أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

في حضرة سيد الكلمة.. بشار عبود*

ال مبتسماً: بهذه أنت مُحقّ.. في الثورات لا مكان للقبول بالمظاهر

سألته.. هل تصلّي يا شيخ هاني؟

قال: جوابي في سؤالك.. وتابع متسائلاً وهو ينظر إليّ بعينين لم أقوّ على مواجهتهما: وكيف تسأل عن أمر كهذا لرجل هذه هيئته؟ 

ـ ضحكنا سوية..

سألته: وهل الثورة فقط على أنظمة الحكم المستبدة؟ 

قال: لا.

قلت: إذا ونحن نعيش أجواء الثورة، فعلينا أن نرتقي إليها حتى بالسؤال.. الثورة تفرض علينا أن نسأل عن كل ما يدور في أذهاننا.. فالهيئة ليست بالضرورة مفتاح الحقيقة، عادة تكون أكثر التفاصيل المضللة عنها. 

قال مبتسماً: بهذه أنت مُحقّ.. في الثورات لا مكان للقبول بالمظاهر.. بهذه الروح يجب أن نتعامل مع الثورة.. بهذه القدرة على تحطيم المفاهيم يجب أن نكون ثوريين.. الثورة تنتصر بالحقائق وليس بالمسلمات. 

هكذا انطلق الحديث مع العلّامة هاني فحص في مدينة اسطنبول التركية قبل أكثر من عام.. وبهذه المكاشفة العميقة، امتد لأكثر من ساعة ونصف، كان يأتي خلالها مصطفى ليسأل والده: إلى متى؟ لكن السيد كان يقول لابنه: دعه سأحقق له أمنيته في الانحراف.. ونضحك جميعاً.

كثيراً ما نصادف أشخاصاً في حياتنا، ونمر عليهم مرور الكرام.. لكن في الحياة ثمة رجال لا يتسع لهم المكان.. قاماتهم أكبر من قدرتنا على التقاط حضورها.. هاماتهم.. تجبرك على الانحناء العظيم لها.. 
إحدى فضائل بدايات الثورة السورية أنها حاولت في مرحلة جنينيتها الأولى أن تستنجد بمثل هؤلاء.. 
وكان هاني فحص من عجينة هذا السحر الغامض، الذي يمد يده إليك ليس فقط كي ينتشلك من قاعك وإنما لتتكئ عليه كواحة لجبل شاهق.. يمد يده إليك لتستند عليه ليس فقط كمريد لمعلّم وإنما كمشروع وطني عابر للطوائف وعابر للضغائن وبانحياز كامل للإنسانية حين تواجه الحقد والظلم.. 

لم ينثنِ يوماً أمام إغواءات سلطة المشيخة، وهو العالم بأسرارها.. وفي عدم اغتنامها يطفو معدن الإنسان.. ورغم الصعوبات والمكائد لم يتهاوَ أمام الخوف، ففي صموده تزدهر الأفنان الباسقة في وجه الشمس.. لم يكن ليتغير إلا بما يفيض عنه حباً ورغبة في رؤية إنسان له كامل الحرية والكرامة.. بعيداً عن أي شكل لأشكال المعتقد.

كم كنت أتوق بيني وبين نفسي لزعيم في المعارضة السورية تشبهه، وفي كل مرة كنت أعزي فيها نفسي كنت أقول: لا بأس حتى لو كان لبنانياً.. ألم يربط سمير قصير بين حرية لبنان وحرية سورية؟ فما المانع أن يكون لبنانياً شريفاً عضواً رائداً في الثورة السورية؟ فالقامات لا تشبه إلا نفسها.. مهما كان منبتها.
لك الوعد مني يا سيد الكلمة، وكما قلتها لك ذات مرة، أعود وأقولها لك اليوم على شاهدة قبرك، بأنني لن أكتفي بلباس الشيخ لأقبل بالصلاة وراءه.. ولن أكتفي بذوي الشعور الطويلة واللحى الكثة لأقول إنه مثقف.. لن أقبل بأحد يفصل بين ما يقول وبين ما يفعل.

لقد أعمتنا الأمية بما يكفي.. وأدمانا الجنون.. وأوجَعَنا بيع الضمائر.. لكن فيما تبقى لنا من قوة وإصرار، سنواجه.. ولن نرضى بأقل من المواجهة، ففيها نوفيك حقك علينا.. رغم الألم بأننا فقدنا من كنا نتكئ عليه يا أجمل المحاربين.


*كاتب وإعلامي سوري - مشاركة لــ"زمان الوصل"
(139)    هل أعجبتك المقالة (147)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي