمقابل أستاذنا لم تذكر سيارات آل الوحش ألا وهي الشبحات وغيرها من السيارت المظللة الفارهة التي كانوا يركبونها ، كنت أرى أحدث السيارات واحدث الموديلات معهم كلها من سرقتهم للشعب السوري ، من أين لهم هذا يا سيدي ؟ من أين أصبحوا أغنياء يا سيدي ؟ لم يهاجروا لم يسافروا لم يرثوا عن آبائهم سوى الرسن ؟ الرسن : هو حبل يحزم على رأس الحمار كي يتم توجيهه والتحكم به أثناء الركوب للعلم وفي الختام ومع ذكر هؤلاء المجرمين اللصوص الخونة العملاء القتلة يجب آلا ننسى أن ندعو عليهم يحرق روحك يا حافر يحرق روحك يا حافر على روح الوريث ابن الحرام ابن صلاح جديد وانيسة.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي