العكيدي إلى عين العرب .. هل ضل الطريق.. د.عوض السليمان

نرفض بالجملة أن يقوم الثوار بتوجيه السلاح إلى صدور بعضهم بعضاً، أياً كانت الأسباب، ونستهجن أن يقوم أي طامح لإسقاط الأسد بتوقع ذلك من خلال مهاجمته لمقاتل آخر يسعى للغاية نفسها. وإن كنا نستغرب ذلك أشد الاستغراب فإننا نأسف لما قام به العقيد عبد الجبار العكيدي بالتوجه إلى عين العرب بدلاً من التوجه إلى دمشق.
ليست المسألة مجرد تكهنات ولا نقولاً إعلامية، ولا تشويهاً للرجل الذي صرح مفتخراً، أن مجموعة من فصائل الجيش الحر، كلفته بقيادة قوة عسكرية قوامها حوالي 1000 مقاتل، للمشاركة في القتال ضد تنظيم الدولة في عين العرب. ومع أن السوريين، أغلبهم، كلفوا سيادة العقيد أن يقود العدد الذي يريد من كتائب الجيش الحر للتوجه إلى دمشق لتحريرها من بشار الأسد، إلا أنه فضل قيادة ألف مقاتل على قيادة آلاف منهم متعطشين لنقل المعركة إلى دمشق أو للساحل السوري الذي يرسل الموت إلى أطراف سورية الأربعة.
إن لم يكن العكيدي قادراً على الوصول إلى العاصمة، فليقد قواته لتدمير الحواجز في طريق دمشق لا عين العرب، أو لينتقل بقواته إلى الساحل فيقاتل الإجرام في معقله. إلا أن الرجل رأى لسبب، نظن أننا نعرفه، أن الانتصار على الأسد ينطلق من عين العرب لا من دمشق.
بوَصف العكيدي عسكرياً مخضرماً، وبلغة بسيطة لا تحتاج إلى كثير من الشرح، فإنه يدرك جيداً، أن أصوات قذائفه التي سيطلقها على تنظيم الدولة في الشمال لن يصل إلى مسامع الأسد، وأن التفجيرات التي سيرد بها تنظيم الدولة لن تؤذي بشاراً وشبيحته، فلماذا يذهب إذاً إلى هناك، إلا أن يكون قد ضل الطريق؟.
بالتأكيد، لقد ضل الثائر عبد الجبار العكيدي طريقه، وقاد حملته إلى شمال سورية في الوقت الذي يعربد فيه الأسد في دمشق وحلب وحمص ودرعا وغيرها.
أما الإجابة عن سؤال الضلال هذا، فإنها تتعلق بالمال المشروط، والخلافات السياسية الدولية والإقليمية، وبلغة أخرى تحولت الحملة التي يقودها العكيدي إلى حملة مشبوهة لم تنطلق من إرادة كثير من السوريين الذين يسعون لتحرير البلاد، بل انخرط الرجل نفسه في اللعبة الدولية على سورية وليس لمصلحة سورية.
لا يتوقف "الأميون" عن التأكيد بأن تنظيم الدولة الإسلامية صنيعة المخابرات السورية، وأنه ذيل لنظام دمشق، ولكنهم بالوقت نفسه يدعون إلى قتاله وتوجيه البنادق إليه، لا للأسد الذي صنعه كما يقولون.
كما توقعنا فقد نشبت الخلافات بين "وحدات الحماية الكردية" وبين قوات العكيدي بعد أقل يوم واحد من وصول الأخير إلى عين العرب، وهذا أمر طبيعي، إذ أن الهدف مختلف بين الفريقين وإن ادعيا أنهما يقاتلان من أجل تحرير سورية، وقد ذكرت صحف عربية أن قوات "الحماية الكردية" منعت الجيش الحر ومقاتليه من تسلم أي نوع من الأسلحة التي ألقتها الطائرات الأمريكية للأكراد في سبيل إنشاء دُويلة في شمال سورية تحت ذريعة الحرب على تنظيم الدولة.
أجد أمر منع وصول السلاح إلى مقاتلي "الحر" أمراً طبيعياً، فواشنطن عملت على الدوام لمنع وصول السلاح إلى أيدي الثوار خوفاً من إسقاط الأسد، كما أن هدفها غير المعلن من تدخلها في الشمال، هو تشكيل الدويلة الكردية التي قد تستفيد منها مستقبلاً لإعادة صياغة العلاقات مع تركيا.
لم أقصد في هذه المادة الهجوم على شخص العقيد، ولكننا لا نخفي أننا بنينا عليه أرفع الآمال، خاصة وأنه انشق عن نظام الأسد في بداية الثورة، وقرر أن يثأر من الأسد لا من غيره. ولهذا تفاجئنا أن تكون بوصلته قد انحرفت عن هذا الهدف. وانحرفت أدبياته عن تلك التي بدأ بها مع حجي مارع وكثير من ثوار سورية.
نرجو أن يعود العقيد إلى رشده ويقود قواته باتجاه دمشق أو على الأقل باتجاه الساحل، وأن لا يكون تحت أي ظرف، طرفاً في صراع جانبي لن يخدم إلا الأسد، وإلا فستسائله دماء الشهداء.
من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية