أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الأجانب في سوريا من نصرة المظلوم إلى حلم الخلافة

لم يتوقف توافد الأجانب إلى سوريا منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة السورية، فقد بدأ توافدهم أولاً كإعلاميين، ثم تدرّج الأمر بين مساهمين في أعمال الإغاثة والمساعدات الإنسانية والطبية، ولاحقاً كمقاتلين في صفوف الجيش الحر والتنظيمات الجهادية.

بدأ توافد الصحفيين والإعلاميين الأجانب بشكل ملحوظ في الشهر الثاني من الثورة السورية، فمع منع النظام للتغطية الإعلامية من قبل القنوات المستقلة، والتي لا تؤيد سياسته بشكل مطلق، دخل العديد من الصحفيين بطريقة غير شرعية عبر طرق التهريب، وتسللوا إلى المناطق الثائرة، خصوصاً حمص ودرعا في الفترة الأولى، وكان هؤلاء حينها يلقون ترحاباً كبيراً من المتظاهرين والحاضنة الشعبية المؤيدة للثورة.

استغل النظام هذا الأمر وعمل على زرع العملاء بصفة صحفيين أو إعلاميين أجانب، ونجح من خلال هذا الأمر بالقبض على العديد من رموز النضال السلمي. 

ومع بداية العام 2012 بدأت الثقة تضعف بالإعلاميين الأجانب بشكل عام بعد تكرار قصف الأماكن التي يقوم بعضهم بزيارتها أو حتى القبض على من يساعدهم. 

وساءت سمعتهم شيئاً فشيئاً ليتحول كل صحفي أجنبي إلى (جاسوس) بنظر السوريين في بداية العام 2013، وبات من الصعب على أي صحفي التجول في أي منطقة من مناطق سوريا، فهو بنظر النظام متسلل بطريقة غير شرعية يسعى لجمع معلومات و"فبركة" صور، وبنظر الثوار جاسوس أجنبي أو عميل استخباراتي يقوم بجمع المعلومات لضرب الثوار ومعرفة نقاط ضعفهم. وقد استغل الكثير من المرتزقة المحسوبين على الثوار هذا الأمر وباتوا يجدون في الصحفي الأجنبي كنزاً للمساومة عليه وجني الأموال في حال خطفه، والحالات التي جرى فيها خطف أمثال هؤلاء وإطلاق سراحهم مقابل فدية مالية كثيرة ومتعددة.

يستطيع الصحفيون الأجانب حالياً التجول في المناطق المحررة التي يسيطر عليها الجيش الحر تحديداً، وذلك من خلال أخذ الموافقة من أحد التشكيلات العسكرية الكبرى التي تقوم بتأمين المرافقة المسلحة والحماية اللازمة من اللصوص وقطاع الطرق، أما النزول بشكل فردي فهو نوع من الانتحار بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. أما في مناطق النظام فدخول الصحفيين بدون إذن رسمي أمر مستحيل، فالاعتقال أو الاختفاء هو المصير الأكيد لكل صحفي يتبع لقناة أو وسيلة إعلامية غير موالية لنظام الأسد. وفي مناطق سيطرة "الدولة الإسلامية"، فلم يسبق أن دخلها صحفي أو إعلامي وخرج منها سالماً، إلا فيما ندر، فالاعتقال والاختفاء أيضاً مصير الإعلامي حتى ولو كان سورياً.

ومع تصاعد الحملة العسكرية من قبل نظام الأسد ولجوء الثوار السوريين لحمل السلاح، بدأ المقاتلون الأجانب بالتوافد إلى سوريا، وقد كانت الوتيرة بطيئة في بدايات العام 2012، وشهدت ارتفاعاً ملحوظاً نهاية العام نفسه وخصوصاً بعد تحرير عدد من المعابر الحدودية، وشهدت سوريا أعلى نسبة لتوافد المقاتلين الأجانب في منتصف عام 2013، وخصوصاً بعد سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على مدينة الرقة وإعلانها إمارة إسلامية.

كانت أسباب توافد هؤلاء عديدة، منها التعاطف الكبير مع مأساة الشعب السوري الذي بقي يذبح فترة طويلة بالرغم من سلمية حراكه، والمجازر والمذابح المتكررة، ومن ثم الطابع الطائفي الذي عمل النظام على تأجيجه من خلال استجلاب التدخل الأجنبي منذ اليوم الأول للثورة ضده، فالمقاتلون الإيرانيون واللبنانيون والعراقيون بدؤوا بمؤازرة النظام قبل أن يبدأ سيل المجاهدين بمؤازرة الثوار، ونجح النظام من خلال ذلك بإعطاء الطابع الطائفي لما يجري في سوريا.

انضم المقاتلون الأجانب بداية إلى صفوف الجيش الحر، لكنهم غادروه في مرحلة لاحقة للالتحاق بالتنظيمات الجهادية كجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية، ويضم تنظيم الدولة حالياً النسبة الأكبر منهم.

يمثّل الليبيون والتونسيون والمغاربة النسبة الأكبر من المقاتلين الأجانب الموجودون في صفوف التنظيمات الجهادية، عدا عن العراقيين المتواجدين بحكم إلغاء الحدود بين سوريا والعراق -حسب تنظيم الدولة- وسهولة التنقل بين البلدين، ويتواجد أعداد أقل قليلاً من الخليجيين والمصريين والأردنيين والشيشانيين، والعشرات من الأفارقة، أما الأوربيون والأمريكيون فنسبتهم قليلة مقارنة بالبقية، وقد جاء الكثيرون منهم وغادروا بعد شهور معدودة عائدين إلى بلدانهم الأصلية.

تشير آخر التقارير الأمريكية إلى أن عدد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية يتراوح ما بين 20000 إلى 31000 مقاتل، حوالي نصفهم من الأجانب (10000 إلى 15000)، وهم موزعون ما بين سوريا والعراق، ولا يوجد تعداد دقيق للأجانب في سوريا تحديداً، لكن التقديرات تشير إلى أن عددهم لا يتجاوز الخمسة آلاف، وأغلبية عناصر التنظيم في سوريا من السوريين. وهناك أمر يجعل معرفة الأرقام المتواجدة صعباً، وهو كثرة القتلى في صفوفهم دون الإعلان عن مقتلهم، فمثلاً في معركة (عائشة أم المؤمنين) التي جرت في الساحل السوري نهاية عام 2013 قتل ما يزيد عن مئتي عنصر من تنظيم الدولة دون أن تعلن عن أسمائهم، وما صرحوا به حينها لم يتجاوز 10 قتلى فقط.

وصول هؤلاء الأجانب إلى مراكز القيادة والإمارة والقضاء (خصوصاً في تنظيم الدولة) يعطي انطباعاً عن أن أعدادهم كبيرة، فوصول السوري إلى مركز قيادي أمر نادر، وإن وجد فيكون موقعه على جبهات القتال وليس في مركز القرار، فمن الصعب مثلاً وجود أمير سوري في مدينة الرقة المركز الرئيسي للدولة الإسلامية في سوريا.

غالباً ما كان وجود الأجانب أمراً سلبياً، فقد تحولوا من القدوم لنصرة الشعب السوري ومساعدته في رفع الظلم إلى تحقيق أحلامهم الامبراطورية وإقامة (دولة الخلافة في أرض الشام)، وباتوا مكروهين في صفوف الشعب السوري ولا يمتلكون أي حاضنة شعبية، وقد شن الجيش الحر حرباً ضدهم في الشمال السوري مطلع العام 2014، وتدور بينهما معارك عنيفة حتى الآن وعلى جبهات عديدة، وخصوصاً في ريف حلب.

ورغم سوداوية المشهد، إلا أنه لا يخلو من بعض النقاط الإيجابية، فقد ساهم بعض الأجانب بالمساعدة الحقيقية وكانت لهم أياد بيضاء فعلاً، وعلى سبيل المثال، أذكر شخصاً يدعى (أبو بكر الفنلندي) وهو رجل أوربي في الأربعينيات من العمر، أتى إلى سوريا وقام بتأمين سيارة إسعاف، وكان مقيماً في ريف دير الزور ويقدم خدمات طبية ويعالج الجرحى جميعاً دون استثناء ومن جميع التشكيلات، وساهم بمد يد العون لكل من يطلب مساعدته. بقي نشاطه مدة طويلة إلى أن تم اعتقاله مؤخراً من قبل تنظيم "الدولة"، وبقي معتقلاً في سجونهم لأكثر من شهر، خرج بعدها من المعتقل وغادر سوريا لتنقطع أخباره بشكل كامل.

الجدير بالذكر أن جيش الإسلام بقيادة زهران علوش كان قد افتتح (مركز تجنيد المهاجرين) بغرض تنظيم أمور المهاجرين القادمين لمساعدة الشعب السوري في معركته ضد نظام الأسد، لكن التجربة حققت نجاحاً محدوداً ولم تساهم باستقطاب الكثير منهم.

فاضل الحمصي
(138)    هل أعجبتك المقالة (143)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي