إن جنحوا يا شيخ معاذ الخطيب!.. عدنان عبدالرزاق

مرة أخرى، يسعى الشيخ معاذ الخطيب ومن البوابة الروسية، لحلول سلمية مع نظام بشار الأسد، في خطوة أقل ما يُقال حولها إنها فردية وفي التوقيت غير الصحيح.
ليمنى، كما المرات السابقة، بخيبة وردود أفعال وانتقادات، ويعطي صورة، إن لم نقل يكرّسها، على مدى الخلاف والتشرذم، الذي يكسو المعارضة التي انصرفت عن معارضة النظام، إلى معارضة بعضها، بعد أن زادت -ولله الحمد- أعداد التكتلات والتحالفات والانتماءات، في جسد ممثلها القسري والشرعي... السيد الائتلاف.
بداية القول: ليس بوسعي التشكيك بنوايا رئيس الائتلاف الأسبق الشيخ الخطيب، بل على العكس، أرى -ربما- في زيارته إلى موسكو، مسعى خير، هدفه -وإن المبني على النوايا والوعود- رغم عدم وجود لتلك الألفاظ في المعاجم السياسية- تقليل أعداد الموتى والخراب، والتسريع بحل، هو الوحيد، أياً استمرت الحرب وتعمّقت الثأرية وتأصل عدم التعايش.
لكني أتفاجأ، انطلاقاً من أبسط حقوقي كسوري، بتكرار السيد الخطيب للفعل ذاته وبالطريقة والأدوات نفسها، رغم أنه الأعلم ربما، بأن المؤمن يجب ألا يلدغ من الجحر ذاته مرتين، وعلمه لاحقاً، أن السياسة عموماً لا تقبل بالنوايا الحسنة، فماذا عن حالة كما السورية، وصلت حدود جريمة العصر بحلل سياسية، والأغرب، دخوله من بوابة موسكو.
قد تكون روسيا الاتحادية، كما ظن السيد الخطيب، هي سبب تعنت النظام ومصدر قوته واستمراره، لكنها أبداً لم تعد الحل، بعد تحول سوريتنا، وأحياناً بمساعينا، لساحة احتراب دولي وإقليمي، وورطت واشنطن العالم بأسره، لتغطي ضعفها كما يرى البعض، عازفة على وتر الإرهاب الذي يطرب الجميع ويؤمّن الغطاء والتمويل، أو لتحقق أهدافها كما يؤكد آخرون، على اعتبار أنها من يخطط لسيرورة ومخارج الأزمة، حتى وإن لم تك من أشعلها.
قصارى القول: لنفرض جدلاً يا شيخ معاذ الخطيب، أن لافروف اقتنع كلياً بطرحكم، وأيقن أن لا حل في سوريا إلا بخروج بشار الأسد كشخص وليس كنظام، وأن الممكن الآن هو مرحلة انتقالية يقودها طرفا الصراع في سوريا، لتخوفكم من انهيار ما تبقى، فيما لو قتل بشار الأسد على نحو مفاجئ.
ولنفرض أن الأسد اقتنع تحت الضغط الروسي بحل رحيله ولجوئه وبعض المقربين، وأن طهران قبلت بالتخلي عن المشروع الفارسي التوسعي، إن مقابل تمريرها صفقة النووي وكسر الحصار الاقتصادي الذي خنقها، أو كرمى لروسيا وتعهداتها.
ولنفرض يا شيخ معاذ، أن الداخل السوري قبل بالحل، على اعتبار أنه تعب وبلغ من الحزن والأسى ما جعله ينفخ على اللبن، وأن الحل السياسي هو نتيجة حتمية، وصلت كقناعة لجميع السوريين.
ولنفرض ما شئت أيضاً يا أخي السوري، فهل تتوقع أن الغرب والشمال، بعد تورطهم وتوريطهم، سيقبلون بالحل الذي يأتي عبركم وعبر موسكو، ولا تقل لي إنكم نسقتم، وأن روسيا أعلمت وأعلنت، أو لديها من الأوراق ما يجعل باريس وواشنطن تقبلان.
وأيضاً يا شيخ معاذ، ماذا بشأن مؤسسة الائتلاف التي كنت على رأسها يوماً، ولمست مدى الخلافات والخيبات بداخلها، واستقلت وهددت بالاستقالة منها مرارا، فهل سيقبل من فيها ومن وراءهم بالحل، ولن أبحث في أسباب عدم قبولهم، التي تتراوح من عدم السماح لهم من مموليهم مروراً بشعورهم بالاختراق والاقصاء، وصولاً لقطع أرزاقهم وشهرتهم التي استمدوها من الثورة..وأنت الأعلم بمعظمهم لولا ركوبهم على الثورة ومتاجرتهم بدم الشهداء والعذارى.
نهاية القول: أخي الشيخ معاذ، أكرر، لا يمكنني الشك بك أو التشكيك بنواياك، كما ليس في جيبي فائض شهادات وطنية لأوزعها على أحد، لكني من موقعي كسوري أحرقت الثورة أمله وحرّقت بمن أخذتهم، قلبه أقول:
لماذا تؤثر على الحلول، أو السعي لها، دونما تغطية، شعبية على الأقل، على احتمال أنك عرفت النوايا الدولية التي لا هدف لها، سوى استمرار الحرب وإحراق سوريا.
هلا فكرت بأن تقف أمام الشعب السوري الذي دفع الثمن، فأعلنت رغبتك وحرصك وأهدافك، ولا ضير إن استأذنته، لأن ذلك أبسط حقوقه، وسعيت بعدها لمساعيك الحميدة، فكم سيوفر ذلك من التشكيك والانتقادات، ويسلحك -ربما- بقوة تفاوضية وأنت على طاولة الحل...وليس كما أنت الآن، تذهب بحبك ونواياك وحرصك، وهي التي لا رصيد لها في مصارف السياسة والقوة.
ولعل الأهم يا شيخنا، أليس شرط "إن جنحوا للسلم" هو الأول والأهم والأخير، فكيف لك أن تحصل على سلام مع قاتل مازال يقصف المدنيين حتى اليوم ومن بلد أعلنت إقراضه مالياً ودعمه بصواريخ جديدة، بل وتنظر إلى الحرب على الأرض السورية، فرصة لإعلان نفسها قوة عالمية إن لم نقل قطبا ثانيا.
من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية