بين الأسد والجواهري.. بيفتح الله.. خطيب بدلة

كتبتُ، قبل أيام، على صفحتي الفيسبوكية، كلاماً غير طيب بحق الجنرال حافظ الأسد، وإذا بأحد الأصدقاء يعلق على المنشور بقوله:
- كيف تحكي عليه هكذا؛ في حين مدحه الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري مديحاً رفعه إلى مصاف العباقرة التاريخيين؟!
أجبته: يا أخي، لقد كان الجواهري، رحمه الله، منافقاً كبيراً.
وعلى الفور، انهال عليَّ أحد المتابعين بسيل من عبارات اللوم والتقريع، إذ كتب:
- ما هذا؟ أنا كنت أظن نفسي أتجول في صفحة أديب مشهور، أديب محترم اسمه خطيب بدلة.. الأديب، يا أفندي، ينبغي له أن يكون مؤدباً، لا أن (يتمايع) وينتهك حرمة الأموات، وأي أموات؟ إنهما الرجلان العظيمان حافظ الأسد ومحمد مهدي الجواهري. لن أكتفي بمغادرة هذه الصفحة التافهة، بل سأحذفك وأحظرك، وأوصي أولادي وأحفادي بألا يقرؤوا شيئاً من كتاباتك السامة، فأنت تعرف أن قسماً كبيراً من الشعب السوري يحب الرئيس الراحل حافظ الأسد والشاعر الجواهري، ومع ذلك تهاجمهما. كان عليك أن تحترم رأي هؤلاء الناس!
لأول وهلة، يبدو هذا الكلام صحيحاً. بل إنه يصح فعلاً لو كنا نتحدث عن بشر (عاديين) انتهت أعمارُهم ودخلوا في عالم الأموات.. وأما السيد حافظ الأسد- أيها السادة الذين تحبون آل الأسد إلى حد اكتسابكم لقب "المنحبكجية"- فلم يكن شخصاً عادياً، ألم تنعتوه بأنه قائد تاريخي عظيم؟! ألم تلقبوه بطل التشرينين؟ ألم ترفعوه إلى مستوى الأنبياء حينما أطلقتم عليه لقب "القائد المُلْهَم"؟
وما دمت، أيها الصديق الفيسبوكي الغاضب، تطالبني باحترام رأي قسم كبير من الشعب السوري يحبون حافظ الأسد، فأنا أطالبك، من باب المعاملة بالمثل، أن تحترم رأيَ القسم الأكبر من أبناء الشعب السوري الذين يعتقدون أن خراب وطنهم سورية سَبَبُهُ استيلاءُ حافظ الأسد على السلطة بانقلاب عسكري، ثم تحويل الجمهورية السورية إلى مزرعة شخصية، من خلال تأسيس حكم طائفي بغيض يقوم على مبدأ عبادة الفرد، وتهميش معظم فئات الشعب السوري، وتغييب عشرات الألوف من الناشطين السياسيين الديمقراطيين في غياهب السجون، وتصفية بعضهم، وتطفيش البعض الآخر، دواليك حتى عثر على فرصة تاريخية سانحة مكنته من تحويل الجمهورية السورية العظيمة إلى حكم وراثي وصل بموجبه الفتى غير المتوازن نفسياً وعقلياً بشار الأسد إلى السلطة، وعندما حقت الحقيقة سلم مقادير الدولة والشعب والبلاد للفقيه الفارسي، ليلحقها بمحافظات إيران، وليقتل، بالتعاون مع ميليشياته الطائفية، خلال أربع سنوات، نصف مليون سوري، والحبل على الجرار.
إن الثوار السوريين، بلا شك، هم القسم الأكبر من الشعب السوري، وهم، في الحقيقة، أناس (مؤدبون)، ويحترمون مقام الناس الأموات، ويقفون أمامهم بإجلال، ولكنهم، حينما بدأت الثورة، ولجأ الوريث وطغمته إلى قتلهم على نحو ممنهج، لم يترددوا في توجيه اللعنات إلى روح حافظ الأسد، فلم تكن تخلو مظاهرة، في طول سورية وعرضها، من هتاف (يلعن روحك يا حافظ).. وأما أهالي حمص الكرام، الذين وقع القسم الأكبر من بطش الوريث عليهم، فقد كانوا يتحلقون حول صورته، مثلما يحصل في أعياد الميلاد، ويغنون له "يلعن روحك يا حافظ" على منوال أغنية (Happy birthday to you)!
وأما عن السيد (أبي فرات) محمد مهدي الجواهري، فلا يختلف اثنان، ولا يتناطح كبشان، حول كونه واحداً من أهم الشعراء الكلاسيكيين في العصر الحديث، وأنه من أكثر الشعراء دراية بالبحور والقوافي والجوازات والإيقاعات الشعرية، وأنه جزل الأسلوب، معلم في الحبكة.... إلى آخره.
ولكن مشكلته الأساسية هي في النفاق للحكام، والتكسب من ورائهم.. ولعلمك، سيدي، أن حافظ الأسد لم يعطه، لقاء نفاقه الشديد له، بيتاً ليسكنه في دمشق؛ بل أعطاه قصراً منيفاً.. وهو يعلم أنه مدح، قبله، ملوكاً ورؤساء كثيرين، حتى إنه مدح محمد علي كلاي!.. لم يمدحه لأنه بطل رياضي أمريكي، أو ينتمي إلى حالة إنسانية، بل لأنه أسلم!
لم يقتل الجواهري أحداً من السوريين، ولم يشرد أحداً، ولم يسرق أحداً.. ولكنه اشتغل على تضليل الشعب السوري، حينما زعم، بلغة عالية المستوى، أن حافظ الأسد (المجرم)، إنما هو بطل تاريخي يجب على الأمة العربية (ومن ضمنها الأمة السورية) أن تفخر بأنه (خيرُ مَن تلدُ)!
من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية