نشر موقعكم الكريم بتاريخ 20/10/ 2014 مقالاً مطولاً للدكتور حازم نهار تحت عنوان "ثلاثية تليق ببيان الرباعية"، وفي يلي ردّي على هذا المقال. آمل منكم نشره.
بدايةً، لم أجد ما يدعو سياسياً بوزن الدكتور نهار، للرد على بيان "غير" سياسيّ (وحقيقةً، تبقى السياسة هي الغائب الأكبر عن كلّ خطاب سوريّ يمت بصلة ما للحدث السياسيّ الجاري على الأرض السورية) مكون من 400 كلمة لـ "جهات هشة، بعضها خلبيّ" وفوق ذلك هي"غير مهمة" على حد وصف د. نهار، بمعلقة من الشتائم "غير" السياسية أيضاً، تزيد عن الـ 2500 كلمة!.
ربّما كان لذلك سببه الشخصيّ أو النفسي، وهو مجالٌ لا أجيده، وإن أجدته، فلا أريده.
لن أبذل جهداً في تبيان الخلط والتعميم الذي وقع به الدكتور نهار في تناوله لتاريخ ومواقف الرباعية (هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطيّ، ائتلاف القوى العلمانية، مجلس الحكماء، وجبهة التغيير والتحرير)، فتلك مهمة القوى سالفة الذكر، كما أنني لن أدافع عن قوى، رأيي فيها لا يختلف كثيراً عن رأي الدكتور نهار، ولكن من زاوية مختلفة بالتأكيد.
من الجيد أن السيّد نهار أتى على ذكر "تحليل مفردات الخطاب السياسيّ" في معرض ردّه، وربما كانت هذه النقطة بالذات مناسبة للانطلاق. ويُدرك السيدّ نهار بالتأكيد، أن المتلقي هو العنصر الأهم من عناصر الخطاب الستة، كما أن الوظيفة التبليغية هي الوظيفة الأبرز لأي خطاب، إذْ ما أهمية اللغة إنْ لمْ يكن التبليغ هو غرضها الرئيس. لذلك يقوم الخطاب على عامل تتأسس عليه مختلف المقامات والوضعيات التي تتم بها الحوارات، هذا المبدأ يفترض الحقّ لأي فرد أو طرفٍ في المجتمع بأن يُطالب الآخرين معاملته، من الناحية الأخلاقية، ما يتناسب ومقامه، وذلك عملاً بمبدأ المشاركة الذي يتحكم بكل تبادل كلامي ناجح (إذا كنّا نبحث عن حوارات ناجحة، أما إذا كان الأمر لا يعنينا فذلك شأنٌ آخر لا يعنيني!)، ومن هنا على هذا الفرد، أو ذلك الطرف، أن يتحلّى بالقيم التي يطالب الآخرين التحلّي بها.
يبدأ الدكتور نهار خطابه بالقول: "في الحقيقة، لست من مؤيدي السباب والشتم في الممارسة السياسية، وقد حاولت أن أكون لبقاً، قدر الإمكان". ويتابع "لكنني لم أجد توصيفاً أكثر لباقة من قولي إن هناك ثلاثية من الكلمات تليق بأن تكون في خاتمة البيان، على اعتبار أن هذه الجهات تعشق الكلمات والشعارات الثلاثية في جميع مقارباتها السياسية. هذه الثلاثية هي: النفاق و"الوطاوة" والجبن. وهذه الثلاثية ليست سباباً أو شتيمة، وإلا لكنت منطقياً استخدمت كلمات أخرى أشد قسوة ودلالة على الشتيمة".
إذاً علينا أن نحمد الله كثيراً كونَ أحد أبرز محللي ومفكري المعارضة لا يؤيد السباب والشتيمة في الممارسة السياسية، وكونه بذل جهداً مضنياً في محاولته كيْ يكون لبقاً، ولكونه لم يكن منطقياً أيضاً. إذ لكم أن تتصوروا حجم السباب لوأنّ الشتيمة فلتت على هواها من بين يدي هذا الزعيم السياسي!.
لا يُمكن أن يغيب عن البال، أنّ الدكتور حازم نهار هز المؤسس الفعلي لحزب الجمهورية، وهو أيضاً عرّابه الأول، وكاتب وثائقه التأسيسية. وإن كان رئيس الحزب هو السيد محمد صبرا، إلاّ أنّ ذلك لا يُمكن أن يُخفي حقيقة أن السيد نهار هو زعيم الحزب الفعلي. وتالياً عندما يُهاجم خصوماً سياسيين له، واصفاً إياهم بالهشاشة، وعدم الأهمية، فإنه يقول عملياً: أنا الحزب الصلب، وأنا المهم. وهذا معروف في تحليل الخطاب السياسيّ (من يتذكر وصف بشار الأسد لخصومه بأنهم أشباه رجال، وبأنهم عبيدٌ مأمورون لعبيدٍ مأمورين؟)، فبالتركيز على قوى سياسية بعينها بوصفها المسؤولة عن الواقع السوري المتردي، فكأنه يقول أن هناك قوىً أخرى (ربما كان حزب الجمهورية واحداً منها) تُمثّل الخلاص للشعب السّوري، والدكتور نهار الذي أخذ –محقاً- على الرباعية عدم جرأتها بقول الحقيقة كاملة، واعتبر أن الموقف الأخلاقي يتطلب منها الصمت إن لم تكن قادرة على قول الحقيقة كاملة، كان عليه هو أن يتجرأ ويقول، بأنّ كلّ القوى السياسية السورية (بما فيها حزبه) هي للأسف الشديد: هشّة، وبعضها خلبيّ، فضلاً عن كونها ليست مهمة.
نستطيع أن نذهب بعيداً وكثيراً في تحليل "خطاب الدكتور حازم نهار السياسيّ"، ولكنّي سأكتفي بما سبق، وبالقول: إنّ كلّ فعل كلامي توفرت فيه السلطة، يحتوي أسلوه ومفرداته ونطقه على عناصر هذه السلطة (كما يقول بيير بورديو)، وتتلخص نظرية بورديو قدرة رجل السّياسة على استعمال مقدراته الخطابية، وقدرته على تكييفها مع أيّ مقام كان، بتوظيفه لما توفّره له الإيديولوجيا والثّقافة من عناصر السّلطة والقوّة. وطبعاً لا تنقص الدكتور نهار لا الثقافة، ولا الخبرة، ولا المقدرة على استعمال النصّ كسلطة، عن استعمال النصّ كـ "قوّة ناعمة" يُشيد بها المهللون.
إن كان الخطاب هو تنظيم مجاوز للجملة، ولكن ذلك لا يعني الاشتراط على العبارة أن تستوفي معايير الجملة لتعتبر خطاباً، ولعل أبرز مثال يستعمله الألسنيون للدلالة على ذلك هو عبارة «ممنوع التّدخين» والتي تُعتبر خطاباً، كونها – كما الشتيمة والمسبة اللائقة!- موجّهة نحو غاية معينة.
أخيراً: أعتقد أنه وبعد أكثر من ثلاثة سنوات والنصف على انطلاق الحدث السوري، بات علينا أن ننحي خلافاتنا جانباً، وأن نبحث عن وسيلة أخرى تتعدى ظواهرنا الكلامية لمحاولة إنقاذ ما تبقّى من سورية.
مرفق رابط إدانة هيئة التنسيق لتدخل حزب الله في سورية
http://syria-news.com/readnews.php?sy_seq=159980
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية