أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

القاعدة والدولة ..هل يصلح التحالف ما أفسدته "النصرة"؟

مؤسس القاعدة أسامة بن لادن - صورة تعود لعام 1998

شهدت العلاقة بين القيادة المركزية للقاعدة " قاعدة الجهاد"، وفرعها العراقي حالة من المد والجزر خلال العقد الأخير انتهت، وكما يعرف الجميع، بتنصل تنظيم الدولة عام 2013 من الولاء والبيعة لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، بل الهجوم عليه واتهامه بالخرف تارة، والضلال تارة أخرى.

لكن العلاقة الشائكة بين القاعدة والدولة ليست وليدة الظروف الراهنة، بل حملت في طياتها جذور الخلاف منذ الإعلان عن تأسيس القاعدة في بلاد الرافين تشرين الأول-أكتوبر 2004. فعلى الرغم من مبايعة "أبو مصعب الزرقاوي" مؤسس جماعة التوحيد والجهاد لزعيم تنظيم القاعدة، فإن الزرقاوي حرص على إنشاء شبكته الجهادية الخاصة الممتدة من العراق إلى أفغانستان. ومنذئذ، كانت علاقة القاعدة بفرعها العراقي علاقة بيعة وولاء وليست علاقة تنظيمية تسطيع من خلالها القيادة المركزية التحكم بعمل الفرع، وتكتيكاته، ولم تكن علاقة توجيهية تستطيع القاعدة بموجبها إجبار الفرع العراقي على الالتزام بجميع أفكارها وتوجهاتها أكانت آيديولوجية عامة أو قضايا فكريّة آنية. على هذا الأساس قامت ومنذ التأسيس علاقة ملتبسة تحكمها الخلافات الآيديولوجية والتكتيكية والاستراتيجية. وقد نوهنا في مقالات سابقة في هذه الزاوية إلى أن أعمق الخلافات كانت حول أولويات ومرتكزات المواجهة. فبينما كانت تركز القاعدة على قتال العدو، ركز الفرع العراقيّ ومنذ التأسيس على الجانب الهوياتي والصراع السني-الشيعي، كما نظر إلى قتالة باعتباره وسيلة لإنشاء مشروع "سلطة" أو دولة إسلاميّة متى سنحت الفرصة بغض النظر إذا ما كانت متكاملة الأركان أم لا. ضمن هذا الفهم، أعلن عن دولة العراق الإسلامية عام 2006، وسعى أميرها آنذاك "أبو عمر البغدادي" إلى تطبيق أحلام الزرقاوي ومشروعه السلطوي، وركزت الدولة على قتال الشيعة والمخالفين دون غيرهم، وهو ما أدى إلى ظهور انتقادات علنية من قبل زعيم القاعدة أسامة بن لادن وآخرين لانتهاكات الدولة واستسهال التكفير وقتل المخالفين. تجدر الإشارة إلى أن المتحدث باسم الدولة الإسلامية العدناني ذكر في رسالته المعنونة بـ "عذار أمير القاعدة"، الظواهري بأن " الدولة" كبحت جماح غضبها عن قتال الروافض حفاظًا على وحدة المجاهدين، وحفاظا على مصالح القاعدة في إيران ( تاريخ التحميل 24/5/2014).

أيًا تكن الخلافات السابقة، فإنها بقيت محصورة في شريحة صغيرة ناشطة في المنتديات الجهادية ولم تظهر في الفضاء العام، والذي لم يكن يهتم بمتابعة الحركات الجهادية بالدرجة التي يتابعها اليوم. ولم تظهر هذه الخلافات وتتوضح إلا بعد الثورات العربيّة، وتحديدا بعد الثورة السوريّة، والتي شهدت ولادة نموذج جهادي جديد للقاعدة مثلته جبهة النصرة لأهل الشام. صحيح أن النصرة ولدت من رحم دولة العراق الإسلامية، والتي ولدت بدورها من رحم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، فإن قيادة النصرة تجنبت عند تأسيسها إعلان البيعة والولاء لأي من الحركات الجهادية أو القيادة المركزية للقاعدة، وحاولت تقديم نموذج جهادي يقطع مع تجربة العراق سيئة الصيت. وبخلاف تفكير الجولانيّ عن النموذج الجهادي، نظر البغدادي أمير دولة العراق الإسلامية آنذاك إليها باعتبارها مشروعا سلطويا من شأنه إعادة إحياء تنظيمه دولة العراق الإسلامية، والذي انتهى في الصحارى والبيداء، بعد تشكيل الصحوات عام 2007، وطرده من غالبية المدن العراقية. أما الظواهريّ، وكما تدل كثير من المؤشرات، لم يكن على صلة بالنصرة بداية تأسيسها، وكان البغدادي هو صلة الوصل بين القاعدة والجبهة، لكن الظواهري لم يخف إعجابه بالنموذج الجديد، وهو ما أثار استياء بل ومخاوف قادة التنظيم العراقي.

ضمن الفهم والهواجس السابقة، أعلن البغدادي عن خطوة الدمج 9 نيسان/ أبريل عام 2013 لتشكل نقطة تحول كبيرة بالنسبة للقاعدة والحركات الجهادية المرتبطة فيها. فبعد إعلان الدمج، رفض الجولاني الخطوة، وللتهرب من تطبيقها أعلن الجولاني بيعة أكبر للظواهري أمير القاعدة، وأمير الدولة أيضا، وطلب منه التحكيم والفصل. وكما توقع الجولاني جاء قرار التحكيم لصالح، وأقر فض الدمج، وعين البغدادي أميرا على العراق بولاية مكانية لمدة عام قابلة للتجديد، وكذلك مع الجولانيّ في سوريّة.

لم يثنِ تحكيم الظواهري البغدادي عن إكمال مشروعه. وفي كلمة جرئيّة وغير مسبوقة حملت عنوان "باقية في العراق والشام" رفض البغدادي رسالة الظواهري بفض الاندماج، واعتبر أن عليها مؤاخذت شرعية ومنهجية وفق ما جاء في كلمته "أما الرسائل التي نسبت إلى الشيخ أيمن الظوارهي -حفظة الله- فإن لنا عليها مؤخذات شرعية ومنهجية عديدة. وقد خير العبد الفقير بين أمر ربه المستفيض، وبين الأمر المخالف لأمر الله، وبعد مشاورة مجلس شورى الدولة الإسلامية في العراق والشام من مهاجرين وأنصار، ثم إحالة الأمر للهيئة الشرعية، اخترت أمر ربي على الأمر المخالف له في الرسالة" (تاريخ التحميل 15/6/2013).

كانت هذه الرسالة بمثابة الخروج الفعلي لتنظيم دولة العراق الإسلامية والمسمى آنذاك بالدولة الإسلامية في العراق والشام من عباءة القاعدة، وتنصل واضح، ولكنه غير معلن من بيعة الظواهري. أما الأخير، ونتيجة لهول الصدمة ولوجع الضربة معنويا، فقد فضل الصمت خلال النصف الثاني من العام 2013، والذي شهد مواجهات داميّة بين فصيليين جهاديين تخرجا من المدرسة نفسها، وبايعا في يوم من الأيام القيادة ذاتها على السمع والطاعة. على الرغم من ذلك، فإن تنظيم القاعدة، لم يعلن تبرؤه المطلق من تنظيم الدولة إلا مطلع شباط/ أبريل 2014. آنذاك، طرحت تساؤلات جديّة عن سبب تأخر القاعدة في إعلان موقف واضح من تنظيم الدولة على الرغم من انتهاكاته وجرائمه تجاه الفصائل السورية من ضمنها الإسلامية وجبهة النصرة، وتفضيل الظواهري الصمت والمراقبة على الوقوف بحزم ضد التنظيم وممارساته لاسيما وأن منظرين جهاديين كبارا مثل "أبو محمد المقدسي"، و"أبو قتادة الفلسطيني"، وهاني السباعي .. الخ وجهوا انتقادات لاذعة للتنظيم، واتهموا بالخروج عن الملة، وبتخريب جهاد الشام.
الجواب ليس صعبا، وقد أشرنا إليه في مقالة سابقة نشرت في هذه الزاويّة بعنوان "الظواهري: الحكيم الضال" وهو: أن الظواهريّ ينحاز دائمًا للطرف الأقوى، ويحاول أن يكيف توجهاته ودعمه لهذا الفصيل أو ذلك بحسب ما يفرضه الميدان والتجربة والخبرة. فعلى سبيل المثال، بادر الظواهري إلى إعلان التبرؤ من تنظيم الدولة في شهر شباط/ فبراير 2014، أي بعد المواجهة الكبرى التي خاضتها قوات المعارضة المسلحة من ضمنها جبهة النصرة مع التنظيم وطردته من معظم مناطق محافظة حماة وإدلب واللاذقية وحلب (باستثناء الريف الشرقي)، ودير الزور. إلا أنه وبعد مرور الشهور، وقدرة تنظيم الدولة على البقاء، وإعادة تجميع قواته وشن هجمات معاكسة على مواقع خصومه، خرج الظواهري بكلمة صوتية أيار/ مايو 2014 دعا فيها إلى وقف القتال بين الطرفين، ولمح إلى تحكيمه السابق، والدعوة للانسحاب. لكن المتحدث باسم الدولة "أبو محمد العدناني" كان واضحا في رده "عذرا أمير القاعدة"، بأن تنظيم القاعدة السابق في العراق حل نفسه، وانخرط من بقي في الدولة الإسلامية. وعن العلاقة مع القاعدة أوضح العدناني أن علاقة الدولة بالقاعدة كانت علاقة الجندي بأميره في السابق فقط لأنهم أرادو أن يجعلو كلمة الجهاد واحدة ونافذة، وهذه الكلمة، حسب تعبير العدناني، لم تكن ملزمة لهم، بل تواضع وتشريف وتكريم.

وقدم العدناني أمثلة على عدم بيعة الدولة للقاعدة في السابق بالقول "لو كنا مبايعين لك ولو كنت أميرنا لكنا استجبنا لطلبك المتكرر بعدم استخدام عوام الروافض بحجة أنهم مسلمون معذورون بجهلهم، ولكنا نفذنا أمرك حتى لو كنا نخالف الحكم عليهم والمعتقد فيهم. ولو كنت أمير الدولة لألزمتها بحكمها". أما عن الحلول فقد وضع العدناني حلّين لا مناص منهما للظواهريّ ولتنظيم القاعدة: أولهما؛ أن يستمر في الخطأ، ويستمر معه الانشقاق والاقتتال بين المجاهدين، وثانيها أن يعترف بخطئه ويستدرك فعله بأن ينزع البيعة عن "الجولاني" الذي وصفه بالخائن الغادر الجبان الناكص.

طرحت الحلول السابقة قبل سقوط الموصل، وسيطرة التنظيم على ثلث مساحة العراق. طرحت الحلول السابقة قبل انسحاب النصرة وباقي فصائل المعارضة من عموم دير الزور، وسيطرة التنظيم عليها وعلى كامل محافظة الرقة. طرحت هذه الحلول قبل إعلان العدناني نفسه في 29 حزيران/ يونيو 2014 الخلافة الإسلامية وقبل خطبة "أبو بكر البغدادي" في الموصل مطلع تموز/ يوليو. وبناء عليه، نرى أن الظواهريّ وتنظيم القاعدة في موقف لا يحسد عليه وهو أمام خيارين:

• الاستمرار في تبني النصرة: وهو الخيار الأكثر ترجيحا على المدى القريب المنظور، لاسيما وأن داعش في ظل الزخم المعنوي والعسكري لن يقبل بتحكيم أو دور للظواهري يضمن له منزلة فوق " خليفة المسلمين". وفي حال استمر تنظيم القاعدة في هذا الخيار، فمن المرجح أن يحاول ما أمكن وصل ما انقطع مع تنظيم، وأن يستغل عنوان :التحالف الدولي وضرورة توحد المجاهدين لمواجهة العدو "الصليبي" كمدخل لتقريب وجهات النظر مع الدولة.

• دعم الدولة وخلع الجولاني: على الرغم من صعوبة هذا الخيار، إلا أنه يبقى خيارا مطروحا. إذ قد يساهم قصف التحالف لتنظيم الدولة في سورية والعراق دون سواه من التنظيمات والميليشيات الطائفية المرتبطة بإيران بترسيخ دعايته عن أن التحالف هو تحالف صليبي ضد الإسلام والمسلمين، ما يرفع مستوى التضامن الجهادي معه، ويزوده بالمقاتلين والموارد المالية، بل والدعم السياسي بصفته المؤهل الوحيد لحمل لواء الجهاد. ويدلل أنصار هذا التيار على البيعات التي تحصل بين الحين والآخر في الجزائر "جند الخلافة"، وأوزبكستان، والمغرب .. الخ من جهة، واختلاف وجهات نظر فروع القاعدة من جهة أخرى. فقد أحدث إعلان الخلافة أواخر شهر حزيران/ يونيو الماضي انقسامات داخل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب بين مؤيد ومعارض، كما أعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب تضامنه ودعمه لتنظيم الدولة في ضد التحالف داعيا وقف الاقتتال ووحدة المجاهدين.

بالمحصلة، فإن علاقة القاعدة بتنظيم الدولة سلبا أو إيجابا سوف تحددها معايير وموازين القوى بغض النظر عن الاختلافات الأيديولوجية.

حمزة مصطفى - من كتاب "زمان الوصل" زاوية "اسلام وجهاد"
(157)    هل أعجبتك المقالة (143)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي