يجدر بي، أولاً، أن أعتذر لخليفة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، أبي بكر البغدادي، وأركانِ دولته الأفاضل، عما بدر مني حيال تنظيم الدولة الإسلامية، إذ تجاسرتُ وذكرتُ كلمة "داعش" في عنوان هذه المقالة، وهي كلمةٌ لا يحبها الدوليون (أعني مُبَايِعِي الدولة)، ويعتبرونها نابية، ويَذْبَحون مَنْ يَلْفظها بوجودهم، بالحق طبعاً، لأنه لا يجوز قتل النفس إلا (بالحق)!.. ولكنني استخدمتُها، باعتبار أنها أصبحت اصطلاحاً أكثر مما هي لقبٌ يُقال بقصد الإساءة للخليفة، لا سمح الله.
حينما ثرنا، نحن أبناء الشعب السوري، ضد نظام حافظ وبشار الأسد الإرهابي، المجرم، لم يكن تنظيم "داعشُ" مشاركاً معنا بالثورة، ليس جبناً منهم ولا تخاذلاً- معاذ الله- وإنما لحكمة لا يعرفها غير الله وأولي الأمر وأولي الألباب...
وكانت لدينا، أيامئذٍ، أوهامٌ غريبة من نوعها، تلخصت، في بداية الأمر، بالطلب من بشار الأسد أن يُجري إصلاحات بسيطة، وتدريجية، تؤدي، في خاتمة المطاف، إلى إقامة دولة مدنية، ديمقراطية، ينعم الشعب فيها بالعدل، وبالتداول السلمي للسلطة... إلى آخره، ولم نكن نعرف، (وأنى لنا وقتئذ أن نعرف؟)، أن كلمة السر الوحيدة التي يمكن أن تفتح لنا باب المغارة السمسمية هي وجود رجل تاريخي، كأخينا أبي بكر البغدادي، نبايعه فيسير، ونسير خلفه، في دروب الهداية، حتى نصل إلى بر الأمان، ونربح بذلك، دنيانا؛ إذ ننعم بالطعام الفاخر، وبالأخص لحم الخراف الصغيرة، المذبوحة ذبحاً حلالاً، وبالنساء الصغيرات البَضَّات، (المذبوحات بالحلال أيضاً)، ونربح الآخرة في الوقت نفسه.
كنا، من فرط سذاجتنا، ندعو إلى "وحدة الشعب السوري"، ناسين أن كلمة "شعب" بحد ذاتها، ملغومة، ومستوردة من البلاد الصليبية، ولماذا نستورد الحكي والأقوال من بلاد الفرنجة وعندنا كلمات عربية أصيلة مثل كلمة "رعية"؟
كنا، في مظاهراتنا واعتصاماتنا وبياناتنا ندعو إلى "الانتخابات" تحت حجج واهية يأتي في طليعتها أن الانتخابات تمثل إرادة الشعب في اختيار ممثليه، ونسينا حكاية المبايعة، يعني، هل يعقل أن يترك الإنسان، مهما بلغ به الغباء، أبا بكر البغدادي وينتخب فلاناً وعلاناً وفليتاناً؟
طالبنا بوحدة الشعب السوري، وقد غاب عن بالنا أن في سورية شعوباً لا يليق بها أن تكون معنا، وأعراقاً أدنى من عرقنا، وطوائف ومذاهب ليست كافرة على نحو صريح، ولكنها بحكم الكافرة، (والكافر يقتل شرعاً) إذ أن كل شعب من شعوب تلك الطوائف يعبد الله بطريقته الخاصة، وكأن الدنيا فوضى، أو (كل مين إيدو إلو)!..
دافعنا عن وحدة تراب سورية، دفاعاً مستميتاً، وضحينا بالروح والدماء والممتلكات في سبيل هذه الوحدة، وإذا بنا نكتشف، بعد لأي من الزمان، أننا ندافع عن المؤامرة الصليبية الكبرى التي وضعها سيئا الذكر مارك سايكس وفرانسوا جورج بيكو، قبل مئة عام من الآن، فتقاسمت بموجبها الدولتان االكافرتان فرنسا وبريطانيا أراضينا، وحواضرنا وقرانا، ثم ذهبتا إلى حيثُ ألْقَتْ رحلها أم قشعمِ، لتجيء مكانهما الدولة الأشد كفراً ونفاقاً، وإجراما (أمريكا)، وبقيت بلاد المسلمين تعيش ضمن رقعة سايكس بيكو البغيضة.
حسناً فعل تنظيم داعش، يا سادتي، وفي الاتجاه الصحيح ذهب، وبتأخره عن الالتحاق بالثورة فاز وظفر.
فلو أنه وقف إلى جانب فصائل الجيش الحر، واشترك الجميع في قتال نظام حافظ الأسد وريثه بشار، لسقط النظام أو استسلم، دون أن يجد قادة التنظيم الداعشي وقتاً كافياً يُمَكِّنُهم من إعلان دولتهم، والحصول على مبايعة المسلمين الشرفاء لخليفتهم، لذلك عمدوا إلى مهاجمة المدن والقرى والمراكز التي حررها الجيش الحر الكافر، المرتد، جيش الصحوات العميل، وقتلوا منهم مَنْ قتلوا، واستولوا على الأسلحة والذخائر والمقرات، ورفعوا الرايات السود فوقها، ثم انطلقوا لإزالة حدود الملعونين سايكس وبيكو، بين سورية والعراق ومناطق الأكراد، وأبادوا قسماً كبيراً من أعداء الله الأزديين والآشوريين،..
ولعل أفضل ما أنجزوه، من خلال فتح الحدود، هو توجيه ضربة ساحقة ماحقة لمفهوم "الوطنية".. فالشباب الدواعش كانوا السباقين إلى اكتشاف الخيط الرئيسي للمؤامرة الصليبية على بلادنا، التي تتجلى في تكريس فكرة "الوطن"، وحب الوطن، والانتماء إلى الوطن، وقد تم ذلك في أحد المحافل الماسونية التي كانت تمولها وتديرها وترعاها الصهيونية العالمية.
لهذا كله، أكرر اعتذاري لداعش، وأستميحهم العذر، وجل من لا يخطئ.
من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية