جنح مثقفو الثورة وبعض منظريها، متأثرين بمناخ عام، بدل أن يؤثروا، صوب كل ما هو خلافي تاريخي، وغرق بعضهم في مأزق "الجدل الديني" –ربما – إلى شحمة أذنيه.
بداية القول: ليس من محرمات عن الطرح والنقاش، إذ يكفي السوريين "تابوهات" وما سكنهم من "ذهنية التحريم" إن لجهة السياسة وما يسمى رموزاً، أم لجهة تأويل الروحانيات التي تراكم معظمها نتيجة العادة وإثر التاريخي والسياسي، أكثر مما جاء عن القرآن الكريم أو النبي محمد عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم.
بيد أن أمرين على غاية الضرورة والأهمية على ما نعتقد، وربما طرحهما كشرطين لازمين، إن لم نقل ملزمين.
الأول، الدراية والعلم ممن يريد النقد، إذ من غير المنطق والعلمية، أن يذهب من يسمع نقاشاً بمقهى أو تعزلت أمه بعلمه واتساع ثقافته، إلى الإفتاء والدحض. آخذين بالاعتبار هنا، الفارق بين النقد والانتقاد، إذ جلّ ما نقرأه ونسمعه، مرده ربما ذاتي أو بيئوي، ويندرج ضمن الانتقاد والشخصنة.
أما الأمر الثاني فله علاقة بالتوقيت، أي بمعنى آخر..
هل انتهى السوريون من كل ما يوكل إليهم، في أدق مراحل الثورة وأكثرها تحولاً وخطورة، حتى يختلفوا حول قتل الصحابي خالد بن الوليد لمالك بن نويرة، أو يتجادلوا حول من الأحق بالخلافة أولا، هل الصحابي الصديق أم بن أبي طالب.
هل استوى أمر الثورة ووصل السوريون إلى ما خرجوا لأجله، وباتوا بأمس الحاجة لقوننة علاقتهم بالخالق وإعادة قراءة الأديان على نحو عصري ومعاصر.
أم ترى ثمة أولويات الآن تتعلق بتعليم الأطفال التائهين بين الشوارع والاستغلال، أولويات لها علاقة بجنوح الشباب وهجرتهم، أولويات تتعلق باستغلال الفتيات السوريات ممن ادعى الحرص والصداقة، أولويات فرضها الواقع الرخو وتخاذل الجميع عن ثورة خرجت من الأحقية والصوفية ما أدهش العالم...أولوية لها علاقة ببقاء بشار الأسد ليورّث حافظه من بعده، إن استمرينا بالخلاف على جلد الضبع قبل اصطياده.
ولعل من الضرورة بمكان هنا، الإشارة إلى أني لم ولن ولا أدعو لترحيل القضايا المحلة ومناقشة المسائل الخلافية، ولكن ضمن شروط ومنطلقات وعلمية وبحثية وغائية، وإلا ستزيد عقابيل تلك الخلافات لتصبح كوارث. وستعمق الشرخ بين أطياف السوريين وتصرفهم عن المطالبة بحقوقهم إلى مزيد من الثأرية والعداء.
هذا إن لم آتِ على الفكر النكوصي المستغرب، الذي ظهر أخيراً لدى من يدعي العلمية والعلمانية، فكر يؤسس من جديد لكربلاء والجمل وسقيفة بني ساعدة.
مختصر القول: ثمة عدم تعيين وربما استهداف واضحين، بدليل التركيز على جانب وتأريخ وتجاهل سواه رغم الترابط التاريخي والسياقي بين الإثنين، فهل سمعنا مثلاً عن دعوة لإعادة قراءة فكر الطائفة العلوية الديني، هل طرح المثقفون أنفسهم نقاشاً حول معتقدات وتعاطي الدروز الدين، وكذا لجهة السادة الاسماعيليين والمرشديين وغيرهم وغيرهم.
إذ من المنطق العملي طرح كل المذاهب وتواريخها وقناعاتها ورجالاتها لإعادة القراءة والعصرنة، وعدم الاقتصار على قراءة ماله علاقة بأهل السنة والجماعة، أما إن رأى متثاقفو الثورة، سهولة في إلصاق التهم بجماعة دون سواها، نظراً لاستهدافها ومحاولات النيل من إرثها، ففي ذلك تعمية وتعميم وجهالة، لا تمت للثورة ولا لشعاراتها التي يتشدقون، بأي صلة.
نهاية القول: الحلق كله، من منطلق حرية الرأي والمعقد، القول والبحث وإعادة التفكير والقراءة، ولكن من هاتيك الحقوق نفسها، ثمة آخر له معتقده وتفكيره وقراءته، وليس من الحرية في شي "سب إله يعبده غيرك".
هذا إن لم نضحك جراء هكذا طروحات، لطالما طارحوها لا يمكنهم نبش قبور السلف وتقديمهم إلى محكمة لاهاي لدى الشمال الديمقراطي الذي يسعى لملاحقة ومحاكمة هولاكو العصر الحديث..بطل الممانعة والبراميل والكيماوي.
من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية