يواجه رئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر عبادي إرثا ثقيلا من المصاعب خلفتها ثماني سنوات من حكم زميله في حزب الدعوة ورئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي.
ويتوقع "تقدير موقف" لمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن تكون المهمّة الأساسية لحكومة العبادي، بناءً على ذلك، أبعد مدى، وأوسع من مواجهة حزمة المشكلات البنيوية المعقَّدة والمتراكمة التي تعانيها الدولة العراقية ما بعد عام 2003، من فشل في الوفاء بالخدمات الأساسية، وفساد، وتغوّل السلطة التنفيذية، واقتصاد ريعي يكرِّس تبعية المجتمع للدولة، وانغلاق المسار الديمقراطي، مع تعثُّر المؤسسات السياسية وارتباك العلاقة بينها، وترهُّل القطاع العامّ، وتأخُّر إقرار الإطار التشريعي المكمل لبنية الدولة الضامن لطبيعة العلاقة بين المؤسسات السياسية ولحقوق المواطنة الأساسية.
ويرى تقدير الموقف أنّ المهمة الأساسية والخاصة بالنسبة إلى هذه الحكومة هي صيانة الوحدة الوطنية العراقية، معتبرا أن في سقوط الموصل بيد "الدولة الإسلامية" دلالةً رمزيةً كبرى على انهيار الدولة وتفكُّك البلاد التي افتقرت على الدوام إلى سياسات جامعة تؤمن بأنّ النظام السياسي ينبغي أن يؤمِّن للجميع مشاركةً مرنةً وفاعلةً، بدلًا من التنافس التناحري الذي اتخذ طابعًا هويَّاتيًّا يشكِّل خطرًا وجوديًّا على الدولة.
ويوضح أن أمام حكومة العبادي مهمتين رئيستين متداخلتين، الأولى إطلاق مسار إصلاح جذريٍّ طويل المدى لمعالجة أزمات النظام السياسي الذي نشأ بعد الغزو الأميركي عام 2003، وأوصلت هذا النظام إلى حافة الانهيار؛ لأنه قائم على تمثيل الهويات المكوِّنة للبلاد وتحاصصها في السلطة، وليس نظامَ "دولة –أمة" يؤمن بشراكة متكافئة للمكونات العراقية في مؤسسات السلطة.
وقد أطلقت هذه الاختلالات في النظام السياسي العنان للقوى المتطرفة داخل كلّ مكوِّن، ومكَّنتها من احتلال مساحات واسعة تتحرك فيها على خطوط الانقسام المجتمعي والسياسي.
وفي هذا السياق تضمَّن البرنامج الحكومي الذي أعلنه العبادي أمام مجلس النواب يوم نيْل حكومته الثقة في الثامن من أيلول/ سبتمبر 2014، وقبله "وثيقة الاتفاق السياسي" بين القوى الرئيسة، مفاصلَ أساسيةً في هذا المسار الإصلاحي. لكنّ التشكيلة الحكومية التي أُعلنت لا تستطيع أن تفيَ بمتطلبات هذا الإصلاح السياسي، ولا سيما أنها استندت إلى الأطراف نفسها التي سيطرت على المشهد السياسي في الأعوام الأحد عشر التي تلَت سقوط نظام صدام حسين، الشيعية منها والسنِّية. وتعيش هذه الأطراف السنِّية، على وجه الخصوص، أزمةً عميقةً في علاقتها بمجتمعها.
ولكنّ الإصلاح لا يقف عند حدود التشكيلة الحكومية أو معالجة أزمة التمثيل السنِّي، من خلال إعادة تعريف النخبة السنِّية القائمة وتأهيلها، أو إطلاق مرحلة انتقالية لصناعة نخبة سنِّية بديلة، بل إنه يشمل كذلك إعادة هيكلة النظام السياسي، من خلال إعادة صَوْغ العلاقة بين مكوناته المجتمعية، ومؤسساته السياسية وسلطاته، والمركز من جهة، والإقليم والمحافظات من جهة أخرى، وتحديد صيغ الشراكة في إدارة المؤسسات الأمنية والعسكرية الرسمية، وإدارة الثروة.
أما المهمة الثانية فهي مساهمة حكومة العبادي من خلال سلوكها وسياساتها، في مواجهة "الدولة"، ويشكِّل المسار الإصلاحي المشار إليه آنفا، العتبةَ الأساسيةَ في هذه المواجهة؛ لِما له من دور في تفكيك الحواضن التي آمنت في لحظة ما بأنّ "الدولة الإسلامية" هي الأداة الوحيدة الممكنة للتخلص من تسلط الحكومة المركزية.
"الدولة"، التي كانت القشة التي قسمت ظهر المالكي وأزاحته عن المشهد، نمَت في فضاء النقمة المتصاعدة من أزمة تشكيل حكومته الثانية عام 2010. ولذلك، يكون العنصر الأكثر جوهريةً وضروريةً في مواجهة "الدولة" هو معالجة هذه النقمة وامتصاصها؛ لسلْبها قدرتها على الحياة.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية