أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بابور "المازوت"..صديق العائلات المحاصرة في ريف حمص

بابور "الكاز"، كانت له ذكريات حلوة عند كل بيت بحمص أما الآن فيذكرهم بالحصار

قبل قرن من الآن، تم اختراع بابور "الكاز"، وقد أطلق عليه هذا الاسم نسبة إلى اسم بلدة في السويد (البريموس)، حيث اشتهرت البلدة المذكورة، بأنها أول من قام بصنع بابور "الكاز" في العالم.. وعرف أهل الشام هذه الآلة التكنولوجية، الحضارية، في منتصف القرن الماضي (العشرين)، بحيث كان لا يكاد يخلو أي بيت سوري من هذه الآلة الحضارية، التي اختفت تدريجيا من حياة السوريين في الثمانينات من القرن الماضي.

*فارس المطبخ
بابور "الكاز"، أو "فارس المطبخ"، كما كان يسمى قديما، عاد مجددا لحياة السوريين قبل عامين، ولكن عاد بنسخته الجديدة (بابور المازوت)، وباختراع سوري هذه المرة، ينافس الاختراع السويدي...فقبل عامين من الآن، وعندما بدأ النظام يحاصر المدن والبلدات السورية حصارا شاملا، حيث منع دخول المواد الغذائية، والمحروقات بدأ السكان المحاصرون يبحثون عن "بوابيرهم" القديمة لإصلاحها, واستخدامها مجددا, باعتبارها وسيلة حضارية للطبخ، وتسخين المياه وغلّي الشاي بدلا من الغاز المفقود...وباعتبار الحصول على (البريموس) السويدي أصبح من المستحيلات بسب الحصار، عمدوا إلى اختراع بديل له من المواد الأولية المتوفرة بالبيوت المحاصرة، فكان اختراع بابور "المازوت"، المؤلف من جرة الغاز السفري الصغير، الموجود بكل منزل سوري، وأنبوب صغير ورأس بابور، ودفاش ونكاشات، يمكن تهريبهم من على حواجز النظام الأسدي لصغر حجمهم.


*الحاجة أم الاختراع
يقول أبو محمد –مخترع بابور "المازوت"، لـ"زمان الوصل": قبل عامين من الآن بدأ الحصار يشتد على منطقة الحولة بريف حمص، ما أدى إلى فقدان مادة الغاز نهائيا، فعمد الناس إلى إخراج "بوابيرهم" العتيقة لصيانتها، وقسم كبير من الأهالي اكتشفوا أن "بوابيرهم " السويدية النحاسية، بيعت بليرات سورية قليلة لباعة الخردة الجائلين، فطلبوا مني تأمين "بوابير" لهم بأي طريقة كانت، ففكرت بتصنيع بابور مشابه للبابور الأصفر، ويعمل على نفس المبدأ، فعمدنا إلى الغازات السفرية الصغيرة الموجودة بكل منزل، وحولناها إلى بوابير "مازوت"، بكلفة لا تتجاوز(4) آلاف ليرة سورية، بينما بابور "البريموس"، سعره الآن خارج سوريا حوالي (100) دولار أمريكي، أي ما يعادل (20) ألف ليرة سورية.

وردا على سؤال لـ"زمان الوصل" عن العدد الذي صنّعه من "بوابير المازوت"، قال: العدد لا أتذكره بدقة، وأعتقد أنه يقارب الألف بابور.

*أيام "الكاز" خير وبركة
كما قلنا قبل قليل، عرف أهل الشام بابور "الكاز"، في الخمسينيات من القرن الماضي. أراحت هذه الآلة التكنولوجية، العديد من الناس، وخاصة النساء، من عناء تأمين الحطب للطبخ والغسيل، وأصبح الوسيلة الوحيدة الأكثر راحة واقتصادا، في الجهد والوقت والنظافة.

يقول الحاج أبو حسن لـ"زمان الوصل": أيام بابور "الكاز"، أيام خير وبركة، وكل شيء كان رخيصا، بعكس أيام بابور "المازوت" التي نمر بها، حيث غاب الأمان من حياتنا نهائيا، وأصبح كل شيء غال جدا.

وعن رأيه بالبابور الجديد قال: حل مشكلة كبيرة للسكان المحاصرين بالحولة وريفها، وأصبح موجودا في كل بيت محاصر، إلا أن بابور "الكاز" يبقى أفضل منه بكثير، فالدخان المتصاعد منه وشحابيره، لا تقاس بشحابير بابور" المازوت"، حيث تبقى المرأة حاليا وقتا طويلا للتنظيف بعد كل طبخة.

وتقول أم حسين (90 عاما) لـ"زمان الوصل": بابور "الكاز"، كانت له ذكريات حلوة عند كل بيت بحمص، فرغم بساطته، إلا أنه كان يريحنا في عملية الطبخ والغسيل وتسخين ماء للاستحمام، مشيرة إلى أن أجمل اللحظات كانت بالاستماع إلى هدير البابور، حيث كنا نقوم يوم الجمعة بطبخ الدجاج البلدي والحمام عليه، ولم يكن يوجد في تلك الأيام محلات لبيع الدواجن.

وتتذكر أم أحمد (80 عاما) بابور "الكاز"، فتقول لـ"زمان الوصل": أذكر أن "البريموس" كان يوضع من ضمن تجهيزات العروس، وكانت بعضهن تشترط أن يكون من النوع الممتاز (الأخرس).
وتضيف أم أحمد قائلة: كنا نستخدم البابور بالتدفئة أيضا، حيث يقوم زوجي بإشعاله بالشتاء، ووضع قطعة حديدية رقيقة ومثقوبة بعدة ثقوب عليه، ونقوم بشوي الكستناء، وغلي الشاي عليه، وكان كل أسبوع يمر شخص كبير بالعمر، ويحمل صندوقا أسود يحوي مستلزمات صيانة بابور "الكاز".

*بـ 3 ليرات فقط؟!
ويقول أبو خضر (85عاما) لـ"زمان الوصل" عن ذكرياته عن بابور "الكاز": في العام 1955، اشتريت البابور بـ3 ليرات سورية، من صديق لي كان يعمل في بيروت، وكان رفيقنا في كل تنقلاتنا بالقرى المجاورة لبلدتنا (تلذهب)، وقبل عامين بحثنا عليه فلم نجده، حيث باعه أحد أحفادي كخردة، علما أن سعره حاليا حوالي (20) ألف ليرة سورية.

وأشار أبو خضر أن بابور "المازوت"، الذي صممه ولده أبو محمد قبل عامين، مع بداية الحصار لمنطقة الحولة لا يعجبه هديره، لأنه يشبه هدير طيران النظام. أما المعلمة ختام المحمد، فلا تريد أن تتذكر أي شيء عن بوابير "الكاز والمازوت"، حتى ولو تم استخدامهما في تسخين ماء الاستحمام في شهر العسل، مشيرة في حديثها لـ"زمان الوصل" إلى أنها تخصص يوميا ساعة من وقتها لتنظيف الأواني المنزلية المستخدمة في عملية الطبخ على بابور "المازوت"، الذي اخترعه ابن بلدتها (أبو محمد).

وردا على سؤال "زمان الوصل"، لماذا لا تستخدم "الكاز" بدلا من "المازوت" قالت: الكاز مفقود في سوريا منذ 15 عاما، وذكريات بابور "المازوت"، مرتبط بخراب سوريا، ويذكّرنا بالقصف اليومي لطيران النظام ومدفعيته، لافتة إلى أنها عرفت "البوابير" في أسوأ أيام تمر عليها، هي أيام الحصار الأسود، وقلة الطعام، وفقدان حليب الأطفال، وبعكس الأيام الحلوة التي قضتها والدتها في السبعينيات من القرن الماضي مع بابور "الكاز" وصوته الحنون.

ماهر رضوان - ريف حمص - زمان الوصل
(335)    هل أعجبتك المقالة (180)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي