أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

المُعارضة السورية لا في العير ولا في النَّفير.. مهند الكاطع


تزدادُ خطورة وتعقيدات المشهد السياسي والعسكري على امتداد الساحة السورية مع ازدياد وتيرة التدخل الدولي واتساع رقعة التحالف الدولي لتنفيذ ضربات جوية داخل الأراضي السورية اضافة للتطورات الاخيرة على الارض من حيث استقدام قوات البيشمركة من شمال العراق عبر الاراضي التركية بغرض الدخول إلى منطقة عين العرب ومساندة القوات المواجهة لتنظيم الدولة الاسلامية "داعش" ، وذلك بعد ان فشلت الإدارة الأمريكية على ما يبدو بأقناع الأتراك بإدخال قواتهم البرية إلى عين العرب والمشاركة في المعركة هناك . 
كل تلك الأحداث المتسارعة يقابلهُ تراجع كبير في أداء المعارضة السورية "المقدسة" و على وجه التحديد الائتلاف السوري الذي يطرح نفسه "مُمثلاً وحيداً" للشعب السوري .
فعلى الرغم من خطورة الموقف اليوم فأننا لا نجد المعارضة السورية تلعبُ أي دور مهم في مجريات الأحداث سواء أكان ذلك على الصعيد السياسي أم العسكري ، بل أنها اليوم بدَت شبه مشلولة وعاجزة وغائبة تماماً عن المشهد الحالي ، بحيث لم يكترث المجتمع الدولي بوجودها ولم يطالبها بأي موقف او حتى يستشيرها في أي خطوة ، بل أنه لم يضعها حتي بصورة أي عمل يقدم عليه اتجاه "بلدهم" سورية ، حتى لو كان هذا العمل بحجم تدخل عسكري او استقدام قوات اجنبية للقتال في سورية تحت يافطة محاربة الارهاب. فأصبحت المعارضة اليوم بالفعل " لا في العير ولا في النفير" 
نستطيع تأكيد ما ذهبنا إليه من خلال ما طالعنا به رئيس المجلس الوطني السوري الأسبق وعضو الائتلاف السوري الدكتور عبد الباسط على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك في 28 أكتوبر 2014 والذي جاء فيه : " قوات البيشمركه ستدخل كوباني لدعم المدافعين عن المدينة في مواجهة الإرهاب الداعشي الظلامي. وقرار الدخول هذا جاء بالتنسيق مع الجانبين التركي و الأمريكي " انتهى الاقتباس.
يتضحُ من خلال هذا التصريح مدى التخبط والعُزلة التي تعاني منها المعارضة السورية ، كما نلتمسُ ايضاً التجاهل التام للمجتمع الدولي لأي دور محتمل للمعارضة، والطامة الكُبرى تكمن في أن هذا التجاهل لَم يخلِق اي ردود أفعال عند قيادات المعارضة الأكارم !، فإدخال قوات اجنبية إلى أراضي سورية حتى لو كان الهدف محاربة "الإرهاب" نتيجة تنسيق تركي- أمريكي كما أشارَ سيدا ، فهو سيثير تساؤلاً مشروعاً لدينا نحنُ السوريين وهو أين هو التنسيق مع السوريين أو مع المعارضة السورية ؟ أمْ إنَّ دورَ المعارضة السورية اليوم اقتصرَ على دور "الناشط الإعلامي" المهتم بنقل الخبر والحدَثْ دون أن يكون لهُ أي دور في صناعة الحدث ، وتحولوا بالمقابل إلى مجرد كُتل تتناحر على المناصب والمخصصات المالية والخلاف حول إذا كانت البيضة قبل الدجاجة أم الدجاجة قبل البيضة ، في مناقشات ماراثونية عقيمة تدفع إلى مزيد من الإحباط والشك بقدرات هذه المعارضة على قيادة "حارة" وليس مرحلة انتقالية لبلد أنهكهُ الدمار والاستبداد !
وإنّ المرء ليستغرب والله من واقع هذه المعارضة ، التي نجدها اليوم متخندقة خلف متاريس عنوانها المُعلَن "مصالح الشعب السوري " أما المتنُ الحقيقي لممارساتهم فهو "مصالح شخصية وطائفية وقومية ضيقة" . 
أعودُ مرة أخرى إلى منشور رئيس المجلس الوطني السوري الأسبق الدكتور سيدا المتعلق بالتنسيق الأمريكي التركي حول دخول قوات البيشمركة إلى منطقة عين العرب ، حيث أردف قائلاً وسأقتبس ": "وقد جاء هذا القرار تحت وطأة إفراغ منطقة كوباني بالكامل من سكانها في ظرف أسبوع، الأمر الذي يجسد ظاهرة تطهير قومية لا يختلف حولها اثنان" انتهى الاقتباس.
طبعاً "كوباني" التي جاءت على لسان الدكتور عبد الباسط سيدا هي ذاتها "عين العرب" التي حملَتْ هذا الاسم منذ سنة 1937م بقرار من المجلس النيابي السوري أيام الرئيس هاشم الأتاسي عبر تعريب حرفي للتسمية العثمانية للمنطقة والتي كانت آنذاك "عرب بينار"، لكن يبدو أن استخدام كلمة "كوباني" يأتي ضمن تمرير رسائل سياسية ذات أبعاد قومية ، لكن الخطير اليوم في تصريحات بعض أقطاب المعارضة ذات الأبعاد القومية والطائفية الضيقة الغير مكترثة بالمستقبل السوري أرضاً وشعباً هو استغلال أي حدث لأهداف قومية ضيقة ، فتصوير ما حدثَ في عين العرب بأنه ظاهرة تطهير قومية أو عرقية هو عكس للحقائق وطمس للواقع وكيل بمكيالين ، فمركز عين العرب الذي يشكل سكانها نحو 80 ألف نسمة معظمهم من الأكراد مع بعض الارمن يتبعها ناحيتان مهمتان يزيد عدد سكانها على مئة ألف هما الشيوخ وصرين ذات الأغلبية العربية ، وبالتالي فالتهجير الذي حدثَ كان ضحيته سوريين من مختلف المكونات السورية ، وتصوير الموضوع بأنه ضد قومية معينة واللعب على وتر الأقليات ومصطلحات التطهير المستخدمة في هذا الإطار لا يفترض به أن يخرج من أحد اقطاب المعارضة الذي وصل إلى اعلى هرم المعارضة في مرحلة ما متناسياً بذلك المجازر التي تجاوزت موضوع التهجير والتي يتم ارتكابها بشكل شبه يومي على أيدي قوات النظام السوري ومنذُ العام الأول للثورة السورية بحق المدنيين في المدن السورية الأخرى دون أن نجد أي تركيز إعلامي أو اهتمام حقيقي بهذه المجازر التي تحدثُ بصمت ، ومنها الجرائم التي ترتكبها قوات حزب الاتحاد الديمقراطي "العمال الكردستاني" بحق المدنيين في محافظة الحسكة وسط صمت الجميع. على الرغم أني أجد تفسيراً لما صرح به الدكتور سيدا كونه يحملُ هماً قومياً عبّرَ عنه بشكل جليّ وواضح في كتابه الذي أعاد طباعته سنة 2014 والذي حملَ عنوان "المسألة الكردية في سورية .. فصول من معاناة منسية ".
المطلوب اليوم من الشخصيات والكتل التي تطرح نفسها ممثلة للشعب السوري ، ان تتبنى خطاب عقلاني و وطني جامع وشامل لجميع السوريين، وأن يكون سعيها لتحقيق مصلحة الشعب السوري بخلاصه من الاستبداد وليس تحقيق مكاسب آنيّة ضيقة على مبدأ المحاصصات الطائفية أو القومية ، فتوحيد الصفوف اليوم ضرورة أكثر من أي وقت ، والتشرذم الداخلي والانفصال عن الشعب هو أحد أهم مسببات التجاهل الدولي الذي تعاني منه المعارضة اليوم والذي جعلَ من دورها ثانوياً واقل من ثانوي ايضاً . 

(136)    هل أعجبتك المقالة (144)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي