كنت فقط أريد حلوى. بسكويت بني اللون. سكر. أبي الذي يحب شعري الأصفر، يحب الله أيضا. لذا يحرص أن نكون مؤمنين صالحين. في الحقيقة لم أنتبه لهذا الأمر وقتها. أنا فقط كان يهمني السكر. لم يقدم لي أحدهم فطورا ذاك الصباح، ولا غذاءً. لاحقا سأعرف أنه كان شهر الصيام. عندما كانوا يصومون، كنت أحظى بالحلوى وقطع الخبز اليابس مع شاي بارد وما أشتهيه من الماء.
صيفا، حرارة البيت ترتفع، ولأنهم صائمون-سأعرف هذا لاحقا- ينزوي أفراد الأسرة في عزلتهم. أبي في غرفته، يصلي ويقرأ. أمي في مطبخها، تعد الحريرة ومعجنات كثيرة لا يحق لي أكلها حتى المساء. جدتي أمام البيت، تثرثر مع جدة الجيران. أخي الأصغر أمام التلفاز، ينتظر بداية البث. وأخي الأكبر في غرفته في السطح. لم يكن يسمح لي بالصعود إلى هناك. سبق لي أن سقطت مرتين من السلم الخشبي. في المرة الثانية، أخذت للطبيب الذي غرس في ذراعي شوكة حديد، ووضع ضمادات قوية حول ذراعي التي ظلت تؤلمني لوقت طويل. بسببها أكل أخي الأصغر كل عنب داليتنا. هذه السنة، كنت قد قررت: لن أصعد السلم، سأصعد فقط الدالية. سآكل العنب وحدي.
- يا البْنْت، تعالي هنا.
أحب دخول غرفة والدي. أخرج غالبا بغنيمة، حلوى أو قطعة سكر. في مرات قليلة، يمنحني والدي قطعا نقدية. لكنني لا أريد النقود. لأن أخي الصغير يأخذها مني بدعوى أنه سيشتري لي حلوى ولا يفعل. يخرج إلى الحي، ويتأخر كثيرا في العودة. عندما أطالبه بالحلوى، يضحك بهستيرية وهو يردد:
- يا الدُّبة، يا الدُّبة... واش بْغيتِي بالحلوى.
لم أكن دُبّة. كنت فتاة صغيرة تحب الحلوى لا غير. هذا ما سأعرفه لاحقا، عندما أدخلت جسمي في ملابس قياس 38 بلا أدنى مشكلة أمام النظرة الغيورة لصديقتي. لكنني لم أكن أعلم وقتها، لذا كنت أشعر بالحزن، أجلس أمام دالية العنب في الركن القصي من حديقة البيت، ثم أبكي طويلا. عندما أتعب من البكاء، أو تمر أمامي فراشة أو تعضني إحدى النملات المنشغلات هناك، أذهب عند جدتي. تفتح ذراعيها كأنها كانت تنتظرني، وتقطع ثرثرتها مع الجارة:
- يا الطفلة، يا قرة عيني، من أحزنك؟
ثم تبدأ في سرد إحدى حكاياتها حتى تشرق ابتسامتي.
- يا البْنْت، تعالي هنا...
أبي لا يحب الانتظار. أمي لا تحب الصيف والعطل المدرسية، لأن أبي يتحول خلالها إلى "رجل بلا شغل". ولأنه رجل متدين-سأعرف هذا لاحقا طبعا-، فهو كان يلزم البيت. يذهب للجامع للصلاة ويعود ليحرسنا كي لا نلعب في الدرب، أو نذهب إلى البحر أو نتستقبل الجارات في البيت.
- يا البنت...
لاهثة أقف أمام باب الغرفة. لا وقت لأسترجع أنفاسي. أطرق خفيفا الباب.
- أدخلي.
أدخل إلى الغرفة الأشد برودة في البيت. من النافذة أرى الدالية التي كنت ألعب تحتها قبل قليل. فوق طاولة أمام السرير أرى كتبا متكدسة وكيسا بلاستيكيا أسود. أبتسمُ؛ هناك حلوى إذن...
- اقتربي.
أقترب.
- هل تريدين حلوى؟
أحرك رأسي وأنا لازلت ألهث.
- سأطلب منك شيئا في المقابل...
سترتفع درجة حرارة البيت، أفكر بسرعة. أمي تعجن الآن الخبز. جدتي تثرثر مع إحدى الجارات. أخي ينتظر بداية البث وقد وضع رجلاه فوق الوسادة. لا شيء خطير يحدث في البيت، ليس هناك ما يغضب أبي اليوم.
أحرك رأسي موافقة.
- سأصعد السلم؟
- وسترين البيوت الأخرى من علوّ...
- ولن أسقط؟
- لا تقلقي، سأساعدك.
- ولن تغضب أمي؟
- وهل تغضب من أمر طلبتُهُ منك؟
لاحقا، سأسمي ما حدث ذاك المساء. سأسميه باسم بشع. وسأقرنه باسم والدي. وأنا أتذكر يديه تساعداني على صعود السلم. وأنا أقترب من غرفة أخي الأكبر، وأنا أنظر إلى أسطح الجيران العارية من التفاؤل، وأنا أفتح الباب بهدوء ثم أدفعه لأواجه النظرة الهلعة لأخي الأكبر من خلف دخان سيجارته.
في كفه اليسرى كانت هناك حلوى. أنظر إليها. لا أرى أمي ويداها المغطتان بالعجين، ولا جدتي المتأهبة للتدخل أمام الباب. ولم أر أخي الأكبر من فوق الدالية، ينظر إلىّ بحزن.
- رأيت أسطح بيوت الجيران الجميلة؟
- ليست فيها دالية مثل بيتنا...
- وهل هي جميلة، غرفة أخيك؟
- ليست فيها نافذة، يا أبي...
- ماذا أعجبك فيها؟
- لا شيء يا أبي. لا أحب الدخان يا أبي...
ذاك المساء، وقد كانت درجة حرارة البيت قد وصلت أوجها، ثم تهاوت. عرفت معنى كلمة "انتحار":
يسقط شاب من علو سطح ولا تفلح الدالية في التقاطه فتسقط معه.
كان الوقت، سأعرف هذا لاحقا: شهر رمضان. وكان أبي يُصر أن نكون مؤمنين صالحين.
*كاتبة من المغرب - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية