أصبح القاصي والداني مدركا بأن الثورة السورية قد تحولت إلى حرب طاحنة بالوكالة لا تبقي ولا تذر، قائمة على صراعات ومصالح دولية خرجت عن السيطرة والخاسر الوحيد الشعب السوري.
والجميع يعلم أن الثمن الذي دفعه ويدفعه الشعب السوري كل دقيقة، إن كان تحت القذائف والصورايخ من جهة، أو في المخيمات ودول اللجوء من جهة ثانية، تجاوز ما نتج عن الحروب والثورات في 100 سنة الماضية، وقد تحولت مطالب الشعب السوري من طلب الديمقراطية إلى حرب تصفية حسابات، كما ويدرك الجميع بأنه ولمدة طويلة لم يكن من إرهاب بين صفوف الثوار، وإنما ظهرت مظاهر الإرهاب بعد سنوات من الحراك الشعبي، في ظل ذلك ظهرت تكتلات وتجمعات كثيرة ثم تلاشت، وظهر كيانات أخرى مما أصبح سيناريو الجمع والتفكك ظاهرة دائمة، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على عدم وجود القيادات الحكيمة وتدخل أطراف من الخارج في شؤون تلك الكيانات أدت إلى زعزعتها وتلاشيها.
من جهة أخرى ظهرت أجسام وكيانات للمعارضة بالخارج (المجلس الوطني -الائتلاف الوطني)، توجهت إليها الأنظار من الداخل والخارج، مالبث أن تلاشى دورها، كالكيانات في الداخل ولكن أسباب التلاشي هنا مختلفة تماما.
بعد إعلان تأسيس المجلس الوطني السوري بدأت الصراعات في داخله على توزيع المناصب والوظائف من جهة، وعدم وجود الرؤية من جهة ثانية والانفصال عن الواقع من جهة ثالثة، وسيطرة البعض عليه من جهة رابعة.
نتيجة لما سبق، بدأ المجلس الوطني بالتقهقر وبشكل سريع، ما أدى إلى تململ المجتمع الدولي وخروج وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية السيدة كلينتون واصفة" المجلس الوطني بإنه لا يمثل مكونات المعارضة السورية (بل ونعته)، حيث لم يعد أحد يرى أو يقر بوجوده.
سرعان ما اتفقت بعض الدول الإقليمية والدولية على تشكيل الجسم البديل (الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية)، الذي استحوذ المجلس الوطني على ثلث أعضائه واعتذرت هيئة التسيق وتيار بناء الدولة والمنبر الديمقراطي على الدخول لأسبابهم الخاصة بهم، ومن الأهمية بمكان أن رئيس الائتلاف الأول كان بالفعل من القوى الثورية، حيث انتخب أحمد معاذ الخطيب الذي يمثل المجلس المحلي لمحافظة دمشق، دون أن يترشح أمامه أحد.
وحاز على جميع أصوات الهيئة العامة تقريبا"، ما أعطى للناس من السوريين وغير السوريين شحنة تفاؤل وأمل مالبثت أن تبددت لعجز الرئيس الجديد عن تجاوز الصراعات التي دخلت الائتلاف من ساعة ولادته الأولى، وكذلك الضغوط الدولية لتوسعة الهيئة العامة التي أتت بالفعل بضغوطات دولية أقرت التوسعة بعد اجتماع الأيام التسعة المتواصلة، وكانت النتيجة زيادة التشرذم وعدم الوصول إلى قرارات داخل الائتلاف لترهل الجسم.
بل على العكس تماما، أدت التوسعة إلى استقطاب على أعلى المستويات وتنازع على السلطة بشكل محزن ومقلق، ومع كل المحاولات لجمع الصف والكلمة إلا أنه لم تكلل أي محاولة ومن أي جهة بالنجاح.
والمضحك المبكي أن الائتلاف ومن قبله المجلس الوطني جمعا كثيرا ممن كنا نرى أنهم أقطاب في المعارضة والسياسة، ولأربع سنوات خلت لم يصدر عن هذه الأجسام أي مبادرة أو رؤية سياسية، أوخطة عمل ترقى لحجم تضحيات الشعب السوري العظيم، بل مازالوا ينتظرون ماذا يريد الآخرون، وماهو المطلوب للتنفيذ حتى وصل الحال إلى ما هو عليه الآن من تشرذم وتصدع وارتهان.
كل ماسبق أدى إلى فقدان التمثيل للشعب السوري أو الثورة، ولا يخفى على أحد أن الائتلاف وحكومته منفصلان تماما عن الناس في الداخل، أو حتى المخيمات أو دول اللجوء، ولم يستطيعوا المصادقة على شهادة ثانوية عامة أو إصدار جواز سفر أو علاج مريض بعد أن اعترفت بهم 120 دولة بأنهم ممثلون للشعب السوري.
الأشهر الستة الأخيرة أصبح الائتلاف وحكومته خارج خارطة الدول وخصوصا الأصدقاء لانفصال الائتلاف عن الواقع والمتغيرات اللحظية على المستوى السوري والدولي، حيث لازال المتحدثون حتى اللحظة يتكلمون بشعارات أطفال درعا دون تحديث أو تطوير الخطاب بما يتناسب مع الحالة.
خلاصة القول، إنه من الواجب الأخلاقي والوطني أن تجتمع المعارضة السورية على طاولة مستديرة للوصول إلى مايجب الوصول إليه بما يرتقي لتطلعات الشعب السوري العظيم وآماله،
*عضو في "الائتلاف الوطني" - مساهمة لــ"زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية