- لمناقشة هذه القضية و للمزيد من الإيضاح عن الموضوع الكردي عامة والكردي السوري خاصة لا بد من هذه المقدمة الموجزة خاصة و أن معظم القوى العربية السورية المعارضة تبدو مصرة على تجاهلها بالقضة الكردية و هو سلوك سلبي مقصود في التعامل مع حقيقة القضية الكردية و عدالتها...!!
لقد بقيت الواقعة الكردية بدلالاتها ومعطياتها السياسية والقومية ومفاهيمها الاجتماعية والثقافية والتاريخية كإحدى أهم الأمم القومية التي شغلت العلماء والساسة والمؤرخين، فانبثقت الكثير من الفرضيات والنظريات والآراء حول أصل ونشوء هذه الأمة. منها ما تقاربت وتطابقت ومنها ما تخالفت واختلفت لكنها بالنتيجة مثلت جميعها المفهوم الاجتماعي والأخلاقي والحضاري لمجموعة بشرية تمتعت بميزات واحدة وتركيبة اجتماعية ونفسية واحدة، وتعددت مواقعها الجغرافية لتفصل بينها خطوط هندسية مصنوعة. وقد بقيت قضية هذه المجموعة البشرية من أكثر القضايا تشعباً وتعقيداً بسبب السياسات التي مورست بحقها من قبل الأنظمة التي نالت من تقسيم وطنهم حصة لها عبر اضطهادها وقمعها وممارسة سياسة التعتيم على حقيقة هذه الكتلة البشرية التي تشكل الأمة الكردية.
إلا أنه وبعد الأحداث المتلاحقة في العالم و خاصة في العقد الاول من القرن الواحد و العشرين الجاري وما رافقها من المستجدات والتغييرات في المنظومة الفكرية للعالم وتأسيس مفاهيم سياسية واقتصادية جديدة وتبني الأمم المتحدة موضوع حقوق الإنسان وإشاعة الديمقراطية التي أصبحت مقياساً لتقدم المجتمعات وتطورها تم الإفراج نسبياً عن قضية هذه الأمة وخفت وطأة الغبن والتعتيم على الأقل ثقافياً وبدأ يلوح في الأفق بوادر الإفراج عن الثقافة الكردية المسجونة منذ عقود في معظم الدول التي يتواجد فيها الكراد باستثناء سورية التي تحوي أكثر من مليوني كردي موزعين في معظم المحافظات السورية و التي مازالت إلى اليوم و رغم كل الدمار و الخراب جراء الثورة السورية التي قامت من أجل الحرية و الديمقراطية و انتقلت فيما بعد إلى حرب طائفية أو على الاقل حرب بين طرفين كل يسعى إلى تحقيق أهدافه الخاصة بعيدا عن أهداف الشعب في الحرية و الديمقراطية.
- ففي تركية تم رفع الحظر على الثقافة الكردية نسبياً واعترفت الحكومة رسمياً بوجود الأكراد ، ورفع حالة الطوارئ في جنوب شرق البلاد (المنطقة الكردية) و جولة مفاوضات مازالت مستمرة بين حزب العمال الكردستاني و الدولة التركية مع استمرار الاخيرة سياسة الخداع و القمع على الشعب الكردي حيث اقدمت الشرطة التركية على قتل أكثر من 35 شاباً كردياُ الشهر الجاري أثناء مظاهرات التنديد بمساعدة الدولة التركية لتنظيم داعش الارهابي في هجومها على مدينة كوباني الكردية . أما في إيران فقد تم و منذ سنوات و بالرغم من قمعية و ديكتاتورية و سلفية النظام الايراني و بقرار رسمي افتتاح جامعة كردية في مدينة سنندج كما تم افتتاح قسم الأدب الكردي في جامعة طهران وقد أشارت وسائل الإعلام مؤخراً إلى احتمال تدريس اللغة الكردية في مناطق التواجد الكردي فضلاً عن كتلة نيابية كردية تمثل معظم الشرائح الاجتماعية الكردية في إيران.
- أما في سورية فمازال حزب البعث العربي الحاكم بقوة الحديد و النار و معه المعارضة العربية السورية التي انبثقت عن الثورة و التي تحكم بقوة الفكر الديني و القومي المنغلق و التي تتدعي الثورة غير قادرتين على استيعاب الحالة الكردية كجزء من الحالة الوطنية العامة و الثورية ، وما زال ينظر من قبل الطرفين على انها مسألة تهدد الامن القومي العربي و تصر على اهمالها أو على الاقل وصفها بأنها فضية وطنية عامة رغم امتلاكها لخصوصية قومية و سياسية في محاولات منها التغطية على الموقف المعادي و العنصري ضد الشعب الكردي و خاصة من من قبل الائتلاف الوطني السوري و المجلس الوطني السوري الاخواني بالرغم واقعية حلمهم القومي والوطني وبالرغم من أن المعطيات السياسية لخطابهم القومي تؤكد أنهم جزء لا يتجزأ من التكوين الثقافي والتاريخي والجغرافي لسورية وأنهم أصبحوا كتلة بشرية مهمة في النسيج الاجتماعي السوريخارطة اهتمامات القيادة السياسية الأمر الذي يشكل حالة من الإحباط والانكسار في الأوساط الكردية السورية الأمر الذي يفتح الباب أمام احتمالات أُخرى لاستغلال هذه الحالة غير الصحية من قبل أوساط خارجية وللعب بها أوقات اللزوم وهذا ما يحصل بالفعل و خاصة من قبل اطراف اقليمية و في مقدمتها الدولة التركية في إثارة النعرات القومية و السياسية بين الكرد و العرب عبر الترويج لخطاب مفاده ان الكرد سينفصلون أو سيقسمون سورية أو هم متعاملون مع النظام ما يثير الشكوك و الغضب لدى بعض الاطراف العربية التي أصلاً تملك من النزعة العنصرية و القومية تؤهلها لمعاداة أي عنصر غير عربي أو حتى غير اسلامي و ترفض الشعب الكردي عن القضية الكردية في سورية حتى باتت هذه السياسة تنجب نتائج للاسف لا تخدم الثورة السورية و الحالة الوطنية العامة عبر مهاجمة الكثير من الكتائب العسكرية التي تحمل اسم الجيش السوري الحر على المناطق الكردية و افتعال معارك و لعل الاحداث الاخيرة و الخرب التي تشنها الدولة الاسلامية في العراق و الشام "داعش" على مدينة كوباني توضح هذه الآثار السلبية للتصورات المعارضة العربية عن الحراك الكردي في روج آفا أو الشمال السوري و استغلال تركيا هذه العلاقة غير الصحية.
بعد أكثر من 5 عقود على سياسة القمع و الاضطهاد و الالغاء ضد الشعب الكردي لا بل و محاولات النظام السوري التدويب القسري للمكون الكردي السوري في البوتقة العروبية و بشتى الوسائل التي امتلكها النظام و التي رافقها صمت دولي و عربي من داخل و خارج سورية و بالاخص القوى المعارضة و التي ادعت الديمقراطية جاءت الثورة السورية وفي خطوة مفاجئة اعتبرتها الأوساط الكردية نقطة تحول في تاريخ سوريا السياسي و تأمل الشعب الكردي بامكانية الوصول إلى حل وطني لقضيته السياسية و الانسانية سيما و أن الثورة حملت مفهومي الحرية و الديمقراطية لسورية بعد اسقاط النظام سيما و أن مرتكزات التغيير ومبرراته باتت أكثر وأقوى قياساً بالمناخ العربي الذي نتج عن الحراك الشعبي الذي حصل في العديد من الدول العربية و وسط ظروف عالمية وإقليمية تسودها تطورات وأحداث خطيرة وخاصة تلك التي تتعلق بتغيير بعض الانظمة و بروز الاسلام السياسي الذي اقلق الشعوب نتيجة لممارساتها الخطيرة المنافية للمفاهيم التي قامت التي قامت من أجلها الثورات في الدول العربية و في ظل كل ذلك داهم الكراد في سورية قليل من والقلق والارتباك واخترق السؤال أحلامهم: ترى هل ستعترف المعارضة السورية بالشعب الكردي بعد الثورة..؟؟ سيما و أن التيارات التي ظهرت بعد الثورة و بقوة في معظمها دينية و قومجية خالصة تكاد توجهاتها السياسية تجاه القضية الكردية لا تختلف عن النظام البعثي..؟؟ و سرعان ماظهرت و انكشفت السمات الفكرية و السياسة و الاخلاقية للمعارضة العربية السورية و خاصة بعد عسكرة الثورة السورية و اتخاذ الكرد المنحى السلمي للثورة أو ما سمي بالخط الثالث في الثورة السورية عبر محاولة تهميش المكون الكردي و استغلال قناعاته الديمقراطية و و الوطنية و روحه المحب للحرية و توظيف ذلك في خدمة أجنداته السياسية و ممارسة اللعبة التاريخية معه عبر جعله وقوداً في ماكينته و من ثم التخلي عنه لا بل و محاربته.
- أما وقد تغيرت المفاهيم وانتقلت البشرية إلى عالم أكثر تفاهماً واقتربت الأمم والشعوب من بعضها أكثر وزالت الحدود نتيجة للتطور التقني الهائل والغزو التكنولوجي لجميع ميادين الحياة (الإنترنت والفضائيات وسرعة انتقال المعلومة) فضلاً عن تخلي الكثير من الشعوب عن الدولة القومية الكلاسيكية وقبولها بمبدأ التعايش بين عنصرين أو ثلاثة أو أربعة عناصر ومن اثنيات مختلفة على أساس من المواطنة الحقيقية (الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الإفريقي، الكتل الاقتصادية التي حلت محل الكتل القومية والسياسية)؛ فإنه مطلوب من المعارضة السورية و التي تنتظر استلامها السلطة من نظام بشار الاسد الاقتراب أكثر من المسألة الكردية وقراءة تضاريسها وواقعها الاجتماعي والثقافي والوقوف عليها بشكل جدي واستيعابها لم على المستوى السياسي و القومي و الوطني و القبول به شريكاً وطنياً حقيقياً ليس عربياً و الاعتراف بما حققته ثورة روج آفا و المكاسب و الانتصارات التي حققتها الادارة الذاتية الديمقراطية التي اعلن عنها حزب الاتحاد الديقراطي و انضم إليها العديد من الاثنيات العربية و الكردية و الآشورية و السريانية و الاحزاب السياسية حتى وصلت إلى انتزاع هذه التجربة الاعتراف الدولي عبر التعامل الرسمي و غير الرسمي معها..!! إن الركض خلف نظام ذا تركيبة شمولية و عنصرية و استعلائية كالنظام التركي لن يجلب التوافق و الديمقراطية بين ابناء سورية سيما و أنه ذو تاريخ معروف في الهيمنة و السيطر و التحكم بالآخر.
- إن الخلاف السياسي يجب أن لا يحول دون التواصل الوطني و الديمقراطي و فتح آفاق رحبة أمام التفاعل الوطني و السياسي وكشف النقاب عن مخزون روحي للتصالح مع الواقع وإعطاء زخم جديد للحالة الوطنية بكل ألوانها الزاهية وأطيافها المتعددة. وأعتقد أن الاهتمام بقضية وطنية كالقضية الكردية من شأنه الخروج من حالة اللاثقة لتاريخية التي نعيشها اليوم و التي زرعتها الانطمة المتعاقبة على سورية و بشكل خاص نظام الاسد الاب و الابن البعثيين كما هو مفتاح هام لقراءة الواقع ثقافياً وسياسياً كما هو، وليس كما أراد البعض للواقع أن يكون معلباً مؤدلجاً. فهل ستخطو المعارضة العربية السورية و خاصة الائتلاف و ما يسمى بالتيار الديمقراطي النائم للاعتراف بواقع تارحي و حقيقي قائم فعلياً وتلحق و تستجيب للمفاهيم التي قامت من أجلها الثورة السورية قبل أن تلحق بمسيرة التجديد العالمي أم أنها ستبقى أسيرة مصالح شخصية و مقموعة من دول و قوى اقليمية خارجية و لا تريد اللحاق بقطار الثورة الحقيقية التي يقودها الشعب الكردي و السوري و التي سترفع مكانته الدولية والإقليمية أكثر و أكثر فيما لو تعمدت هذه المعارضة العقلانية و التحرر من الانغلاق؟
وأخيراً وبالرغم من محاولات الدولة التركية في محاصرة أي تقارب بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمعارضة العربية و محاربة الشعب الكردي و بشكل علني و رغم اتفاق العديد من الاطراف العربية في المعارضة السورية مع توجهات آردوغان العثمانية غلى أن شعورا بالتفاؤل يسود الشعب الكردي في سورية
* كاتب كردي سوري
ابراهيم ابراهيم *- الدنمارك
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية