وصل إلى اسطنبول، قبل أربعة أيام شاب عشريني قادما من الرقة، فقررت مرافقة الصديق محمد للتعرف إلى الشاب والسماع منه عن "داعش" التي استطاعت ان تحقق المعجزات "على جانبي طريق الحياة، فمرة تكون بموقع واهبة الحياة والأمن والغذاء، وحامية الدين، ومرة أخرى تكون بموقع "الديان" الذي لا يؤجل حسابه على المارقين والكفرة والمرتدين، ومرة ثالثة تكون "المعجزة" التي استطاعت استنهاض دول العالم، وخاصة الغربية منها للاتحاد والتحالف والقيام بعمل عسكري، بعد أن ظننا أنها عاجزة فعلا عن تجاوز الشرعية الدولية ممثلة بمجلس الأمن، المحروسة قوانينه من قبل روسيا والصين وإيران، فتكشف لنا كذب الادعاء وهشاشة تلك الشرعية الدولية عندما تكون مصالح تلك الدول في خطر، فيتم القفز فوقها بحجة "البعبع" الذي أسموه "الإرهاب"، معيدين إنتاج بضاعة كان الزعماء العرب قد تاجروا بها قبل أكثر من ثلاثين عاما، وخاصة حافظ الأسد، الذي كان قد خلق المصطلح في نهاية السبعينيات والثمانينيات لتركيع المجتمع السوري وتدجينه وإنهاء السياسة منه، وابتزاز دول الخليج والسعودية بعد أن تم "تعميده" أمريكيا وإسرائيليا.
الشاب الذي أنهى دراسته الجامعية قبل قليل قرر الهجرة إلى تركيا لأسباب عديدة يختلط الوهم فيها بالحقيقة، الرغبة في الاكتشاف والتجريب والبحث عن مكان أكثر أمنا لابنته حديثة العهد بالحياة، وليس الهرب من "داعش"، فقد عرف كغيره طرق تحاشي غضب "السلطان"، وخاصة أن السوري قد تجاوز محنة غضب السلطة والسلطان على مدى أربعين عاما أسديا، فليس من الصعب عليه التعامل مع "الممنوعات" الداعشية.
هنا سألته عن مشاهداته العينية وليس عن ما سمعه فقال، ولم أقاطعه:
أولا لا بد من تسجيل ظاهرة هامة جاءت بعد فوضى كبيرة وهي ظاهرة الأمن والأمان في المدينة، فليس هناك من يقتحم بيتك ويستولي على أملاكك أكانت صغير أم كبيرة. ثانيا عليك دفع حصتك من الزكاة برضاك أو غصبا عنك، ويتم توزيعها مباشرة على المحتاجين. المواد الغذائية موجودة في المدينة وبأسعار معقولة، ولا يتجرأ أحد على التلاعب بها.
يجب احترام اللباس الشرعي، وخاصة بالنسبة للنساء، أما اللباس الأوروبي بالنسبة للرجل فهو يثير الانتباه ولكنهم يغضون الطرف عنه. على جميع المحلات التحارية إغلاق أبوابها في أوقات الصلوات، والحد الأدني لذلك لا يجب أن يقل عن ربع ساعة، ومن لا ينفذ هذا الأمر يتم سجنه لمدة ثلاثة أيام.
تابع الشاب قائلا: أي إنسان يستطيع التقدم بشكوى ويحصل على حقه ولو كان موضوع الشكوى عمره عشرون عاما. ليس هناك رشوة في الرقة، فبعد أن كانت إحدى أهم المدن السورية بالفساد أيام نظام الأسد، تبخرت هذه الآفة الآن بفضل قانون واحد سنته داعش، من يحاول الالتفاف عليه هم من "الأنصار" الرقاويين الذين التحقوا بالتنظيم وليس من "المهاجرين".
على مستوى التعليم، تم حذف مادتي التربية القومية الاشتراكية والدين الإسلامي، وتم اعتبار طلاب كليات الحقوق كفرة يطبق عليهم الحد.
أما عن ملاحظاتي العسكرية، فأنا لست خبيرا في هذا المجال، ولكن هناك معلومات شبه مؤكدة, يتداولها الناس, أن من يخطط للمعارك العسكرية ويديرها في "الدولة الإسلامية" هم ضباط عراقيون مهرة من المحسوبين على "صدام حسين"، وأن هناك طيارين أيضا يدربون عناصر "الدولة" على قيادة الطائرات التي تم شحنها من مطار الرقة العسكري، وأنا شخصيا قد رأيت واحدة منها محمولة على شاحنة ضخمة، قيل إنه تم نقل خمس منها إلى ذاخل العراق.
من الواضح لكل الناس أن لدى "الدولة الإسلامية" مشروعها السياسي الذي تعمل عليه في كل جزئيات الحياة، ومن الواضح للسائر في الشوارع يافطات تحمل أسماء مثل "سفارة حمص" و"سفارة حلب" و"سفارة الموصل"، كما أن المواطن الرقاوي يستطيع استخدام باصات نقل عامة جديدة للذهاب إلى الموصل والعودة منها بأسعار رمزية.
سألت الشاب عن تأثير الضربات الجوية على تنظيم الدولة، فقال ضاحكا: حسب معلوماتي المتواضعة إنه لم يقتل أي عنصر من عناصر التنظيم في الرقة، تم قتل صاحب معمل أدوية صغير عندما قصفته طائرات التحالف، بالإضافة إلى القصف المستمر، والذي لا يرى أي رقاري مبررا له، معسكرا للطلائع كانت قوات "الدولة" تستخدمه كمركز لها ولأسلحتها وتم تفريغه قبل شهر من بدء الضربات الجوية، النتيجة الوحيدة الملموسة للضربات الجوية في الرقة هي خوف الناس من أصوات الانفجارات، وبكاء الأطفال، وقد يكون تأثير التحالف الدولي واضحا في "عين العرب" فقط.
تابع الشاب، إن التحالف بسلوكه هذا، وبتركه للآلة العسكرية الأسدية تعمل فتكا بالسوريين، وتجاهله لقوات حزب الله الموجودة في سوريا ولقوات المليشيات العراقية أيضا يدفع بالعرب السنة للتعاطف مع "تنظيم الدولة" رغم ممارسات هذا التنظيم غير المقبولة من الناس في الحالات العادية.
أخيرا سأله صديقي محمد: ماذا يحصل لنا لو عدنا أنا وصديقي ميخائيل إلى الرقة؟
قال الشاب: أما بالنسبة للأستاذ ميخائيل فأمامه أحد خيارين: الإسلام أو القتل، أما بالنسبة لك فستعامل كمرتد وعليك التوبة أو الصلب.
سألته: هل هناك معلومات عن الأب باولو؟ فقال: لا، ولكن الأكيد أنه إذا كان بين أيديهم فهو حي، لأنهم لو قتلوهم فسيعلنون ذلك، فلا شيء يخيفهم، وهم يصرحون علنا بما يفعلون.
هذه المعلومات التي رواها شاهد عيان، أغلبها معروف، اتركها بين أيدي القراء، يتدبرها كل على هواه، مع إضافة ملاحظة سمعتها أثناء كتابة هذه المادة من أحد العاملين في مؤسسات المعارضة السورية في اسطنبول، تقول إن ٧٠ بالمئة من رجالات الصف الثاني في هذه المكاتب يتعاطف سرا او علنا مع "تنظيم الدولة".
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية