أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تلبيسة" تَقْنع بالخبز اليابس ومؤسسات المعارضة تزودها بجعجعة بلا طحين!

رئيس لجنة الخبز: نظام الأسد ساومنا بين الخبز ومعركة "أم شرشوح"

لم يفاجئنا مندوب المجلس المحلي والمشفى الميداني في "تلبيسة" عبد الرزاق أبو محمود عندما أخبرنا ردا على استفسار عن جديد أزمة الرغيف المفقود منذ نحو أسبوعين، عندما قال إن الجديد أزمة فقدان الدواء في أسوأ ظروف تعيشها البلدة التي تشهد الثورة السورية بنشاطها منذ انطلاقتها في آذار/ مارس/2011.

ورغم أن موضوعنا يناقش معضلة فقدان الخبز، لكن لا يمكن تجاهل الحملة العسكرية الشرسة التي تتعرض لها تلبيسة (6كم شمال حمص) منذ مايزيد عن أسبوع، الأمر الذي فاقم المأساة نتيجة قيود إضافية على حركة الناس تحت قصف أسفر عن استشهاد نحو 80 شخصا وجرح أكثر من 200 معظمهم مدنيون، خلال 5 أيام، حسب مصدر طبي من المشفى الميداني الذي يعاني نقصا في الدواء ومستلزمات العلاج نتيجة كثافة الإصابات الخطيرة.

وتقول مصادر من داخل "تلبيسة" إن أزمة فقدان الرغيف تستحكم بالبلدة وما حولها في ريف حمص الشمالي منذ نحو شهر، حيث وصلت معاناة نحو 70 ألف شخص إلى أن يناشدوا العالم لتأمين الخبز اليابس بعد مللهم نداءات استغاثة لم تجد لها صدى لدى مؤسسات المعارضة ائتلافا وحكومة مؤقتة، سوى الوعود والردود من خلال اجتماعات وقرارات مازالت حبرا على ورق.

*أزمة مركبة 
لم تفلح مناشدات أهالي تلبيسة على وسائل الاتصال والتواصل لكي يتلمّس مسؤولو المعارضة جوعهم ووجعهم، فجاء وفد من البلدة إلى مقرّي الائتلاف والحكومة المؤقتة، متجشّما عناء طريق مزروع بأخطار حواجز النظام ومواليه، أملا بحلول إسعافية لأن الحل الدائم –كما يبدو- بعيد المنال.

يتبادل كل من الشيخين ناصر ورجوب القادمين لتوّهما من "تلبيسة" شرح الأزمة في حديث مع "زمان الوصل"، ويكشفان أن المجلس المحلي قدم مشروعا لتأمين مطحنة وافقت الحكومة المؤقتة عليه لكنها لم تصرف شيئا له، فكان الحل الإسعافي بتأمين 48 ألف دولار من وحدة تنسيق الدعم، وبعد تشكيل لجنة من قبل مجلس المحافظة لشراء مطحنة تعمل في منطقة قريبة من تلبيسة، اصطدمت بفارق سعر المطحنة الذي استقر عند 65 ألف دولار، غير مولدة الكهرباء التي يبلغ سعرها 9 آلاف دولار، وبقيت مسألة شراء المطحنة معلقة دون التوصل إلى اتفاق حاسم.

ويشرح الشيخان تعقيدات الأزمة التي لا تقتصر على تأمين المطحنة والطحين، كاشفين عن تشابكات متعلقة بها كتأمين القمح، حيث تم تأمين 150 طنا لا تكفي بعد طحنها سوى لخمسة أيام في "تلبيسة" وريفها التي تحتاج ما بين 17-20 طنا من الطحين في الخبزة الواحدة، تتراوح كلفتها بين 7-8 آلاف دولار، أما إذا أرادوا أن يشملوا باقي المناطق المحاصرة في حمص فإن كمية القمح لا تكفي يوما واحدا.
ويتبع لبلدة "تلبيسة" بلدات وقرى الغنطو، الفرحانية الغربية والشرقية، والمكرمية والسعن، والسبيل.
وتصل شظايا أزمة الخبز لتطول مواد أخرى من لوازم صنع الرغيف لاسيما الماء والمازوت والخميرة وحتى الملح الذي صار تأمينه همّا، إذ وصل الكيلو إلى 150 ليرة سورية.

وما زاد الطين بلّة حسب الشيخين الجفاف الذي انحدر بالموسم الزراعي بنسبة 80% عن موسم العام الماضي.

فأهل البلدة الواقعة على جبهة حرب مع النظام طولها 42 كم، يعملون بالزراعة، غير أن 50 % من الأراضي يستحيل الوصول إليها بسبب وقوعها ضمن مدى نيران النظام.

وتعمّقت الأزمة مع ندرة الأمطار التي أدت إلى جفاف 90% من الآبار بالتزامن مع إفراغ النظام المياه من ساقية الري منذ بداية الثورة، الأمر الذي خلق أزمة مياه أيضا!

يقول الشيخان إن الناس تشتري مياه الشرب من الصهاريج، بسعر 700 ليرة (نحو 3،5 دولار) لخزان سعته 5 براميل ماء، لايكفي عائلة متوسطة العدد أكثر من يوم واحد.
ورغم وجود مضخات على شبكة المياه في خط (ساليكو) الذاهب إلى حماه، لكن انعدام المازوت يمنع تشغيلها، وللمازوت حكاية أخرى تزيد وضع المنطقة صعوبة.

فتأمين المازوت مغامرة يقدم عليها شبان من البلدة مخاطرين بحياتهم عن طريق حمل غالونات على دراجات نارية من مناطق سيطرة النظام، وإن توفرت فإن الكميات قليلة وذات سعر مرتفع، يتراوح بين 225 -300ليرة، والأمر ينسحب على البنزين، بينما تجاوزت اسطوانة الغاز 5 آلاف ليرة.

*تخوف من سيناريو حمص 
ويكشف رئيس لجنة الخبز في "تلبيسة" أن نظام الأسد عرض على أهل البلدة مساومات تتعلق بمعركة "أم شرشوح"، ليرسل لهم الخبز ومساعدات الهلال الأحمر التي وصلت آخر مرة منذ 8 أشهر، وأدخلت حينها 3 آلاف من أصل 20 ألف سلة غذائية، هي حصة تلبيسة التي توقفت نهائيا بأمر من المخابرات الجوية التي تطالب أهل البلدة بتنازلات تنثر بذور الشقاق بين الثوار وحاضنتهم الشعبية. 
وفي وقت أكد فيه أن استجابة الحكومة المؤقتة والائتلاف اقتصرت على الوعود بالحديث مع المنظمات الدولية، ينذر رئيس لجنة الخبز بأنه "إذا أصابنا كما أصاب حمص القديمة فذلك في رقبتهم".
وفي الحديث عن أحياء حمص المحاصرة يكشف الشيخ رجوب أن عشرات العائلات النازحة من حمص خرجت من "تير معلة" القريبة إلى "تلبيسة" على خلفية حادثة عرس للنازحين الحمامصة تحولت إلى مظاهرة، قضى على اثرها شخص بنيران أحد أهالي "تير معلة" الذين عارضوا كسر هدوء البلدة بذريعة أنها تؤوي آلاف النازحين أيضا.

* عبث حكومي
ويكشف عضو المجلس المحلي بحمص عبد الإله الفهد لـ"زمان الوصل" أن المجلس وضع الحكومة المؤقتة، على أعلى المستويات، بأزمة تأمين الخبز والطحين في تلبيسة ومناطق حمص المحاصرة عامة، إلا أن "العبث الحكومي واللامبالاة" منعا الاستجابة في صرف المبالغ اللازمة لاتقاء "المجاعة التي ألمّت بأهلنا".

وأضاف الفهد: إن رئيس الائتلاف هادي البحرة ونائب رئيس الحكومة إياد قدسي تدخلا لصرف مبلغ الدعم وشراء الطحين، إلا أن محاولاتهم اصطدمت "بجدار التحيز والمواراة لدى رئاسة الحكومة".
وأشار إلى تخصيص 130 ألف دولار فقط بعد شهرين من الأخذ والرد، وهو مبلغ لا يكفي بلدة واحدة في ريف حمص، كما قال الفهد، مؤكدا أن الاحتياجات الشهرية تتجاوز نصف مليون دولار شهريا كما ورد في مشروع قدمه المجلس المحلي لوزارة المالية والاقتصاد في الحكومة المؤقتة بغية إيجاد حل مستديم لأزمة الخبز في مناطق حمص المحاصرة، إلا أن العبرة بالتطبيق الذي يبدو صعبا جدا على الأقل في المدى القريب.

ويرى المجلس مشروعه بأنه الأنسب لدوره بتثبيت الأهالي في المناطق المحررة وصرفهم عن التسويات التي يمهد لها نظام الأسد بالتجويع الناتج عن الحصار، والمساهمة في إيقاف الفتن والمشاكل الناتجة عن المجاعة، كما ورد في نص المشروع.

ويغطي المشروع عامة سكان المناطق المحاصرة (نحو 400 ألف) في الريفين الشمالي والشمالي الغربي والوعر.

ولأن المشروع، الذي يكلف أكثر من500 ألف دولار، حل إسعافي فإن المدة الزمنية المقترحة له شهر واحد وقد تكون قابلة للتمديد شهرا آخر، في حال لم تستكمل المؤسسة العامة للحبوب مخزونها الاستراتيجي، حيث وعدت حينها بشراء القمح وطحنه وتوزيعه على الأفران.

وحصلت "زمان الوصل" على وثائق تتعلق بأزمة الخبز في ريف حمص الشمالي تتضمن مراسلات من المجلس المحلي إلى كل من الائتلاف والحكومة المؤقتة ومراسلات من سكان في "تلبيسة" و"الحولة" والريف الشمالي والغربي عموما، والنتيجة ردود ووعود لم تغنِ ولم تسمن من جوع لأبسط مقومات العيش المتمثل برغيف الخبز حتى كتابة هذه السطور. 

وتبيّن المراسلات أن قرارا صدر برقم (4/27 وبتاريخ 6/8 / 2014 يقضي بتخصيص 100 ألف دولار لشراء مادة الطحين للمناطق المحاصرة كحل إسعافي.

ولكن كتابا على شكل نداء استغاثة من مجلس حمص المحلي إلى رئيس الائتلاف بتاريخ 17/8 / 2014 يكشف أن المؤقتة قررت عدم صرف أي مبلغ لريف حمص الشمالي والغربي وحي الوعر، مشيرا إلى أن مبلغ 100 ألف دولار اعتمدت إلى المجالس المحلية لشراء القمح ثم بيعه إلى الناس الذين لا يملكون المال لشراء الطحين.

وطلب المجلس من الائتلاف توضيح إمكانية التوسط مع الحكومة لصرف مبلغ مليون دولار هي احتياجات المناطق المحاصرة.

وسبق أن اجتمعت لجنة خماسية تشكلت في الحكومة المؤقتة يرأسها وزير الإدراة المحلية عثمان البديوي وخلصت إلى توصيات بالعمل على 6 مقترحات أولها وأهمها تأمين 5 آلاف طن كمخزون استراتيجي في ريف حمص الشمالي وإقامة مطحنة في المنطقة تابعة للمؤسة العامة للحبوب، والاستمرار بتقديم وزارة الإدارة المحلية الدعم لشراء القمح، وتشكيل لجنة متخصصة بالتواصل مع المنظمات المختلفة للحصول على دعم مادة الطحين، إلا أن أيا من تلك التوصيات لم ترَ طريقها إلى التنفيذ حتى كتابة هذه السطور.
*"تلبيسة" وأخواتها خارج الخارطة!

في أزمات كالتي تعيشها بلدة "تلبيسة" وما حولها ومناطق أخرى محاصرة في حمص، ليس الائتلاف الحكومة وحدهما المسؤولين عن معالجة كارثة إنسانية بهذا الحجم، فلابد من التساؤل عن دور الأمم المتحدة، التي تعتبر الآن على المحك بعد صدور قرار من مجلس الأمن يوصي بإيصال مساعدات إلى مناطق سورية محاصرة دون موافقة نظام الأسد، فماذا وصل "تلبيسة" وأخواتها في حمص من هذا القرار؟!


ماهر رضوان - حمص - زمان الوصل
(102)    هل أعجبتك المقالة (120)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي