لم يقع إلى اليوم ولو خطأ بسيط بين قوات التحالف وشبيحة الأسد فيما يتعلق بقصف مدينة الرقة، ويبدو أن الفريقين اتفقا على مواعيد قصف المدينة بحيث لا يأخذ أحدهما حق الأخر في تدمير البنى التحتية وقتل المدنيين وتهجير ما بقي من أهلها.
تشير الأنباء الواردة من المدينة أن طائرات الأسد تغير على أهلها في الصباح، فترمي بصواريخها وقذائفها وبراميلها طبعاً على البيوت السكنية متقصدة بالفعل قتل أهل المدينة وترويع سكانها، والقضاء على أي مظهر للحياة فيها. إذ كما هو معلوم فإن حقد الأسد يطال البشر والحجر في المدن السنية جميعها، وهو يعمل بغطاء دولي على تهجير السنة إلى دول العالم ثم توطين الإيرانيين وحزب الله في سورية بعد تجنيسهم وتقديم بيوت السوريين لهم.
التحالف بدوره، لا يقترب من المدينة صباحاً، وتبقى طائراته في مرابضها نائمة حتى قدوم الليل، وبينما تذهب طائرات الأسد للنوم، تقوم الطائرات الأمريكية بأعنف الهجمات على أولئك المدنيين الذين عادوا إلى بيوتهم بعد قصف الصباح، فمن نجا منهم صباحاً جاءه موت المساء ومن نجا من الاثنين فموعده غداً مع طلوع الفجر.
مائة وخمسون شهيداً أولئك الذين ارتقوا بعدوان الأسد على مدينة الرقة أمس، وهو رقم لا يختلف كثيراً عن عدد الذين قتلتهم قوات التحالف منذ بداية الغارات في الشهر الماضي.
ولئن كان النظام يركز في غاراته على قتل المدنيين وتهجيرهم، متعرضاً بشكل أقل للبنى التحتية، فإن الغارات الأمريكية تركز على البنى التحتية أولاً ثم تتعرض للمدنيين، بطريقة تشير إلى تعاون وثيق بين الأسد وواشنطن في عمليات الهجوم تلك.
الولايات المتحدة نددت اليوم، وبمنتهى الوقاحة "بالغارات الجوية المروعة التي شنها طيران النظام السوري على مدينة الرقة، وارتكابه لمجزرة سقط فيها أكثر من 130 قتيلا إضافة إلى عشرات الجرحى وتدمير ثلاثين مبنى سكنيا".
وقال بيان صادر عن الخارجية الأميركية "إننا مذهولون من تقارير تفيد بأن نظام الأسد قصف الرقة جوياً، يوم الثلاثاء، ما أدى لمقتل مدنيين وتدمير منطقة سكنية".
وذكر البيان شديد الصفاقة، "أن الأسد يخرق القانون الدولي كل حين من خلال انتهاكاته المتواصلة لحقوق الإنسان، بما في ذلك القتل، واحتجاز الرهائن، والاختفاء القسري، والتعذيب، والاغتصاب والعنف الجنسي، والاستخدام العشوائي للبراميل المتفجرة".
بالطبع لم يأت البيان على إدانة القوات الأمريكية التي دمرت مدرسة للصم والبكم في المدينة، إذ لم يبق أمام الإرهاب الامريكي إلا المدارس لتدميرها، وليست مدارس الأطفال والجامعات التي قصفتها مطلع هذا الشهر، بل وصل الأمر إلى حد تدمير مدارس ذوي الاحتياجات الخاصة.
أعتقد أن هذا الأمر طبيعي، فالمقصود إكمال تدمير المدينة بشكل كامل خدمة لقوات الأسد، وتفريغاً للمنطقة من ساكنيها، فلدى واشنطن، أهداف على المدى البعيد، تتعلق بقطع الشمال الشرقي كله، لرسم العلاقة التي تريدها مع تركيا، والناظر إلى تصريحات أردوغان الأخيرة التي وصف فيها تعامل أمريكا مع الشعب السوري بالوقح، يفهم المعادلة فوراً.
يكذب أوباما عندما يقول إن طائراته تستهدف تنظيم الدولة، فالغارات الجوية لم تلحق الأذى بالتنظيم، بل زادت من حاضنته الشعبية، ووصل الأمر إلى انضمام مقاتلين جدد إليه. أضف إلى ذلك أن التنظيم لجأ إلى طريق عسكرية جديدة، فقد قسم نفسه إلى مجموعات صغيرة تختفي بسهولة، ولا نشك أن الولايات المتحدة تعلم ذلك علم اليقين، ولكنها تستمر في الاعتداء على المدينة.
ويكذب أوباما عندما يقول إنه لا يتعاون مع الأسد، فهو يتعاون معه منذ دخوله البيت الأبيض، ابتداء من المساعدات المالية لمواجهة الإرهاب، وليس انتهاء بقصف مدن الشمال تناوباً مع الأسد. والحقيقة فإن أوباما يكذب في كل حال.
من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية