أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

رؤية الأدب ما بعد الثورة .. آشور دياب

خلال العقود الماضية عملت المؤسسات الادبية والثقافية والدينية على امتداد الوطن العربي على تسخير الجهود لبناء قناعات وأجواء تنذر بوجود الخطر الخارجي، وضرورة الاستعداد له، إضافة إلى إشغال الرأي العام بالولاء للقائد، الذي يرتبط حبه بحب الوطن وضرورة التضحية بالأرواح والدماء في سبيل كل هذه القناعات التي يتطلب تحقيقها موت الشباب تحت شعار «نموت ليحيا الوطن»، بعيداً عن بناء ثقافة الحياة و حقوق الإنسان وحرية التعبير عن الرأي والعيش بكرامة ورفض الظلم.

وعملت الأنظمة الحاكمة في معظم البلدان العربية على تجسيد فكر الطغاة من خلال تسخير كافة مؤسسات و دوائر هذه الدول لطباعة شرعيتهم وأحقيتهم في الحكم في أذهان مواطنيهم، و تثبيت ذلك على الأرض، كما اكتشفت الأنظمة عبر التاريخ الدور المهم للأدب، فقامت بمصادرته عبر الكثير من الممارسات والإجراءات، كان في مقدمتها القمع والعنف ضد أي أفكار وثقافة مضادة لفكر وثقافة الحاكم وسياساته، إلا أن الشباب العربي بعد أن اكتشف أن عليه التحرر من قيود الفقر والبطالة والذل، و ذلك لن يتحقق إلا من خلال إزالة الحكومات بكل مفاصلها ومفكريها ومؤسساتها، كي يتمكن من إثبات أن الدماء والموت ثقافة لاتساعد إلا في تأخير نهضة الأمم، وأن ما يسهم في تقدمها هو عرق أبنائها وإبداعاتهم، حين يشعرون بأنهم ينتمون فعلاً لوطن يعترف بقيمتهم الإنسانية ولا يعتبر المواطن فيه مجرد رقم من الممكن أن يضحى به.

فإعادة بناء ثقافة حقوق الإنسان وحرية التعبير عن الرأي والعيش بكرامة ورفض الظلم تقع حالياً على عاتق المثقفين، المفكرين، الادباء، الفنانين، فهناك ارتباط وثيق بين الأدب والثورات الشعبية، بشرط أن يكون الأدب مرتبط بأحلام الناس وتطلعاتهم وأن يكون الأديب مرتبط بإنسانيته، بعيداً عن الالتحاق بالسلطة ومؤسساتها القمعية، وبعيداً عن المصالح الشخصية التي تحول الإبداع إلى سلعة وتجارة في إطار مصالح آنية تزول بزوال الأشخاص.

لذلك كلما ازدادت التحديات التي تواجه المجتمع تزداد الحاجة للمثقف، الأديب، الفنان باعتباره إنساناً يتميز عن بقدرته العالية على التفكير وإدراك الخطر والتحديات التي تواجه المجتمع الذي يعيش فيه، بالاضافة إلى قدرته على التعبير وتوجيههم بما يؤثر على قناعات الناس ومساعدتهم في تكوين الآراء واتخاذ المواقف المطلوبة منهم. 

فيجب على الأديب أن يثور على استبداد القوى الثقافية التابعة للديكتاتوريات الحاكمة، ويعلن توبته عن مدحها، وبدأ عصرًا جديدًا من الحرية الفكرية والثقافية التي تجعل من القلم سيف الشعوب ودرعها، وعلى الثورة نفسها أن تعلن توبة الشعب عن تجاهل العلوم والحقائق والثقافة التي طالما غاب عنها وركض وراء لقمة عيشه كما رسمت له الديكتاتوريات، ومن هنا يصبح الأدباء والشعوب على علاقة جديدة سوف تحدد ملامح ثقافة مابعد الثورة، و على مستوى من الوعي والذي سيرسم يرسم شكل الإبداع والتلقي، ورؤى جديدة سوف تجعل العالم يراجع نظرته للواقع العربي...

(150)    هل أعجبتك المقالة (152)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي