في مسجد طيني قديم بمدينة زرنج عاصمة إقليم "نيمروز"غربي أفغانستان، يعيش الشاب "حضرت جل" أحد أبناء إقليم "تخار" شمال أفغانستان، يجلس حضرت على ردائه بجانب جدار المسجد، يحكي قصة معاناته للمارة، بينما تنهمر دموعه على وجهه بعد أن دمرت حياته رحلة الهجرة غير الشرعية إلى إيران.
"كنت أعمل بائعا في سوق الخضار بمدينة طالقان في إقليم "تخار"، دخلي من 300 إلى 500 أفغانية (9 دولارات)، أنفقت مدخراتي، واستدنت لإتمام زواجي" يقول "جل" الذي تكلف زواجه 800 ألف أفغانية (14 ألف دولار)، اقترضها من أقاربه وزملائه، والذين طالبوه بعد عام بسداد دينه، فقررت أسرته سفره لإيران.
في شهر مارس/آذار من العام الماضي سافر جل إلى إقليم أوزجان جنوبي أفغانستان (مجاور لإيران وباكستان)، هناك أخذه مهرب أفغاني مع عدد من رفاقه في رحلة بدأت من أوزجان إلى إقليم بلوشستان الباكستاني ومنه إلى الحدود الباكستانية الإيرانية في منطقة شاكي، ثم إلى مدينة زاهدان ليكون المستقر في طهران التي عمل بها "جل" مع أحد المزارعين لكن بعد عدة أسابيع داهمت الشرطة الإيرانية منزل المزارع، واعتقلته ورفاقه لتبدأ المعاناة الحقيقية.
يقول جل لـ "العربي الجديد" عانيت انتهاك حقوقي الإنسانية في سجن مدينة كرمان بطهران ثم سجن مدينة مشهد، قبل نقلي إلى الحدود الأفغانية الإيرانية وتسليمي لسلطات بلادي"، لم يفقد جل الأمل، إذ حاول بعد ذلك لمرتين العودة إلى إيران، لكن شدة المراقبة منعته.
يتقاضى الأفغان العاملون في إيران قرابة 320 دولارا في الشهر، مقارنة مع 80 دولارا في بلادهم، بحسب دراسة لمركز دراسات الهجرة في جامعة أكسفورد، ووفق دراسة أجريت عام 2008، بتكليف من المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة العمل الدولية، يرسل الأفغان العاملون في إيران نحو 500 مليون دولار إلى بلادهم سنوياً، أي ما يعادل 6% من الناتج الإجمالي المحلي لأفغانستان، وتوضح الدراسة أن معظم الأفغان يعملون في إيران بصورة غير مشروعة فيما يعيش 2% فقط من الأفغان بإيران داخل مخيمات اللاجئين، بينما يعيش الباقون في المناطق الحضرية الفقيرة أو الريف، وفق مكان عملهم كما أكدت الدراسة.
حالة حضرت جل ليست فريدة من نوعها، إذ فقد نور أحمد كل ما ادخره طوال عمره (40 عاما) في رحلة هجرة غير شرعية إلى إيران، انتهت بخيانة المهرب له وتسليمه للشرطة الباكستانية على الحدود مع إيران، لكن قصة جواد محمد تعد أكثر مأساوية عن جل وأحمد، إذ يقول شقيق جواد لـ "العربي الجديد" خرج شقيقي من البيت في إقليم بادغيس، وسافر إلى إيران للبحث عن عمل. دفعته ظروفه السيئة إلى تجار المخدرات ليعمل مساعدا لأحدهم في إيران"، وبحسب شقيقه "اقتضى عمل جواد السفر من وإلى إيران باستمرار، تغيرت حالته الاقتصادية وتحسنت، إلا أنه وبسبب العمل مع مهربي المخدرات، بدأ استخدام الأفيون ثم الحشيش إلى أن أصبح مدمن الهيروين، وفي إحدى المرات سقط في قبضة الشرطة الإيرانية لتنتهي حياته هناك".
انتهاكات جسيمة
"يعيش اللاجئون الأفغان في إيران في ظل ظروف صعبة وقاسية، ويتعرضون لانتهاكات جسيمة" كما يروي لـ "العربي الجديد" محمد مصطفى اللاجئ الأفغاني العائد لبلده، بعد أن أمضى عقدا من حياته في طهران.
يوضح مصطفى ما قصده بالانتهاكات قائلا "تعرضنا لاعتداءات بدنية، واحتجاز في السجون لفترات طويلة دون تسجيل أي دعوى ضدنا، انتهاء بالترحيل الإجباري دون سابق إنذار" ولكن بالرغم من كل هذا يتوجه آلاف الأفغان شهريا، إلى مختلف المدن الإيرانية.
تزايد عدد المهاجرين غير الشرعيين
حصلت "العربي الجديد" على إحصائيات خاصة من إدارة المهاجرين في أفغانستان، تكشف عن سفر ما بين 500 إلى 600 أفغاني يوميا إلى إيران خلال الأشهر الخمسة الماضية (أبريل ومايو ويونيو ويوليو وأغسطس)، معظمهم يذهبون بطريقة غير شرعية.
بمقارنة الرقم السابق مع عدد الأفغان المسافرين إلى إيران في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، والذي تراوح بين 350 إلى 400 شخص يسافرون يوميا -وفق ما أكده مصدر بإدارة المهاجرين لـ "العربي الجديد"- يتضح التزايد المضطرد للهجرة غير الشرعية من قبل الأفغان إلى إيران، وهو ما طابق ما قاله لـ "العربي الجديد" محمد أكبر مسؤول إدارة اللاجئين في إقليم نيمروز.
أكبر أضاف في تصريحات خاصة أن "السلطات الإيرانية تعتقل يوميا عشرات الأفغان من الباحثين عن لقمة العيش في دول الجوار"، لافتا إلى أن السلطات الأفغانية تعمل جاهدة لمنع مواطنيها من الذهاب إلى إيران عبر الطرق غير الشرعية، وتحديدا من خلال الحدود الأفغانية الإيرانية؛ وهو ما دعا معظم الأفغان إلى استخدام الحدود الباكستانية الإيرانية للذهاب إلى إيران؛ بسبب ضعف المراقبة هناك على حد وصفه.
طريق الذهاب إلى إيران
يلجأ القليل من الأفغان إلى الطريق الشرعي للذهاب إلى إيران عبر التقدم للحصول على تأشيرة زيارة، بحجة زيارة الأماكن المقدسة (لدى الشيعة) أو العلاج ومن هناك يختفون داخل البلد، إما للخروج إلى دول أوربية أو البقاء للعمل؛ وهو ما دعا السلطات الإيرانية للتشدد في منح التأشيرات، الأمر الذي دعا الأفغان للجوء إلى الطرق غير الشرعية.
كيف يتم التهريب
عبر الحدود الإيرانية الأفغانية، وبالتحديد من إقليم نيمروز الأفغاني، توجد طريق سهلة للنفاذ إلى إيران، لكنها محفوفة بالمخاطر بسبب رقابة حرس الحدود الإيراني المشددة، لذا يفضل الأفغان الحدود الباكستانية الإيرانية، حيث يذهبون أولا إلى إقليم بلوشستان الباكستاني ثم يدخلون إلى الأراضي الإيرانية، وعادة ما يتم الأمر بالتعاون مع حرس الحدود الباكستاني كما يقول أحد المهربين في بلوشستان -فضل عدم الكشف عن هويته- لـ "العربي الجديد".
يقول المهرب البلوشي، الذي كان عمل على تهريب الأفغان والباكستانيين إلى إيران لفترة لكنه ترك العمل لكثرة مخاطره "كان لنا أصدقاء في مدينة زاهدان الإيرانية، كنا نقسم الأموال بيننا كما كنا ندفع جزءا منها إلى عناصر في الحرس الحدودي، الذين كانوا يساعدوننا في مهمتنا".
"تترواح المبالغ المدفوعة لعنصر حرس الحدود الذي يقتسم مع رفاقه المبالغ التي يحصل عليها من المهربين من 30 ألف روبية (290 دولارا) إلى 70 ألف روبية باكستانية (680 دولارا) في المرة الواحدة. -
عن "العربي الجديد"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية