أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"نحنا ما نحتاج النيتو..نحنا نجيبوا من نص بيتو".. عدنان عبدالرزاق

وعند كل مفترق، تطفو الخلافات بين المعارضين والثوار، للحد الذي يتعدى وجهات النظر، ويصرف الاهتمام عن الهدف والعدو، ويصل درجة إفساد الود والقضايا، فمن 15 و18 آذار والنزعة المناطقية حول شرارة الثورة مروراً بتأييد المهاجرين وإسلامهم المستورد وصولاً لحرب "التحالف" على الدولة الإسلامية "داعش". تعرى السوريين وتجلت التباينات في الرأي والرؤيا، بعد نحو أربع سنوات من الحرب، ما ينذر باستحالة التعايش المستقلبي، في بلد بات معظمه رؤؤس كما الثوم.

فالشعب الذي قاس ثورته وفق الأنموذج التونسي أو المصري، قالها بداية "نحنا ما نحتاج النيتو"، لكن هذا الشعب نفسه، ولما وجد أن قضيته تدوّلت، ودخلت أطراف وتدخلت أخرى، طلب بإحدى جمعه بالتدخل الدولي.

أي بداية، يمكن المحاسبة وفق مبدأ "من فيك أدينك" ولكلا التيارين المتنازعين اليوم، حول التدخل الخارجي في شؤون الثورة، أو السيادة الوطنية، كما يحلو للنظام الآثم التشدق والادعاء.
ثمة نقطة نظام هنا، من الضرورة الوقوف عندها وعليها، وهي أن من دعا للتدخل بداية، إنما جاءت استغاثته لضرب جيش الأسد والميلشيات المساندة، لا لضرب فصيل يحسب، أو حُسب يوماً على السوريين وثورتهم.

بيد أن هذه المعايير التي يروق للسوريين القياس عليها، قد تفيد في جلساتهم الخاصة أو تندرج وفق أمانيهم إن لم نقل أوهامهم، لأنه وببالغ البساطة، لا تتحرك الدول وتزهق المليارات كرمى لهدفك، اللهم إلا إن تطابق مع مصالحها، بل وكانت أولاً.

بداية القول: سمح الثوار أو المعارضة أو الساسة أو بإيعاز من الممولين أو المخططين، سموهم ما شئتم، للغرباء بدخول سوريا والتدخل بثورتهم، وركنوا منشقي جيشهم وشبابهم على دكات الانتظار، على الحدود أو في المخيمات، بل والذي نجا من منشقي الجيش من التشكيك والتخوين، لحقه نصيب من الإذلال، وصل حدود التجويع والنوم في شوارع الدول المجاورة.

وظن المرحبون بالمهاجرين، أو سولت لهم أنفسهم، أن طوق النجاة يمكن أن يتأتى عبر آلاف ممن يأتون عزلا، إلا من قناعات وخطط وأيديولوجيات، أرهقت السوريين وحرفت ثورتهم وحيواتهم، بعد أن ذاب الثلج.

بل وأعطوا ذريعة من ذهب، لكم انتظرتها عصابة الأسد، لتقايض بهؤلاء المهاجرين العزل، جيوشاً مسلحة ومؤهلة ومنظمة من لبنان والعراق وسواهما، وتنجو من مصيدة العقوبات ومحاججة التاريخ إن فتح الملفات يوماً ليوثق من دمر سوريا. 

قصارى القول: ملك المهاجرون بعض سوريا وتملكوها، وأعلنوا عن أهداف، أقل ما يقال عنها إنها خارج مطالب الثوار السوريين، الذين خرجوا للحرية والكرامة والعدالة في منح الفرص، وتحولت قضيتهم من انتفاضة شعب مضطهد إلى هدف دولي اجتمع على تحقيقه العرب والعجم ومعظم آل البيت.

وبات النواح والتوصيف والتشكي، وخاصة بعد قرار مجلس الأمن، ضرباً من المراهقة السياسية واستعطاف من لا تدخل العواطف معجمه يوماً، وتتالت الانقسامات بين السوريين حتى خرجوا على ما خرجوا عليه ومن أجله، واختصروا قضيتهم بقيادة الطيارة الإماراتية طائراتها دونما محرَم.

نهاية القول: الحق كل الحق مع السوريين وإلى جانب احتجاجهم، اللهم إن اقتصر على ضرب أسباب الإرهاب وصناعه، ضرب النظام الذي عسكر الثورة وجرّى أول دم، النظام الذي أفرج عن الإرهابيين مطلع الثورة ليغيّر -بخبث– من معالمها، النظام الذي ترك الحدود في ذروة قوته وسيطرته، النظام الذي دوّل الثورة بعد أسلمتها ليبرر القتل ويفقدها روحها.

فهذا ما يجب الاشتغال عليه وبتنظيم ومؤسسية، فأن يتحد السوريون على رأي التظاهر للمطالبة بضرب رأس الأفعى وصانع التطرف، فهذا ما لا يمكن للتحالف تجاهله، إن ترافق مع إعلام احترافي يوصل حقيقة الصراع وأسبابه للرأي العام الدولي ودافعي الضرائب وممولي الحرب في بلدان التحالف، وقتها، يمكن أن يحقق الاحتجاج بداية الأمل، وكل ما عدا ذلك، يندرج في أحسن الأحوال وألطف الألفاظ، ضمن خانة الاستعراض وتعميق الخلاف وقتل ما تبقى من أمل.

ووقتها، يقدم السوريون دليلاً، لأطفال المخيمات والنساء المشردات على الأقل، أنهم بدؤوا بتعلم السياسة، تلك المبنية على تبادل المصالح وغير المعترفة بعلو الصوت.

أما كيف وهل مازال في الوقت بقية فيمكنني القول إن الوقت في بدايته، إذ يسعى الغرب وواشنطن ومن لف لفهم من العربان، لتكبير فاتورة الحرب وتطويل عمرها، لعلّ في ذلك استقرارا أو تقاربا، على خارطة قد يدفع أهل المنطقة ثمن رسم حدودها إلى يوم يبعثون...وعن الكيف فذاك حديث طويل ويطول، لكن الأهم ألا يتم الاعتماد خلاله على التمثيلات السياسية للثورة، من ائتلاف أو حتى تكتلات وأحزاب، فمن يموّل هؤلاء دخل ضمن لعبة إحراق سوريا..وليس لتلك التمثيلات الاعتراض أو معارضة رأي أولياء نعمائها.

من كتاب "زمان الوصل"
(191)    هل أعجبتك المقالة (203)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي