بلغ عدد السوريين الذين بُترت أطرافهم منذ 2011 بحسب إحصائيات طبية أكثر من 25 ألفاً بسبب القنابل العنقودية والألغام والصواريخ والقذائف. وغالباً ما يواجه مبتورو الأطراف مشكلة في تركيب أطراف صناعية تمكّنهم من التأقلم مع إعاقاتهم، إضافة إلى الآثار السلبية التي يخلفها البتر على نفسياتهم وسلوكهم اليومي. ويشير الأطباء إلى أن ثمن الأطراف الاصطناعية مكلف، وخاصة الأنواع الجيدة منها كـ (الأطراف الذكية) التي تكلّف عادة ما بين 20-60 ألف دولار للطرف الواحد، وهي صعبة المنال ويندر أن نجد جهة إغاثية أومنظمة إنسانية تغطي تكاليفها، ولذلك يلجأ بعض المصابين إلى تركيب أطراف أرخص من دون رُكب أو مفاصل متحركة، وبعضهم يقوم بتصميم طرف صناعي بشكل ذاتي كما في حالة اللاجىء الأربعيني "مفيد الغباري" من مدينة "الحراك" بدرعا الذي أصيب أثر انفجار لغم أرضي زرعته قوات النظام أثناء عمله كمتطوع على رافعة لتصليح أعمدة الكهرباء التي دمّرتها قوات نظام الأسد.
وحول قصة إصابته قال لـ "زمان الوصل": في آخر اقتحام وهو الخامس لمدينة "الحراك" من قبل قوات نظام الأسد تم تدمير الحجر والبشر والبنية التحية على كافة الأصعدة، ومن ضمنها الكهرباء حيث تم تدمير 180 عاموداً كهربائياً، وهي كل ما هو موجود من أعمدة الكهرباء في الحراك تقريباً، وأثناء عملي كمتطوع في قيادة رافعة لإصلاح هذه الأعمدة ولدى مروري من جانب أحد الحواجز انفجر فيّ لغم قاموا بزرعه لمنع تسلل الثوار إليهم، ما أدى تدمير الرافعة تماماً وأصبت إصابة بالغة في قدمي اليمنى.
ويضيف الغباري: عندما تم إسعافي إلى (مشفى الحراك الوطني) قرر الأطباء هناك بتر قدمي، ولم تكن عندهم إمكانية للبتر فتم إسعافي إلى الأردن حيث بترت قدمي في (مشفى السلام) بإربد.
مضى عامان على معالجة بتر الغباري الذي كان من تحت الركبة -كما يوضح- ولأن هذا البتر لم ينجح اضطر الأطباء لإجراء بتر آخر له منذ 20 يوماً، ونظراً لحاجته لطرف صناعي لقدمه وعدم مساعدته من قبل المنظمات الإنسانية والجهات الإغاثية قام "الغباري" بحكم عمله السابق في الحدادة بتفصيل طرف صناعي من (الستالس) بحزامات ولكن دون تلبيس، ونشر صورته على موقع "فيسبوك"، وفي اليوم التالي اتصلت به (منظمة الهندي كاب) المتخصصة بتركيب الأطراف الصناعية للاجئين السوريين لرؤية الطرف الذي صمّمه، وعندما جاؤوا إليه طلبوا منه الذهاب إلى عمان في اليوم التالي لتركيب طرف صناعي جديد.
أما "باسل التلاوي" الذي يعيش في مخيم (مابك) للاجئين السوريين في تركيا (ملاطيا) منذ أكثر من عام، فتم تركيب طرفين لقدميه ولكنهما غير مريحين للمشي لانهما (رُكّبا من فوق الركبتين)، كما قال لـ"زمان الوصل".
وتابع: راجعت الأطباء الأتراك الذين قاموا بتركيب الأطراف لي فقالوا لي "هدول الأطراف هيك وهاي قدرتنا"، وأن ما يسمى بالأطراف الذكية لا يركبونها عادة إلا للرياضيين.
ولكن باسل استطاع التغلب على معاناته مع طرفيه الصناعيين وهو يعمل اليوم في أحد المخابز بتركيا ليعيل أسرته الصغيرة في ظل شح المساعدات التي تقدمها المنظمات والجهات الإغاثية للاجئين السوريين هناك.
أطراف ثقيلة !
"أم عبد العزيز حسون" لاجئة سورية فقدت زوجها وابنيها أثناء محاولتهم الهروب من شبح الموت، وفي (لبنان) تم تركيب طرفين صناعيين لها غير أنهما لم يكونا مريحين بسبب نوعيتهما الرخيصة، وشرحت معاناتها مع هذين الطرفين قائلة: منذ عام تقريباً قامت (جمعية الإرشاد والإصلاح) التي تعمل بالتعاون مع إحدى الجمعيات القطرية الخيرية بتركيب طرفين صناعيين لقدميّ اكتشفت فيما بعد أن نوعيتهما رخيصة.
وتضيف: "حاولت التأقلم معهما وبقيت في المركز فترة ثمانية أشهر للعلاج الفيزيائي، ولكن هذه الأطراف كانت ثقيلة عليّ وكنت أمشي عليها بصعوبة".
وتضيف: الآن لدي مشكلة في (الكلسات) التي تمزّقت رغم أنها مكفولة لثلاث سنوات كما قالوا لي أثناء تركيب الأطراف، وعندما اتصلت بالجمعية التي قامت بتركيبها قالوا إن (الكلسات) ليست مكفولة وأن ثمن الجديد منها 2400 دولار ومدة صلاحيتها سنة فقط، وهناك نوعية أفضل وذات صلاحية أطول ولكنها ثمنها 10 آلاف دولار.
وتردف "أم عبد العزيز"وهي تنقل معاناتها مع طرفيها السفليين: "كنت في بداية تركيبهما معتادة على الذهاب إلى الحمام بمفردي والجلوس على (البلكون) دون مساعدة أحد، أما الآن فأشعر بألم وتخدير (تنميل) فيهما وخاصة أثناء الليل، وحينما أجلس على الكرسي المتحرك".
يلجأ الكثير من أطباء المشافي الميدانية والخاصة التي تعمل بعيداً عن أنظار النظام إلى بتر الأطراف كأسهل حل نتيجة اهتراء وتمزّق اللحم لدى الكثير من المصابين وتطاير وتفتت العظم، كما يقول الناشط "نضال العكيدي".
ويضيف: إن القصف بالهاون والمدفعية المتفجرة غالباً ما يؤدي إلى تشظّي الأعضاء البشرية وتطايرها، ما يصعب جمعها وتركيبها في حينها بسبب التأخر في إسعافها إلى مراكز ومستشفيات مجهّزة أحياناً كثيرة، ويؤكد "العقيدي" أن أكثر من عشرين حالة بتر جراء زرع ألغام أرضية في معركة (أم شرشوح) وحدها كان التأخر في إسعافها هو السبب في اللجوء إلى البتر.
الانتظار الطويل يؤدي إلى ضمور العضلات !
يتطلب تركيب الطرف في الظروف العادية ثلاثة أو أربعة أشهر بعد حادثة البتر حتى يأخذ الطرف المبتور شكله النهائي فالتركيب المبكر جداً –كما يقول الدكتور "محمد ياسر الطباع"- قد يؤدي إلى توسع في قياس الطرف الصناعي فيصبح غير مريح و غير عملي.
ويضيف: إن هناك أطرافاً مبتورة تحتاج إلى عمل جراحي جديد لتهيئة الطرف، وإعادة تشكيله ولذلك يجب على المريض زيارة طبيب جراحة عظمية ليفحص له الطرف.
وينصح الدكتور"الطباع" الجرحى السوريين الذين يحتاجون أطرافاً صناعية بأن يركّبوا أول طرف صناعي يستطيعون الحصول عليه ولا ينتظروا جهات دولية لتركب لهم آملين الحصول على أطراف أفضل، وتركيب الأطراف في الوقت المناسب الذي يقرره الطبيب يساعد على تمرين وتقوية العضلات والانتظار الطويل يؤدي إلى ضمورها.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية