"مقر مؤقت" عنوان الشريط الذي صوّره الفنان "مظفر سلمان"، في مشفى ابن خلدون للأمراض العقلية بحلب لعدد من أصحاب الإعاقات الذهنية ويبدأ الشريط بأغنية وطنية مشهورة يغنيها أحد المرضى تقول: "سوريا رجالك أبطال مجد وحضارة للأجيال".

ثم يقترب أحد المرضى وهو بطل الشريط –كما سيبدو لاحقاً- ليقول للمصور "صورني كمان"، ثم يضيف وهو يهز رأسه:"انصرعوا ما بقى يعرفو راسهم من يمينهم".
ويضيف:"نصهم صار معهم ارتجاج بللللل... ثم يتابع يعني للكب صاروا للكب". وبجمل غير مترابطة يضيف:"كلهم من "التقال" -لفظة خاصة بالحميماتية تعني الطائر الغالي الثمن- كلهم جايبينهم، ويبدأ بالتعداد على أصابع يده:"من أمريكا ومن تركيا، ومنهم من اسطنبول؟ ومن لبنان ومن السعودية وفي منهم من الهند وإفريقيا".
ويظهر الشخص ذاته في لقطات أخرى وهو يتلمس رأسه بيده متوجهاً بالكلام للمصور: أرجوك أرجوك (....كلمات غير مفهومة) في الشريط لتعالي أصوات المرضى الذين حوله، ويتابع: "تعبان عليهم ومنتهك أبو فطاسو لحتى مربيهم (يتحدث عن طيور كما سنعرف لاحقاً).

ويصرخ أحد المرضى بوجه طفل بينهم قائلاً له:" روح جبلي دخان من عند أبو هاشم وتعا" ويقترب أحدهم من نفس الشخص ليقول له:"عطيني عشرة" فيجيبه: "راح يجيب" ويكرر طلبه للحصول على عشرة ليرات فيصرخ به: "بعطيك.. راح يجيب" ويعاود بطل الشريط الكلام موجهاً حديثه للمصور: "يا دكتور انا بكشهم –يقصد تطيير الحمام– من الشام بيجوني على حلب لهون". ويتابع: "كشيتهم ما رجعوا وهون بحلب كشيت وما رجعوا" ثم يضيف وهو يرفع السبابة ويضم باقي الأصابع:"والله العظيم ما بقول إلا الحق، أنا كنت أملك أربعة آلاف طير، وكلفة كل طير 50 ألف ليرة سورية بين أكل وبين ترباية، وبين عمارات ستارات.
ويردف: "كل ستارة عندي بتكلّف مية ألف ليرة سورية".
ويستدرك: "منهم ماتوا، منهم صار معهم ارتجاج من قوة الصاروخ"، ويمثّل له الأمر: "هلأ جيب طلقة روسية بتشوف الحمام جفل بقى كيف الصاروخ.. منهم طفشوا ما بقى يعرفوا راسهم من طيـ .. هم" ثم يقول له معتذراً: "عفوا من هالحكي هادا".
ويتوجه للمصور قائلاً: "بدي تعويض وحين يسأله من مين، يقول له:" من صاحب العلاقة اللي سوى هالشي"، ويسأله المصور: "مين اللي سوى هالشي" فيقول له:" اللي سوى هالشي بشار". ويلتقط أنفاسه بعد هذه العبارة ويضيف مستدركاً: "بشار الأسد.. بشار مو الأسد والله ما بعرف، الله أعلم بس بنعرف إني بشار ورا كل هالمصايب هاي" ويعدد على يده بشار الأسد .. بشار جميلة ...

ثم تظهر عدة لقطات ثابتة مأخوذة بحرفية فنية عالية باللونين الأبيض والأسود لعدد من مرضى المشفى، يبدو أحدهم وهو يؤدي التحية لضابط أو مسؤول، وامرأة منكوشة الشعر بدت علامات الزمن على محياها وقد التحفت بدثار دون أن تدير وجهها للكاميرا، ومصاب يشرب سيجارة تحت غطاء ثقيل، وقد اعتمر طاقية صوف وثمة صورة قاسية لشخص يغطي رأسه بلحاف، وبانت إحدى عينيه فيما توارت الأخرى وراء الغطاء، وارتسمت علامات الزمن على ملامح وجهه، وصورة لشخص غطى نفسه بدثار وبدت عيناه مفتوحتين على آخرهما، وكأنه في حالة مفارقة للحياة، أما بطل الشريط الذي توفي بعد ثلاثة أشهر إثر جلطة دماغية كما جاء في الشريط فبدا وهو يشرب سيجارة في حالة من الذهول واللامبالاة.
حول فكرة هذا الفيلم الوثائقي يقول الفنان مظفر سلمان لـ"زمان الوصل"
"كنت في حلب سنة 2013 أقوم بمهمة تصوير لوكالة "رويترز"، وعندما سمعت بما تعرض له المشفى المؤقت للمرضى النفسيين الذين أنقذهم الجيش الحر ذهبت إلى هناك للتصوير من داخل المشفى، ونشرت حينها الصور والقصة في وكالة "رويترز" وقصة المريض وطيوره.
ويضيف سلمان:"لم أكن أصور فيديو، ولكن هذا المريض جاء لوحده أمام الكاميرا ليحكي قصته، أي قصة الألف طير من الحمام التي قام بكشها ولم تعد إليه، فأحسست برغبة في التصوير من خلال الفيديو".

ويردف سلمان:" طبعاً كان التصوير دون تجهيز وضمن ممر المشفى، أي في سياق الظرف الطبيعي للمشفى من أصوات وضجة.
ويتابع "تركت هذا الشخص يتحدث لوحده دون تدخل مني سوى أني سألته "من مين بدك التعويض؟" ففاجأني بجوابه المباشر والصريح والبسيط، إنه يريد التعويض من بشار، وردة فعله البسيطة أن "بشار الأسد ليس هو الأسد" ولكن نعرف أن اسمه بشار، هذا الأمر جعلني أفكر في منتجة المقطع ونشره وإعطائه شكل الحكاية".
وحول هدفه من إنجاز هذا الفيلم والرسالة التي أراد إيصالها يقول الفنان "مظفر سلمان": هدفي الأول من هذا الفيلم هو التوثيق للحياة خلال الحرب، وإظهار شروط الحياة التي يعيشها المرضى النفسيون ضمن الحرب، في الوقت الذي تخلى أهالي هؤلاء المرضى عنهم وتركوهم وحيدين.
والفنان "مظهر سلمان" فاز بجائزة تصوير بروما عاصمة إيطاليا، ضمن مسابقة "نظرات متقاطعة" للمصورين الشباب بدول حوض المتوسط عام 2006.
حصل على منحة المورد الثقافي العربي، وأقام معرضاً في معهد غوتة– المركز الثقافي الألماني بدمشق سنة 2010 نشر كتاباً مصوراً بعنوان "أصابعي لا تشير إلى الفراشات" بالأبيض والأسود، وعمل مصوراً في صحيفة "الوطن السورية" لمدة خمس سنوات قبل أن يتم طرده منها بعد اعتقاله بسبب تصويره صوراً لصالح الثورة نشرها في وكالة "الأسوشيتد برس" ثم عمل مع وكالة "رويترز" سنة 2013.
فارس الرفاعي -زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية