قوبل المنشقون عن النظام، عسكريين ومدنيين، في البداية بترحيب واسع من الثوار والناشطين، وكان من المأمول والمتوقع أن يلعبوا دورا مهما بما لديهم من خبرات تنظيمية وإدارية متراكمة تفتقدها المعارضة.
شن النظام حملات إعلامية لتشويه صورة المنشقين بتلفيق شتى الاتهامات لهم، والادعاء بأنهم خارجون عن القانون لارتكابهم قضايا فساد أخلاقي ومالي، وعندما استشرت الظاهرة أعلن الأسد رأس النظام عدم انزعاجه منها بل ترحيبه بها كونها تكشف المعارضين للنظام والذين يخترقونه. وتوقف إعلام النظام من يومها عن تناول ظاهرة المنشقين ليصبح ذلك مهمة العديد من الناشطين والشغل الشاغل لهم.
إذا كان بعض المنشقين العسكريين قد وجدوا مكانا لهم في العمل الميداني أو قيادة الأركان، إلا أن معظمهم تحولوا إلى نزلاء في مخيمات اللجوء في تركيا والأردن، ويعيشون ظروفا حياتية قاسية، ما اضطر بعضهم للهجرة واللجوء ﻷوروبا.
لم يكن حال المنشقين المدنيين أوفر حظا من العسكريين، فلم يتم إدماجهم في مؤسسات المعارضة المختلفة رغم الحاجة إليهم، وتصدر قائمة المنشقين اسم رياض حجاب رئيس وزراء النظام والعميد مناف طلاس ابن العماد مصطفى طلاس وزير الدفاع الأسبق الشهير، وكان مناف مقربا من بشار الأسد قبل الثورة ولكنه رفض الحل الأمني والمشاركة في أية أعمال عسكرية ضد المدنيين والثوار.
ويضاف لقائمة المنشقين عدد كبير من أصحاب المناصب الرفيعة في الدولة وأعضاء من مجلس الشعب.
قام السيد رياض حجاب بتشكيل التجمع الوطني الحر، ليضم المنشقين المدنيين عن النظام ومن ثم تشكيل مكاتب فرعية متخصصة، وكان حجاب يسعى، كما يبدو، لاستقطاب الخبرات والعمل على استلام الحكومة المؤقتة للمعارضة، ولكن عدم نجاحه هو في ذلك ومن بعده معاون وزير النفط السابق عبدو حسام الدين سبب تراجعا كبيرا للتيار.
لم تستفد المعارضة المسلحة من خبرات المنشقين العسكريين ومنهم مناف طلاس بعلاقاته الواسعة خارجيا أو في صفوف جيش النظام ولم يتم تكليفه بأي مهمة أو منصب في صفوف الأركان والجيش الحر.
بالنتيجة لم تستفد الثورة من الانشقاق والمنشقين بالشكل المطلوب وربما يمكن فهم ذلك من خلال المعطيات التالية:
1-نجح النظام في فرض أجواء عدم الثقة بالمنشقين في أوساط الناشطين عبر الحملات الإعلامية التي قام بها ومن ثم تحولت تلك المهمة للناشطين أنفسهم، حيث انتشرت حملات التخوين والتشهير بالمنشقين وتوجيه الاتهامات لهم دون الاستناد ﻷدلة بل من خلال تلقف أخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي مجهولة المصدر.
2-رفضت قيادة المعارضة استقطاب المنشقين في صفوفها على قدم المساواة معتبرة أنهم قفزوا من مركب النظام المشرف على الغرق للنجاة بأنفسهم، وليس اقتناعا أو إيمانا بالثورة وإنهم كانوا من رجال النظام فيما سبق، وشركاء له في تحمل المسؤولية الأخلاقية على الأقل فيما وصلت إليه البلاد.
3-اتسمت ممارسات بعض المنشقين بالبراغماتية والانتهازية ولوخظ سعيهم لتحصيل مكاسب شخصية وسياسية من عملية انشقاقهم، وهذا أثر على صورتهم لدى الآخرين، وأعاد إلى الأذهان الصورة النمطية السيئة عن رجال النظام وحالات الفساد التي مارسوها.
4-يعتقد البعض أن قصة الانشقاقات غير حقيقية بمعظمها، وأنها تمت بدوافع لا تمت للثورة بصلة بسبب الرغبة في الهروب والحفاظ على الحياة أو حتى ربما بدفع من النظام نفسه لاختراق الثورة عبر العمل في صفوفها، وما عملية الانشقاق إلا إعادة تموضع لرجال النظام في صفوف المعارضة والثورة.
5-سقط العديد من المنشقين في لعبة الاستقطاب الإقليمي وخضعوا لتأثير المال السياسي، وظهر ذلك جليا في تجمع رياض حجاب وفي التجمع الذي أطلقه السيد نواف الفارس. وسبب ذلك خسارة فرصة استلام الحكومة المؤقتة أو زج خبرات المنشقين في مؤسسات المعارضة.
6-عدم رغبة أو استعداد القيّمين على مؤسسات المعارضة والذين باشروا عملهم منذ البداية في وجود شركاء لهم في العمل، ربما يأخذون مكانهم فيما يعد بسبب الخبرات التي يمتلكونها كما ظهرت حالة من التحزب والتعصب والمناطقية والطائفية، مع رفض لتطبيق مبادئ الشفافية والمحاسبة لإخفاء حالات الفساد الواسع، التي ظهرت خلال فترة قصيرة نسبيا من عمل المعارضة.
يرد المتشقون على الاتهامات السابقة لهم بأنهم خاطروا بحياتهم وتركوا أموالهم ومنازلهم ومناصبهم، وخرجوا لمناصرة الثورة وكل ما كانوا يريدونه حياة كريمة مقبولة مقابل تقديمهم كافة خبراتهم لمؤسسات المعارضة، ولكنهم لم يلقوا سوى الإهمال والإقصاء والتهميش، وفوق ذلك تركهم وأسرهم في حالة مزرية دون اهتمام أو رعاية، ولم ينجُ من ذلك سوى من انتسبوا لتيارات وكتل سياسية أو من خلال تبني دولة ما لهم. ويضيف المنشقون أنهم لو كانوا يسعون لمناصب لما تركوها وأنهم لم يقفزوا من مركب النظام الغارق والدليل يقاء النظام وعدم سقوطه وها هي قيادة المعارضة تسعى للدخول في حوار معه.
بالتأكيد، فإن ملف المنشقين لم تستطع المعارضة الاستفادة منه بالشكل الأفضل لصالح الثورة، ويمكن القول بأنها أضاعت فرصة ذهبية للاستفادة من خبرات المنشقين الواسعة ومعرفتهم بتفاصيل وآليات عمل الدولة وطريقة إدارة النظام للبلاد، وبات بعض المنشقين يعودون لحضن النظام كما يقال بعد ما عانوه من خيبة أمل من المعارضة، ومع ذلك لا تزال مؤسسات المعارضة مستمرة بعملها العشوائي وتخبطها وتعثرها وعدم تقدمها باتجاه اعتماد أساليب الشفافية والنزاهة والمساءلة، وكل هذا أساء للمعارضة أمام الداخل وتجاه دول الأصدقاء التي خفضت مساعداتها بشكل كبير.
في ظل كل ما حصل من تدمير شامل للبشر والحجر في البلاد، وصل الجميع لقناعة بأن الحل السياسي هو الخيار الوحيد ويجب التحلي بالصراحة والشجاعة للقول إن الحل السياسي يشمل الجميع بما فيهم رجال النظام الحاليين والمؤيدين له حتى اللحظة الأخيرة.
وهنا يحق للمنشقين التحدث وبقوة عن الظلم الفادح الذي تعرضوا له.. فهم أعداء للنظام من جهة، ومبعدون من قبل المعارضة، ويتساءلون عن جدوى انشقاقهم، ومعناه وفوائده على كافة الأصعدة سواء بالنسبة للثورة أو الوطن أو الصعيد الشخصي، هل من دور قادم يمكنهم القيام به.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية