أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مبارك حسني مبارك.. عدنان عبدالرزاق

التروي في قراءة حكم محكمة جنايات القاهرة، قد يظهر وجهاً آخر لحقيقة "البراءة"

أعيب على من يتدخل بشؤون "دول الربيع العربي" أو حتى البلدان المضيفة للسوريين، لاعتبار -بنظري- أنها قد تؤزّم أكثر مما تفيد، وربما تجنباً لعقابيل وانعكاسات، قد يدفعها السوريون في المنفى وتعود بالوبال على الثورة اليتيمة.

بيد أن ما حدث في مصر أمس، من تبرئة للرئيس المخلوع محمد حسني مبارك ونجليه ووزير داخليته حبيب العادلي وكل مساعديه، فيما نسب إليهم من تهم بقتل ثوار 25 يناير/كانون الثاني 2011، وغيرها من تهم الفساد والسرقة. ما أثار شهيتي على الكتابة، رغم أني آتٍ على ما أعيب عليه وأنهى عنه.

بداية القول: قد يمنى بخيبة، كانطباع أولي على الأقل، كل من تابع "عدالة القضاء" المصري، وتقفز إلى ذاكرته الشباب الذين قتلوا خلال ثورة 25 يناير وما قيل وقتئذ، وبعده، حتى من أصحاب القرار اليوم، التي كان ربما لمتاجرتهم بالثورة والشهداء، دور مهم، حتى في وصولهم لكرسي الحكم، ليعيدوا تجربة "العسكرة" ويسترجعوا مطلع خمسينيات القرن الفائت، وقت غيّبت أحلام وتطلعات وحقوق الشعوب، وأستعيض عنها بشعارات عريضة، لم تكن الوحدة العربية وتحرير فلسطين، إلا بعضها.

بيد أن التروي في قراءة حكم محكمة جنايات القاهرة، قد يظهر وجهاً آخر لحقيقة "البراءة" وجه قد تحتاجه الشعوب الثائرة على الظلم، كما يحتاجه المصريون أنفسهم.

ففي قرار تبرئة مؤسسة "الحكم المباركي" حتى من تهم الفساد وتبديد المال المصري خلال صفقات تصدير الغاز المصري لإسرائيل، فيه من المنافع وتكريس قناعات، شابها بعض الشكوك، جراء عدم انتصار الثورة السورية، وتفشي روح الانهزامية إثر المقارنة الباطل التي يراد منها باطل "كنا عايشين بأمان والله علينا".

ببساطة، لأن قرار المحكمة، قطع أي شك، لما يجري عمداً، بل وبمساع عربية ومساعدات دولية، ليس على قتل الثورات العربية فقط، بل وأيضاً، التحضير لحكام ومحاورين، أولى شروط قبولهم، قيادة الثورة المضادة على حلم وتطلعات الشوارع العربية.

أما إن أسقطنا براءة المخلوع مبارك على ما يمكن أن يجري مع النظام السوري، فلن يكون من الجنوح أو العاطفية القول: إن الدول الكبرى ستنحو منحى محكمة جنايات القاهرة، ويُبرّأ الأسد وأركان نظامه، حتى من جريمة الكيماوي، رغم الأدلة الدامغة التي قويضت بتسليم سلاح "التوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني".

اللهم إن استمروا في تنفيذ "المؤامرة الكونية" حتى فصلها الختامي، واستفادوا من تجربة "السيسي" في منح إسرائيل الأمان على حدودها، ولو عبر القتل وإحراق البيوت في سيناء. فما بدأ يتردد هذه الآونة، وعبر نخب ثقافية وسياسية، من أن الحل يبدأ وينتهي في تل أبيب، هو ذو فهم وتضليل مزدوجين.

قصارى القول: يخطئ من يعتقد أن قلع الدول العميقة، سواء البعث في سوريا أو الوطني في مصر، ستنتهي بزوال الأمين العام أو رئيس وأركان الحزب والحكم، لأن العلة تتأتى من سببين.

الأول، أن تلك الدول التي تأسست على نحو أمني قمعي استبدادي، ولّدت مع الزمن والمصالح ذهنية وأنصارا، سيدافعون عن بقاء الحال، أكثر مما يدافع طلاب التغيير والديمقراطية، وسيتقمصون ويُستنسخون، وإن تغيرت الوجوه والمسميات والشعارات.

أما الأمر الآخر وهو ما أعتقده الأهم، أن تلك الديكتاتوريات على درجة من الارتباط وتحقيق مصالح الكبار، أكثر من البدائل الديمقراطية التي لم يعرف جل دعاتها، أن تبني علاقات تمنح الطمئنة وتحافظ على التوازنات ومصالح الكبار، وهو ما ظهر عملياً، بعد تغيّر المواقف، وخاصة الأمريكي، إن من الانقلاب المصري أو الثورة السورية.

نهاية القول: ما جرى في محكمة جنايات القاهرة، هو مؤشر ليس إلا، لأن القادم ربما أعظم، لجهة وأد الحلم والربيع معاً، والرد عليه وعلى آخر مجازر الأسد في الرقة، لا يتأتى عبر مظاهرة أو حملة "فيسبوك" أو تأصيل الخلاف بين الأحزاب والتيارات المصرية مع الإخوان، أو تكريس الخلاف بين كتل الائتلاف السوري وتعميق القطيعة من الداخل والمخيمات، بل عبر عمل سياسي وغير سياسي، يوازي جرائم الأنظمة الديكتاتورية والمكر الدولي، حتى لو اضطرت المعارضة للعب على التسوية هنا ونقل المعركة العسكرية لحواضن النظام وفق "التقية" التي حرّمها المتطرفون.

من كتاب "زمان الوصل"
(195)    هل أعجبتك المقالة (198)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي