إنه لا يليق بدرعا وأهلها

ماذا يحدث في درعا بالضبط؟ وما الذي جرى لثوارها، وهم الذين قد فجروا ثورة الكرامة، ورفعوا رؤوس السوريين عالياً، وأذلوا بيت الأسد وشبيحته.
أتساءل في كثير من الأحيان عن أولئك الذين اغتالوا القائد الميداني محمد موسى الزعبي "الخوصة"، وهو الرجل الذي شارك في معارك التحرير كلها، وما نامت عيناه في ليل ولا نهار، فكان جزاؤه القتل. هل ظن أولئك أنهم يتخلصون من الأسد بقتله؟ عجباً لفعلتهم تلك التي يندى لها الجبين. وترفضها أعراف حوران وعاداتها.
وأتوقف مذهولاً عند محاولتَي اغتيال قائد لواء اليرموك، بشار الزعبي، وكأن الرجل ترك أعماله وأمواله، وحمل سلاحه، دفاعاً عن بشار الأسد لا عن أهل حوران، بل وسوريا كلها، فقام مجهولون باستهداف موكبه مرة، وأُفشلت محاولة أخرى لاغتياله قبل أن تبدأ.
وماذا عساي أن أقول عن خطف العميد الطيار موسى الزعبي، وكأنه عدو للثورة، وليس واحداً من أهلها وحاملي لوائها في حوران.
أليس من العجيب أن يقوم الثوار بمحاولة اغتيال ثلاثة رجال من قادة الكتائب في القرى الشرقية، في الشهر السابع من العام الجاري، وهم عبد الرحيم الزعبي، وأبو كنان، وأبو علي العبود.
إن ما جرى في عمان الأشهرَ الماضية من خطف ابنة السيد أحمد نوري الخطيب والاحتفاظ بها أكثر من عشرين يوماً، لعمل لا تقبله الإنسانية، ولا الرجولة، ولا الدين، ولا العادات المتعارف عليها في سورية كلها، ولا تقبله أخلاق الثوار أيضاً. إذ كيف يقوم من هو محسوب على الثورة بخطف ابنة رجل آخر محسوب على الثورة نفسها، أضف لذلك أن المخطوف سيدة لا ناقة لها ولا جمل في أي خلافات محتملة.
إن ما أقدم عليه قيصر حبيب بقتل قيس القطاعنة، وتحويل السلاح إلى صدر ثائر كقيس وهو من أوائل المنشقين عن نظام الأسد، لجريمة أخرى لا يقبلها أحد، وماذا استفاد الثوار من ذلك إلا قتل قيصر حبيب نفسه، فخسرنا ناشطَين اثنين مرة واحدة.
هل تأكل ثورة درعا أبناءها، أم لم يعد بعض من يدعي الثورة قادراً على إخفاء حقيقته، أم أننا بدأنا ننسى حوران وأنها كانت شرارة الثورة وشعلتها.
هل نسي ثوارنا الشيخ أحمد الصياصنة الذي قدم فلذة كبده قرباناً للحرية وهو الشيخ الضرير، الذي يحتاج ولده أكثر منا جميعاً. أم هل نسوا دم حسام عياش وقد سال نقياً طاهراً ممتزجاً بتراب درعا ليعلن انطلاق موكب الحرية والكرامة. أ يعقل أن يغيب عن خاطر ثوارنا صور دبابات الأسد وهي تقتحم المدينة في الأيام الأولى للثورة لتخضعها فيرفض أهلها ويواجهونها بصدورهم وكرامتهم، "بدّي صوّر وخلّي كل العالم يعرف، قوسني..قوسني".
هل غابت صور زخات رصاص الأسد على الصنمين وخربة غزالة وبصر الحرير والجيزة عن ذاكرتنا الحورانية؟ هل يتم الثأر للمسجد العمري ومئذنته، بقتل قيس، وخطف بريئة، وسلبٍ، ونهب، واغتيال قادة.
أ يعقل أن تنسى الذاكرة العالمية والعربية، فضلاً عن ذاكرة أهل درعا، مجزرة صيدا حيث كانت كمية الدماء التي سالت أكثر من كمية الحليب التي حملها أطفال القرى لأبناء عمومتهم في المدينة المحاصرة.
ماذا سنقول لكل أولئك الشهداء الذين ارتقوا في قرانا، وكيف سنعتذر إلى الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن؟ كيف سنجد الكلمات لتبرير قتل بعضنا بعضاً، والانصراف عن الأسد وشبيحته؟ هل ستزغرد أمهات حوران لمقتل أولادهن على يد أقرانهم من الثوار؟.
أوجه اليوم ندائي إلى أهلي في المحافظة كلها، لا تفرغوا شعارات الثورة من مضمونها. أ هذه هي ثورة الكرامة التي عاهدنا الله والسوريين على المضي بها، أ هذه هي حوران أم اليتامى، أ هذا هو شعار الموت ولا المذلة، أم هذا هو شعار يا سورية حنا معاك للموت؟ فكيف تكونون مع سوريا للموت، وأنتم تقتلون بعضكم بعضاً.
أنتم يا من أشعلتم ثورتنا وكنتم وقوداً لها، لا تطفئوها اليوم بخلافاتكم. وويل لنا جميعاً إن حدث.
د. عوض السليمان من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية