في الأمس، نقلت بعض التلفزات جلسة مباشرة لاجتماع الهيئة العامة للائتلاف من اسطنبول، جلسة مخصصة لمناقشة "الغزو العالمي للثورة السورية" ورأى السوريون، ربما لأول مرة ممثليهم القسريين، أي فكر يحملون وبأي منطق سياسي يتعاطون، وربما اكتشف الحذق، مدى التباين بالمستوى واستشف درجة الخلاف بين الأعضاء، رغم محاولات التجمل الاضطراري أمام الكاميرا. ولعل القاسم المشترك، مع بعض الشواذ لا شك، أن المراهقة السياسية هي السمة الغالبة على الطرح، وأن عدم الوعي، أو الاعتراف، بأن الدول الكبرى تعمل لمصالحها وليست جمعيات خيرية، هو من غلفن الطروحات، مع الإشارة إلى بعض الطروحات التي تسيء للثورة والسورنة فقط، بل و للإنسانية برمتها.
اليوم، "أمس السبت" تابعت الهيئة العامة اجتماعاتها، وناقشت العلاقة بين الحكومة والائتلاف، قبل أن تناقش مرشحي الحكومة، فزاد من كشف العورات والتشظي، ومحاولات البعض الاستئثار وإعادة ذهنية "القائد الخالد" وخاصة بعد وصول السيد الرئيس السابق، أحمد الجربا مع فجر يوم السبت.
نقطتان خلافيتان طفتا على سطح نقاشات السبت خلال مناقشة علاقة الحكومة بالائتلاف، أو العكس. الأولى وزارة الخارجية والثانية وزارة الدفاع، وارتأى أولو الأمر والنهي، أنه لا بد من تجريد الحكومة هاتين الوزارتين، لتكون المرجعية الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، أي تتخصص الحكومة بالنفط غير المسيطرة على آباره ومواقع إنتاجه، وبالثقافة للتحكم بالحراك المعرفي عن بعد، وبالصحة لتتابع صفقات اللقاح وتعيين الأقربين وأنصار الأمس وإن سمح عطف الائتلاف، يكون هناك وزارة للإدارة المحلية وللزراعة والاقتصاد.
مصادر خاصة أكدت أن ثمة اجتماعا جرى بين "دولتين" في "أنقرة"، رشح عنه اتفاق لإعادة الرئيس أحمد طعمة، بعد تعطيل حكومته خلال أدق وأعقد ظروف سوريا والثورة، ورميها في فخ "تسيير الأعمال" إثر اجتماعات ثلاثة كانت تكاليف عقدها، من تذاكر طيران وحجز فنادق وإطعام، وربما أشياء أخرى، أن تطعم وتكسي أطفال المخيمات جميعهم، وتمنع إغلاق ثلاث مدارس أقفلت هذا العام لعدم وجود تمويل وبالتالي إبعاد آلاف التلاميذ عن الشارع والتسوّل والعوز وربما المخدرات، ها هو الخلاف يطفو ثانية، وربما لا ينتهي إلا بتشكيل لجان لاستشارة الممولين والمتحكمين بالقرار السوري، ليجهزوا على ما تبقى من أمل...اللهم إن تبقّى.
غابت أسماء المرشحين عن التداول بعد ما قيل عن رضى "كتلة الصباغ" بالمرشح الطعمة، وإن استمرت بالضغط ليتسلم غسان هيتو الرئيس الأسبق منصب نائب رئيس الحكومة وحقيبة الإدارة المحلية، بعد توافق ممثلي الأركان ومن انشق عن الكتلة الديمقراطية، وطبعاً الأهم، توصية اجتماع أنقرة، ليكون أحمد طعمة رئيساً للحكومة.
قصارى القول: حاول بعض الأعضاء أمس كشف المستور ونبش الخلافات أمام عدسات الكاميرا، لكن مطرقة "ضيق الوقت" التي استخدمها رئيس الجلسة والتحلي ببعض الدبلوماسية، وإن بغير زمانها ومكانها، مرر جلسة ضرب التحالف لسوريا دون علم الائتلاف بشيء من الستر والسلام. لكن الجلسة كشفت أن لا علم لممثلي الثورة رغم المؤتمر الصحافي الإسعافي وادعاءات البعض بالتنسيق، تماما كما حاول أبواق النظام تسويق الأمر ذاته، وعرّت الجلسة قصور السادة الساسة الذين لم يعوا بعد، أن قوتهم من الأرض، ولا سياسة دون قوة، ولا قوة لهم إلا من الشعب...أياً بلغ الدعم المالي والتبني اللفظي، إن من دول الخليج أو من واشنطن.
نهاية القول: كل ما جرى ويجري، إنما يؤكد مقولة واحدة، يمكن اختصارها بكلمة "الذهنية" إذ مازال المعارضون يتعاطون وفق الذهنية السورية التي من المفترض أنهم انتفضوا عليها وضحوا بنحو مليون قتيل ومعتقل وأكثر من 11 مليون مهجر ومهاجر، ولطالما هذه الذهنية متأصلة وماثلة، لا يمكن لأي شخص أن يخرج عن سياق عام تحكمه الارتباطات والخلافات والتآمر، بل سيسقط أو سينخرط ضمن الحالة القطيعية، ولا من حل ثالث.
لايمكن أن تصل الحالة السورية من التشتت والضياع، لأكثر مما آلت إليه، فحتى حل التقسيم غدا من منظور البعض حلاً مشتهى، ولكن رغم ذلك، مضاف إليه حرب يقول الكبار إنها ستمتد لعقود...يلهث البعض لمكتسبات مادية يقايضون بها الدم والعرض والوطن، وينشغل الائتلاف في وقت يعاد خلاله رسم الجغرافيا والمصائر بتشكيل حكومة معطلة منذ أشهر، لينتهي المطاف بتدخل خارجي يسمي ما ضاع أشهر وملايين الدولارات حول الخلاف عليه..طبعاً بحسب مصادرنا التي نتمنى أن تكون مخطئة.
من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية