لماذا نقتل أنفسنا.. الشيخ حسن ابراهيم الدغيم*

ارشيف

بداية لابد من التنويه أننا عندما ننتقد مدرسة سياسية أو فكرية إسلامية فإنما نبني إنتقادنا على أصول المدرسة الإسلامية في النقد فلاسب ولاشتم ولاتحقير ولاإستخفاف ولاسخرية وإنما محاولة لإستظهار الراجح على المرجوح وتقديم الفاضل على المفضول والتعاون على الإقتراب من الصواب (وتعاونوا على البر والتقوى) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (سددوا وقاربوا )ومن هذه المدارس مدرسة القاعدة ونحن نفرق دائما بين المدرسة وبين التنظيم فأي تنظيم له هرميته من أمير أورئيس ومجلس قيادة ومنسوبين أما المدرسة فهي الأوسع وهي التيار الذي يخرج من محضنه التنظيم والحزب فالمدرسة تحتوي الأصول الفكرية والمنظرين والأنصار والمواليين ولايشترط أن يكونوا هؤلاء ضمن هرمية التنظيم ،ويقول سليمان الأعمش: ظلمت أخاك إن ذكرت مسائه وغفلت عن محاسنه ولاشك أن لمدرسة القاعدة دور ريادي في إحياء روح الجهاد بالأمة والقدرة على تحشيد الشباب المسلم وجره من الإنشغال بالتوافه  من الأمور إلى تقلد عظائمها ومن التسكع في الشوارع إلى مقارعة الطواغيت و توجيه ضربات نوعية لعمق العدو والتشريد به مع تنبيهنا إلى أن هذه الخصال المذكورة ليست بالضرورة نابعة من إيجابيات التنظيم الحركية والفكرية لا بل هي نابعة من صفاء الجوهر عند عامة المنتسبين والمتحرقين لخدمة الجهاد والدين ولاشك أن وجود عدد هائل من الغيارى والأبطال والمحبين لله ورسوله سينتج عنهم آثار عظيمة ولو أن هؤلاء كانوا تحت راية كفر وقاتلوا من هو أكفر منها خدمة للدين لفعلوا الأفاعيل ودفع الله بهم عن الحق دفعا عظيماً،ولكن كل هذا يمكن التحصل عليه وتبقى فيه مدرسة القاعدة رائدة للجهاد ورأس حربة له لولا مارافق نشوء هذا التنظيم من تشوه فكري بسيط ضمن دائرة الإحتمال ليصبح فيمابعد سرطانا مستشريا فتاكا في جسد الأمة ألا وهو التوسع في التكفير التنظيمي والسياسي وإنما أسميته بذلك لأن التكفير بالأساس هو حكم شرعي من إختصاص المؤهلين في القضاء والفتوى يوقعونه نيابة عن رب العالمين في تجريد مسلم من أن وصف الإسلام  لناقض ينقله عن  الملة وله ضوابط شديدة تستلزم الحوار والإستتابة وعبر عنها إبن تيمية بقوله (من دخل الإسلام بيقين لايخرج منه إلا بيقين )ولذلك أطلقت مصطلح التكفير التنظيمي الذي عبر عنه واقع السنين الأخيرة خاصة في العراق وسوريا .

مانأخذه على القاعدة 
1- تبني مايسمى جهاد الطليعة والنخبة وهو يعتمد العناصر المعدة عقدياًوفكرياًوبدنياًوممنهجة ضمن قالب فكري حدي ومتصلب كسلفي جهادي وغيره وهذا النوع من الجهاد قد يصلح في الطلب أو الأحوال المستقرة للأمة لكنه فاشل في جهاد الدفع وظروف التداعي الأممي لأنه يهمل دور الحاضنة الشعبية ويستعلي عليها وترى الحاضنة هذا الجهاد لايمثلها ولا تبذل في سبيله وهذا ليس خاصا بالقاعدة فقد كانت النتيجة نفسها في عام 1982 في سوريا مع الإخوان المسلمين .
2- تبني أكثر الإختيارات الفقهية صلابة وقسوة والتبرم بالرخص ومحاولة حمل الأمة عليه من خلال الإغراق الإعلامي وغمز قناة المذاهب الفكرية الأخرى لاسيما في قرن المذهب السلفي بالجهادي رغم أن جميع مدارس أهل السنة والجماعة مشهود بجهادها العظيم لاسيما الأشعرية ،مع الإشارة إلى أن أئمة الهدى والرشاد رفضوا حمل الأمة على قول واحد كرفض مالك بن أنس لطلب المنصور بحمل الناس على الموطأ.
3- إحتكار صحة المنهج والإدعاء بحصرية إتباع السلف ووصف جميع أدبيات التنظيم بأنه منهج أهل السنة والجماعة وأهل الحديث والأثر كتفسير آيات الحاكمية بالتفسير القطبي والحكم بالردة على كل أنواع المخالفة رغم وجود الخلاف العريض في تفسيرها.
4- إعتماد القوة في فرض المعتقد وحل المشاكل عن طريق إستخدام السلاح والأمثلة موفورة كضرب حركة الشباب المجاهدين للمحاكم الإسلامية في الصومال رغم الدعوات الدائمة للحوار وكاستخدام جبهة النصرة للقوة في نزع سلاح المرابطين في إدلب وحماه بذرائع الردة والعمالة ،هذا إذا لم نحسب الدولة على القاعدة وإلا لطاشت الموازين.
5- إسخدام الأسماء الحركية والكنى الجغرافية والغموض في التنظيم والمرجعية والقيادة مما سهل عمليات الإختراق الإيراني في العراق والإثيوبي في الصومال والروسي والغربي في سوريا وأدى لإنحراف منهجي هائل نتج عنه صراع  أودى بمئات الأرواح بين أبناء التنظيم نفسه دولة ونصرة وربما ينتقل إلى داخل المكون نفسه بعد الإنقسامات بين تيارات التكفير.
6- إستخدام الأحكام الشرعية كغطاء للمد العسكري والعشق السلطوي كأحكام التكفبر والهجرة مما أدى إلى إنتشار أفكار الغلو والتطرف الخارجي ونشأ عنه التنظيم العوادي الذي شوه سمعة الإسلام وإستباح المحرمات وسفك دماء المسلمين وصحيح أن بعض أجنحة القاعدة تبرأت منه لكن مازال زعيم تنظيم القاعدة يطالبه بالعوة إلى العراق وترك الشام وفي هذا الطلب إستخفاف بدماء أهل العراق وإقرار للمجرم على إجرامه ،ولاننسى أن المنشأ الفكري والمواد المدرسة قريبة من بعضها .
7- تضخيمه لقضية الخلافة هي الحل ويشاركه في هذا حزب التحرير وقولبت كل السياسات في تأسيس هذا الإتجاه والدفع به دون الإعتبار بالسنن الكونية ومراعاة حال الشعوب المستضعفة وضيق سبل التحرر من الطواغيت حتى نتج عن ذلك إعلان الخلافة المشوه الذي بغض من كان يحب ويسعى للخلافة صار له اليوم مشكلة مع الجهاد بل مع الدين الإسلامي نفسه وكذلك إعلان الإمارات المهرجانية المفرغة من مضمونها كإمارة المغرب وإمارة الشام الأخيرة في بعض قرى الشمال السوري وقد أنكر الشيخ أسامة رحمه الله في آخر أيامه إعلان تبعية اليمن وغيرها للقاعدة.
8- الطوام السياسية المدمرة كالتفجيرات في التجمعات المدنية وإستهداف السياح والخبراء وتذعير العالم على الأمة وبناء إستراتيجية مغلوطة وهي إستقدام آلة الحرب المدمرة إلى بلاد المسلمين والتوحل في تنظيرات تخطط لحروب تستمر عشرات السنين دون دراسة إمكانيات الدول القطرية أو الأمة عامة كتصريح بيت الله محسود بفتح الأندلس والقوات الإسبانية عل ىشواطئ دجلة والفرات.
9- تحقير علماء الأمة ووصفهم بعلماء الختم والسلطان وتولي الفتوى إناس غير مختصين بالعلم الشرعي الأكاديمي وإنما هم مجرد هواة كالدكتور فضل صاحب  كتاب العدة وكتاب الجامع وهما ذائعي الإنتشار ويحوي الأخير مسائل خطيرة بالتكفير  والدكتور فضل هو طبيب جراح غير مختص بالعلوم الشرعية حتى أن الظواهري أنكر على الدكتور فضل كتاب الجامع في العلم الشريف لمافيه من الغلو وشذبه بكتاب الهادي إلى سبيل الرشاد وكان هذا سبب الخلاف بين الظواهري وسيد إمام الدكتور فضل وتبادل الإتهامات إلى درجة نشر الغسيل في رسائل التبرئة للظواهري ومن ثم التعرية لسيد إمام ومن ثم التجلية للسباعي وإنتهت باتهام سيد إمام للظواهري بالعمالة والإستكانة للحماية الإيرانية وإتهام السباعي للدكتور فضل سيد إمام بأنه عالم وإنتكس.
10- إعتماد تنظيم القاعدة على مصادر معرفية مشبوهة كتداولهم كتاب إدارة التوحش والذي يخطط لإقامة مناطق محررة ضمن العالم الإسلامي تقوم على تهيئة الأرضية لممارسات قتالية منعدمة الجدوى قائمة عل ىإستجلاب أعداء الأمة وقتالهم على أرضنا وهدم وإنهاك البنية التحتية للأنظمة دون مراعاة مفاسد هدم الدول دون البدائل الصالحة والمجدية علاوة على أن مؤلف هذا الكتاب وهو المكنى بأبي بكر ناجي وإسمه كما يؤكد سيد إمام الشريف في لقاء متلفز بأنه عبد العزيز الحكايمة وهو موظف ومقيم في الإذاعة الإيرانية ومن هنا نشعر بالصدمة إلى أي حد بلغ الإختراق الإيراني بنية وعقل التنظيم .
11- الفشل الذريع في بناء التحالفات السياسية والعسكرية مع المسلمين أو مع المخالفين والدخول بصراع عالمي مع كل من يعتبرونه طاغوتا أو عونا أو موظفا حكوميا وبذلك حرموا الجهاد من مصادر الدعم وكثروا خانة الأعداء حتى لم يتركوا صديقا ً إلا بواشق الجبال وغربان الغابات الموحشة وفي هذا مخالفة واضحة للنهج النبوي في التحالف السياسي والتآزر والموادعات والمعاهدات كمحالفة خزاعة على قريش.
12- عدم إستفادة العقل الجمعي للتنظيم من التجارب الفاشلة والمراحل المرة والإصرار على الإللتداغ من نفس الجحر في كل بلد والعمل من نقطة الصفر وكانت تقتصر المراجعات على بعض المنظرين كأبي بصير الطرطوسي وأبي حفص الموريتاني وأبي إسحق الفزازي وحتى عندما يقوم هؤلاء المنظرين بالمراجعة الفكرية والعلمية ويثيبون إلى رشدهم يصفهم العقل الجمعي للتنظيم بأنهم علماء منتكسين !!!!،كماأنه يجدر الإشارة إلى أن سلوك جبهة النصرة في العامين الأوليين من ثورة الشام كانت تتفادى هذه الأخطاء الكارثية ولكن للأسف وبعد عزل الشيخ أبو ماريا القحطاني وقتل الشيخ يعقوب العمر إتجهت النصرة إلى التمحور حول الجحر اللادغ والإقتراب من أنياب الحنش الداعشي ،،ومازال مفتو القاعدة المقدسي وأبو قتادة على تشددهم مع تقديرنا لإنكارهم على العوادية سفكهم للدماء،
13- النمط المسلكي عند منتسبي التنظيم لاسيما الشرعيون من التعالي والتصرم والتبرم بالنصيحة والشعور بالفوقية والتمييز والقداسة للتنظيم وفي هذا لاشك دليل على الإعداد الخاطئ والتدريب على التصلب وتبلد مشاعر الشفقة والمحبة وتضييق مساحة التفاهم والتشاركية بحجة المحافظة عاى الولاء وسلامة التنظيم من التفك.
14- الأهداف الغائبة والمجازفات المهرجانية والتحدي على العظام المحطمة كالتهديد المتواصل بتدمير الغرب وضرب مصالحه وسحق جيوشه وعدم حصرية العداء وهذا لاشك يقع في خدمة عدونا حيث يشتت قوانا مع المخالفة للمنهج النبوي الذي يعمل على إختصار جبهات الصراع وتقليل مواقع الإقتتال كعرض الثمار وقبول وساطة سهيل بن عمر ومخاطبة قادة الروم والفرس بألقاب التعظيم ومراعاة التوازن الدولي وإستمالة الحبشة وعدم معاداتها.
15- المساهمة إما عن غلو وجهل وإما تأثيرالإختراق بتفكيك المقاومة الشعبية والثورات التحررية من الظلم ومساعدة الطاغوت في طول عمرة كقيام دولة العراق بتحويل الثوار في العراق إلى صحوات ومن ثم قتالهم كالعشرين والراشدين والجيش الإسلامي والمجاهدين وكذلك في الشام وللأسف أن النصرة دخلت على هذا الفخ بعد أن حذرت منه بداية الثورة ولكن طبيعة التنظيم ومايحتوي من غموض وباطنية ومجهولية المنتسبين ساهم في إختراقه من قبل التيار الداعشي وما عمر سيف قائد الكتيبة الخضراء والحنيطي عنا ببعيد واليوم هما عند البغدادي جنودا مجندين ،وهذا مقصد كلامنا عندمانقول ليس من أجندة القاعدة إسقاط الأنظمة لأن هذه المسلكيات تساعد في ترسيخ الظاغوتية ولو كانت الأهداف النظرية تتبنى إسقاطه فالعبرة بالعواقب فبعد 30ثلاثين عاماً من الجهاد مايزال كرزاي في قلب كابول والمالكي في قلب بغداد وبرزاني في أربيل والأسد في دمشق والحوثي في صنعاء أما طهران ففي أرغدأيامها بموجب عقد الأمان الممنوح مقابل اللجوء السياسي لقادة التنظيم.
16- مشابهة السياسة الإيرانية في إستخدام المكنة الإعلامية الحماسية والدينية المدغدغة للعواطف دون إنتاج حقيقي على الأرض كالوعيد بتدميرإسرائيل وعدم تركها تعيش بأمان رغم أن الواقع أن إيران والقاعدة ربما لم تقتل من الجيش الإسرائيلي منذ نشوءه وحتى اليوم أكثر من أصابع اليد الواحدة وعلى العكس يكون من بعض شيوخ القاعدة الطعن واللمز بحركات المقاومة العسكرية الإسلامية والشعبية، هذا والمحاسن في الأتباع كثيرة والأخطاء في التنظيم كارثية وهذا جهد المقل ومراجعة هادئة لعلها تلقى أذناًصاغية نتجنب فيها قتل المسلم بالمسلم وضرب السني بالسني والذي لاينتهي إن فتح بابه عشرات السنين ويكون أعداء الدين في أسعد أوقاتهم.
                                        


*كاتب وباحث مهتم بالشأن الإسلامي
(177)    هل أعجبتك المقالة (162)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي