أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

التطرف ومستقبل التعايش بين الطوائف

من الصعب بمكان تحديد المركز الأول في التطرف الوحشي بين أنصار "أبو حافظ القرداحي" وبين "أبو بكر البغدادي"، وطبعا على مسافة قريبة منهما يقبع الجولاني!، القاسم المشترك بينهما هو العنف غير المبرر في مطلق الأحوال بحق الضحايا، الأساليب غير الإنسانية تجدها بوفرة عند الطرفين، والأهم هو أن الطرفين يستخدمان العنف المفرط لزرع الرعب مسبقا في نفوس الأعداء ليكونوا الطرف الأقوى في أي مواجهة مقبلة معهم، الواضح أيضا من أساليب الطرفين أن تلك الوحشية ليست مجرد نزوة حيوانية عند بعض الأفراد، بل سياسة ممنهجة ومدروسة وبمرحلة معينة من تمدد داعش ساعدتها كثيرا في كسب المعارك مسبقا!!

التنكيل بالضحايا والاستهزاء بأبسط القواعد الإنسانية ظاهرة غريبة في الحروب العصرية، ناهيك عن الحروب في الأزمنة الغابرة، يذكر لنا التاريخ بدقة أساليب التتار والبربر الوحشية في التعامل مع الأعداء، لكن في العصر الحديث ربما من الصعب تذكر حالات مماثلة!، حتى في حرب البلقان والتي تميزت بظهور أعلى مستويات التطرف الطائفي لم نشهد مثل تلك الظاهرة!.

الغوص في تحليل الأسباب الكامنة وراء تلك الوحشية أمر شائك ومعقد وربما يحتاج إلى بحث مطول!، لكن الملفت هو أن العنصر الطائفي هنا تراجع قليلا لمصلحة عناصر أخرى ربما تكون أكثر حدة وفاعلية في تبرير تلك الوحشية لأولائك أشباه البشر الذين يرتكبون تلك الأفعال. 

لاشك الطائفية لعبت وتلعب دورها كمحرك لتلك الأساليب خاصة في حالة مناصري القرداحي!، لكن الوحشية من قبل مجرمي القرداحي يرتكبها الأفراد من كل الطوائف بحق من يعتبروهم أعداء!
للساعة ما زالت أساليب النظام الوحشية في التعامل مع المعتقلين غير معروفة للجميع، خاصة أنه لا قواعد مطلقا تحكم تصرفات مجرمي النظام، أي شيء مباح ومبرر بحق المعتقلين، التفنن في أساليب القتل تختلف من فرع أمني لآخر، الغاية النهاية هي تعذيب المعتقلين بحيث يبدو الموت لهم رحمة ربانية للتخلص من تلك الوحشية المنقطعة النظير!.

داعش من جهتها لا تتوانى عن ارتكاب أي جريمة بحق معتقليها وطبعا الأهداف تقريبا واحدة لدى الطرفين!.
المدهش هو سرعة انتشار وتقبل ظاهرة القتل والتعذيب الوحشي لدى الطرفين (أنصار القرداحي وأنصار البغدادي)، أي شخص ليثبت لك أن المجتمع السوري بكل طوائفه بعيد عن نزعة الإجرام بالفطرة التي قد تكون موجودة في مجتمعات أخرى لكن ليس في سوريا...لا شك أن هناك أمور قد نجهلهاأحيانا! أو نتجاهلها لأسباب موضوعية أو غير موضوعية!! لكن من غير المنطقي ظهور وتفشي هذه الأساليب في بيئة كالبيئة السورية وفي مجتمع بدا لعقود طويلة خال ولو بالظاهر من تلك الظاهرة!.
من كان يتوقع مثلا أن يصبح البوط العسكري رمزا للبعض!؟، ليس فقط !، بل ووضعوا له نصب على مداخل المدن!، كان هناك شخصيات يعتبرها البعض رموزا وفجأة تم استبدالها بالبوط العسكري!!، من كان يتوقع أن يسرق السوري أخاه السوري ويستحل عرضه ودمه!؟ ماذا حصل للمجتمع وكيف يمكن فهم تلك الظواهر أساسا؟ ناهيك عن مبرراتها؟
سأفترض أن الرئيس السوري كان سنيا!، والشعب انتفض عليه كما حصل في سوريا في 2011 هل كان ليحصل ماحصل؟ هل كانت لتظهر تلك النزوات الحيوانية عند مناصريه؟
سأترك الإجابة لكم.. لكن السؤال المنطقي والذي يفرض نفسه بقوة يتلخص بالتالي:
لماذا اختارت الأقليات هذا الطريق وهذا الأسلوب؟ هنا لا أتحدث فقط عن العلويين!، لا يخفى على أحد أن 90% من المسيحيين مع الأسد وكذلك الدروز وباقي الأقليات الدينية.

ألم يفكر من يعتقدون أنفسهم أوصياء على تلك الأقليات وحماتها أن أعتى وأدق أنواع الذاكرة هي ذاكرة الشعوب!؟، كيف لهم أن يفكروا بالمستقبل حتى لو بقي الأسد رئيسا لعشرات السنين؟ سأفترض أن شعبنا بمجمله واع ومنزه عن غريزة الانتقام العشوائي وأنه سيكتفي فقط بمعاقبة المجرمين مهما كانت طوائفهم وفقط على الجرائم المرتكبة والتي يثبت بالدليل القاطع هوية مرتكبيها، كم شخص من تلك الأقليات سيقع تحت عدالة القانون؟ كم نسبتهم بالنسبة لعدد أفراد تلك الطوائف نفسها؟ والأهم كم سيبقى من الشباب في تلك الأقليات نفسها بعد أن أفنى الأسد معظمهم في حروبه المجرمة ضد شعبه؟.

سأعود إلى المقارنة بين القرداحي والبغدادي لأسأل سؤالا غير بريء!
إلى أي حد أكون مخطئا إن وضعت تصرفات البغدادي الهمجية والبربرية في الإطار الآتي: كل تصرفات وإجرام البغدادي كان مدروسا ومخططا له ليظهر التطرف السني بأبشع صوره وبذلك يغطي كليا أو جزئيا على جرائم القرداحي!؟ ليظهر القرداحي أنه مجرد رئيس يحارب مجموعات همجية رعناء خالية من أية مزايا إنسانية!، هل يختلف معي أحد أن القرداحي نجح جزئيا في تعميم وتعويم تلك الفكرة خاصة لدى قسم من المجتمع الدولي (بالأخص من يناصره أساسا) والذي ينتفض لمجرد ذكر كلمة الإرهاب!؟.

بالمقابل علينا ألا ننسى وكسوريين خاصة أن جرائم القرداحي كانت ضد السنة من مؤيدي الثورة وجرائم البغدادي المروعة كانت أيضا ضدهم بالقدر الأكبر!، طبعا القرداحي سمح للبغدادي بارتكاب جرائم بحق مؤيديه في مرحلة سابقة لكنها لاشيء مقارنة بجرائمه ضد السنة!.

حلم القرداحي الأجمل أن يسيطر البغدادي على كل المناطق المحررة في سوريا، ذلك يعطيه ورقة هي عمليا انتصار له، لأن حربه على البغدادي مقبولة ومرحب بها عالميا وإقليميا، بينما حربه على الثوار أمر مغاير كليا.

علينا أخيرا أن نتذكر جيدا راية البغدادي!، الرمزية لها مدلولاتها وخاصة لدى الغرب!، كثيرة هي الفصائل الإسلامية التي ترفع نفس الراية والتي يسعى القرداحي إلى إظهارها أمام العالم كحركات شبية بداعش وللأسف الشديد تلك الحركات تساعد القرداحي في مهمته عبر تطرفها في أحيانا كثيرة....وطبعا الحديث ليس عن "النصرة" التي هي "داعش" احتياط ليس إلا.

الدكتور ناصر النقري
(137)    هل أعجبتك المقالة (139)

مواطن مسيحي معارض

2014-10-07

تحية طيبة للكاتب سأعلق فقط على جزء من المقال أثار حفيظتي..دعني أتفق معك بداية أن ٩٠ من المسيحيين هم مع نظام الأسد و من المؤكد أن هذه النسبة سترتفع إلى ٩٩ لدى طائفتكم العلوية..مع الفرق أن تأييد العلويين هو تأييد فكري و مذهبي عنفي مرتبط بالقتل و الدم وحتى نساؤكم حملن السلاح ووقفن على الحواجز..وكل ذلك دفاعاً عن مصالح وامتيازات لم يحلم بها حتى اليهود في أمريكا.. أما المسيحيين فتأييدهم فكري فقط هم لم يكونوا يوماً من المنتفعين أوأصحاب المناصب و ليس حباً بالنظام كما هو حالكم ولكنهم لم يجدوا بديلاً مشجعاً..أو معارضة ذات قيادة موحدة و هدف واضح..ما يرنه و أنا أختلف معهم أن ما يحصل هو حرب مذهبية لا دخل لهم بها لذلك فضلوا البقاء مع الوحش الذي عرفوه على وحش سيتعرفوا عليه خصوصاً أن معظم التشكيلات لاتخف رغبتها إقامة دولة إسلامية أو في أحسن الأحوال دولة مدنية دستورها مستمد من الشرع مما يجعل المواطن المسيحي درجة ثانية في أي خلاف قضائي مع مواطن مسلم..يبقى الفرق أن المسيحيين أيدوا النظام فكرياً و لم يرتكبوا جرائم أو يوغلوا في الدم السوري كما فعلتم ومواقفهم تنطلق من الحرية الفكرية أو الديمقراطية في التأييد السلمي لجهة دون أخرى..لذا لا يفترض الخوف على مستقبلهم إن أقيمت دلة ديقراطية في سوريا لا تحاسب على الأفكار بل على الأفعال..ربما أنتم من عليه التفكير ملياَ بمستقبله.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي