سآتي على الأضلاع دونما تقديم واستهلال، فما قيل عن السوريين وثورتهم، يكاد يكون الأكثر في تاريخ الشعوب، ولا شك، الأقل تأثراً، بيد أن التعويل على الذي سيكتب لاحقاً، إن لجهة التأريخ والإبداع، أو حتى لقوننة الحياة الجديدة بسوريا ما بعد الثورة وزوال الديكتاتوريات.
الضلع الأول، أتعلمون من هو صاحب أغلى حلم في العالم، ولا أقصد بالحلم هنا التطلع للمستقبل، بل سلسلة التصورات أو الرؤى التي يرها النائم.
إنه السوري مازن، الذي قضى في سجن صيدنايا 12 عاماً أيام القائد التاريخي حافظ الأسد.
والقصة أن هذا الشاب رأى خلال نومه حلماً أن القتال وصل دمشق، وأن الدبابات والدماء تملأ شوارعها، فروى حلمه لصديقه الذي اعتقل بعد أيام، وقت كان الاعتقال على الاسم أو لحيازتك بياناً أو جريدة، أو لذكر اسمك من معتقل خلال التعذيب.
فجيء بمازن وأودع بالسجن لاثنتي عشر سنة ودونما أي تهمة أو محاكمة، فقط لأنه تجرأ ورأى ذلك الحلم.
ماذا يعني هذا الضلع، ببساطة، أن سوريا أسست على اللاحلم، حتى خلال النوم، أسست على القمع وعدم التفكير، ولو بالسر، أسست كدولة أمنية عميقة، قلما يشبهها بلد عبر التاريخ.
الضلع الثاني: كثير من السوريين، لم يثوروا أو يقفوا مع الثوار والثورة، لأنهم على يقين، أن من يسجن شاباً لأنه حلم وهو نائم، يمكن أن يهدم سوريا بمن وما عليها، إن خرجت الأحلام للواقع، وخطر للسوريين أن يطالبوا بحقوقهم كمواطنين، أن يسألوا عن الثروة وتوزيعها، عن المناصب وشاغليها وعن العدالة في منح الفرص.
فماذا يمكن أن يكون الرد، إن طالبوا بإسقاط النظام الذي دخل حالة الألوهة، وهذا ليس تخميناً أو استنتاجاً، فكلنا سمع الشعارات التي ألّهت الأسد الأب ومن ثم وريثه من بعده.
أما الضلع الثالث فيكمن في عظمة السوريين اللذين عرفوا ولمسوا الضلعين السابقين، ورغم ذلك، جاؤوا بالضلع الثالث ليركّبوه ولو بدمهم، علّ مربع مواطنتهم يكتمل وعلهم يعيشون بحرية وكرامة.
وهذا الضلع فيه من الإعجاز والدهشة، ما زلزل الجميع، وأولهم قتلة الأحلام وسُجان الحالمين، ولعل في استذكار أيام الثورة الأولى، والتخبط والقتل والضياع الذي عاشه النظام بكل أضلاعه وأركانه، دليل على أن السوريين ليسوا شعباً مستكيناً ولم تؤدبه مجازر حماة والثمانينيات كما روّج البعض وعاش كثيرون.
إذاً، مربع سوريا اليوم ناقص ضلع، هو صندوق مفتوح يدخله من يشاء ويحاول زحزحه أضلاعه الثلاثة كل مستفيد، والعابثون بمربع سوريا الناقص يتأرجحون بين داع للاستسلام وطالب مجد وضوء ومال.
ليبقى السؤال، متى تكتمل أضلاع هذا المربع وكيف وعبر من؟!
لأنها ستكتمل لا محالة، ولا يمكن لهذا المربع أن يبقى بثلاثة قوائم أياً تباينت الصالح واختلفت الأدوار وبلغ التضليل.
بيد أن احتمالاً بدأ يكرسه البعض اليوم، وهي ترك إكمال المربع السوري للنظام نفسه، في خديعة منطلقها الواقع كما يراه دعاة هذا الحل، متذرعين بضرورة إغلاق الصندوق وما بعده يأتي بالتدرج، فأن يبقى النظام لعامين وتترك له إدارة الجيش والأمن، ويتم المحافظة على ما تبقى من مكونات الدولة، هو أهم من ترك المربع ناقصاً يعيث به القتل والقتلة والفساد والسارقون.
لكن هؤلاء الرومنسيين، نسوا أو تناسوا أن النظام، وإن أغلق المربع، فستتحول سوريا لسجن محكم إكسيرها الثأرية والقصاص على حسب الحقد لا بحجم الذنب، ويعيد التاريخ نفسه وإن بأدوات عصرية، فمن سُجن على أيام السلف لأنه حلم، قد يعدم أو يموت تحت التعذيب إن خطر له أن يحلم...فوقتها يكتمل الصندوق ولكن ستمنع الأحلام.
من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية