الحرب المزمنة مستمرة وبالرغم من ضرواتها على جبهات وخفة حدتها على أخرى، إلا أنها لم ترسم بعد صورة واضحة لما يمكن أن يحصل في المستقبل القريب أو البعيد نسبيا!، اللهم إلا مزيدا من الدمار الشامل للبنى التحتية وتشريد المزيد من السوريين.
شخصيا أعتقد أن ماتسمى الجبهة الشمالية باتت عبئا ليس فقط على الثورة والثوار !، بل وعلى البيئة الحاضنة للثورة وعلى كل المواطنين عموما!، معارك حلب من زاوية أهميتها في إسقاط النظام تساوي صفرا، النظام لا يهمه إن خسر حلب أو ربح حلب، النظام مهتم فقط باستنفاذ قوة الثوار على جبهات بعيدة لمنع أي تهديد حقيقي على العاصمة مركز الشرعية الدستورية للنظام ورأسه!. للأسف النظام تقريبا سيطر عمليا على كل محيط حلب الفاعل والمؤثر في العلمليات وهنا أعتقد ليس الفضل لقوات النظام أساسا بل للقوى التي تدعي ثوريتها والتي إهتمت بمحاكمها الشرعية وبقضاياها التنظيمية والاقتصادية وليس بالثورة وأهدفها!، طبعا هناك القوى الثورية الحقيقة والتي عمليا هي من تدافع عن حلب بالرغم من إمكاناتها المحدودة جدا والتي سببها أساسا تركيا التي منعت وتمنع أي شحنات أسلحة إلى تلك القوى الثورية لأسباب عديدة ليس المكان مناسبا لعرضها ومناقشتها!.
الجبهة الوسطى (حمص وريفها الشمالي) الحديث عنهما مؤلم ومحزن!، ربما قيادة الثورة السياسية لا تعتقد أن المنطقة الوسطى تدخل في الجغرافيا السورية أساسا!
الجبهة الجنوبية هي من سيقرر مستقبل سوريا إلى حد كبير، ثوار درعا يتقدمون بالرغم من كل المشاكل اللوجستية في الإمداد، ثوار الغوطة مازالوا صامدين وسيبقون بإذن الله بالرغم من الدمار الهائل والحصار البربري عليهم من قوات الأسد وحلفائها.
لكن السؤال الأساسي من وجهة نظري ليس فقط في إسقاط شرعية النظام دستوريا وذلك بتحرير دمشق أو تطويقها!، بل بالقدرة على المحافظة على سوريا بشكلها الجغرافي الحالي!!؟.
لا أشك أن الأسد سيغادر دمشق عاجلا أم آجلا إلى معقل رأسه المريض!، ولا أشك أنه مستعد لأن يقسم سوريا إلى عشرات الأجزاء ويدعم ذلك التقسيم وفقط ليستطيع عزل الساحل عن سوريا، المؤلم والمحزن أنه لدينا عشرات التظيمات المسلحة التي تنتظر أية فرصة لدعم أي تقسيم لسوريا، كي تهيمن رسميا على تلك الأجزاء التي تسيطر عليها الآن!!.من يحلم بالإمارات الإسلامية ومن يحلم بإمارة وهابية ومن يطمح إلى دولة إسلامية لا تحوي من مفهوم الدولة إلا شخصه الكريم لأنه الدولة والسلطات بأجمعها...وهناك قادة آخرون يحلمون ولو بالهيمنة على قطعة أرض ولو محدودة!!، طبعا لن أتحدث عن الخلافة العالمية.
البعض مستمر بالشحن الطائفي المقيت وبصورة متسارعة وكأن ذلك يساعد في انتصار الثورة!، للأسف الشديد البعض مازال للساعة يرى أنه لا مشكلة حتى في تقسيم سوريا مؤقتا شرط أن يتنحى الأسد عن حكم سوريا معتقدا أن تقسيم سوريا سيكون فرصة مرحلية وآنية وأنه سيتمكن والآخرين من توحيد سوريا وإسقاط الأسد في الساحل لاحقا!، حتى أن البعض موافق على نشر قوات فصل دولية بين الساحل والداخل وليعيش كل كما يريد!؟.
طبعا لم يخطر ببال أحد من دعاة الانفصال أن ملايين ستهجر من أماكن تواجدها وستكون بين ليلة وضحاها معرضة للتنكيل والقتل ناهيك عن التشريد!.
مشروع دولة الساحل مشروع قديم كما نعلم، لكن باعتقادي وللأسف الشديد بات المشروع شبه حقيقة!، الأسد سيستغل مرة أخرى الشحن الطائفي ضد العلويين وضد الأقليات عموما ليقنعهم أن الخلاص يكون باستقلالهم عن كل التطرف الحاصل خاصة أن الكل يعلم أن الساحل يضم من الثروات الباطنية ما يمكن مقارنته بدول الخليج!.
علينا ألا ننسى أن الساحل الآن هو المكان الوحيد في سوريا الذي مازال آمنا وعمليا لم يعان مطلقا من التدمير كما حصل في عموم أنحاء سوريا.
علينا أن نتذكر جيدا أن كل استثمارات النفط والغاز في الساحل استولت عليها شركة روسية مسجلة في بنما!، طبعا بالشراكة مع رامي مخلوف (مدير حسابات بشار الأسد). ولا أشك أن روسيا ستعترف فورا بهكذا دولة وستتشدق بحماية الأقليات كعادتها وستتبعها دول البريكس ناهيك عن دول الإتحاد السوفيتي سابقا وبالتأكيد دول كثيرة في أمريكا اللاتنية!!.
باعتقادي أن بشار الأسد لن يقدم على تلك الخطوة إلا عندما يفقد الأمل كليا من قدرته على السيطرة مجددا على سوريا، بشار الأسد يحرص جيدا على تحميل وزر جرائمه (التي فاقت جرائم النازية) للعلويين ومن ثم الأقليات ولو بدرجات متفاوتة، وعمليا هو يهتم بالمسيحيين فقط وبالتحديد بقسم منهم فقط لأن ذلك يتوافق مع أهداف موسكو التي تعتبرهم أتباع لكنيستها الأرثوذكسية.
شيء مؤسف بحق أن ننجر إلى تلك الحملة الطائفية التي عمليا يغذيها النظام وأتباعه ومعظم الخليج وقسم لابأس به من الذين تعرضوا للظلم وفقدوا أحبتهم ومنازلهم، لكن أي عقل يتحمل أن نحمل طائفة بأكملها جرائم مجموعة متمرسة في القتل كعصابة الأسد؟ علينا ألا ننسى أن القوات الخاصة الأسدية وتشكيلات كبيرة جدا ليست علوية أساسا!، لكن التطرف من جهة والخوف من المجهول وفشل القيادة السياسية للثورة من جهة أخرى دفع ويدفع مجموعات إلى الوقوف بصف النظام ليس حبا به بالضرورة!!.علينا ان نتفهم خاصية الأقليات ومخاوفها ونحاول تبديد تلك المخاوف وليس تضخيمها، كي لا تكون تلك الأقليات الخزان الإضافي لشبيحة الأسد وقتلته!، نفس الأمر بالنسبة للسنة المؤيدين شكلا ومضمونا!.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية