أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حدود سايكس-بيكو بين أوباما والبغدادي! ... د.شمدين شمدين

ما كان مقدساً بالأمس ,أصبح لاغياً اليوم , داعش فعلتها ,هدمت الحدود التي صنعها الأقوياء,الحدود التي فرقت أبناء نفس العشائر ,ونفس الملل عن بعضهم البعض ,كم من أخ كان يصافح آخاه من خلف سياج مصطنع ,تعلم الكردي في القامشلي اللغة العربية وتعلم أخوه وابن عمه في نصيبين اللغة التركية بينما لغته الأم هي الكردية التي مُنع من تعلمها والكتابة بها في كلا البلدين, أية معان في تلك الأسلاك الشائكة التي صادرت حتى العناق بين الأشقاء في خضم العداوات السياسية بين الأنظمة الحاكمة في بقعة الشرق الأوسط ,لسنين طويلة ظلت تركية عدوة لسورية وسورية عدوة للعراق والعراق عدواً للكويت ولبنان في صراع داخلي مع ملله الكثيرة, واقع فرضته أجندات استعمارية كانت تهدف لكسب المصالح وتوزيع مراكز النفوذ عبر زرع الخلافات والإبقاء على مواطن النزاعات حتى يتسنى لها التلاعب بمصائر شعوب المنطقة وأحلامها , أجل لقد فعل البغدادي ما عجز الآخرون عن فعله أو حتى البوح به في الماضي, فعلها لغرض بناء دولته الهمجية التكفيرية , لكن الآخرون أيضاً باتوا يتجرؤون اليوم على رفع الصوت عالياً والمطالبة بحقوقهم التي قضت عليها خطوط سايكس-بيكو ,فهاهم الاكراد في سورية والعراق يناضلون ويدفعون من دماء أبنائهم ما يظنون إنه سيحقق لهم حلمهم القديم في قيام دولة كوردستان بحدود جغرافية واضحة , كما نرى البعض يروج لمقولة إلحاق حلب بتركيا اسوة بإلحاق القرم بروسيا ,وإنشاء اقليم سني من أراضي سوريا والعراق مرتبط بتركيا التي يحكمها أردوغان صاحب الخلفية والرؤى الإسلامية ,كما بتنا نسمع أصواتاً تنبه الى مؤامرة وخطط تشير الى عدم وجود الكويت في عام 2020وتقارير أمريكية عن تغير في خارطة الشرق الأوسط بحلول عام 2030 , فهل فعلت داعش ما خطط له مسبقاً دون أن تعرف ,أم إنها جزء من مخطط مدروس يهدف الى بناء شرق أوسط جديد إختفى الحديث عنه منذ تولي أوباما الحكم ورحيل الجمهوريين أو المحافظون الجدد, أياً كانت الأسباب والعوامل والمخططات فإن أخطاء تاريخية كانت وراء حدود مصطنعة فرقت الأمم الواحدة والعشائر الواحدة وزرعت بذور الخلافات بينها وكانت سبباً مباشراً في قيام كيانات مزيفة قادتها أنظمة عرجاء ديكتاتورية إما قومية إقصائية أو اسلامية مبشرة بالأفكار المتشددة والهدامة.
إن صدور قرار مجلس الأمن رقم 1270واستراتيجية أوباما في مكافحة تنظيم الدولة الاسلامية في كل من سوريا والعراق التي لاتعترف بالحدود وبسيادة الدول إضافة الى التحالف الواسع الذي أخذ يتشكل للوقوف في وجه التطرف ,هذه العوامل يبدو إنها تؤشر لبداية مرحلة جديدة قد تغير وجه المنطقة المصطبغ بالدماء وكوارث النزوح,مرحلة تبدأ بضربات جوية في العراق وسورية وتنتهي بتقسيمات ومناطق نفوذ جديدة على الأرض تراعي رغبات السكان والواقع الفعلي , فالعراق مقسم عملياً وفق ثلاث قوى سنية وشيعية وكردية وسورية مقسمة بين مناطق يسيطر عليه النظام وتشكل قلعة آمنة للطائفة العلوية ومؤيدي النظام ومنطقة سنية يسيطر عليها تنظيم داعش ومنطقة كردية تسيطر عليها وحدات الحماية الشعبية الكردية , فما الذي ينقص الإعلان الرسمي عن انهيار سايكس بيكو وولادة شرق جديد على أنقاض دولة الخلافة الداعشية , لاشيء بالطبع سوى انتدابات دولية جديدة تقود منطقة مضطربة نحو وضع أكثر استقراراً وأقل تهديداً للعالم أجمع.
لكن الكلام عن ولادة شرق أوسط جديد يبدو بسيطاً وساذجاً , لأن العبرة تكمن في التنفيذ والإنجاز الذي سيكون حتماً عسيراً وصعباً, لما يعرف عن هذه المنطقة من تقلبات وصراعات لم تنتهي منذ آلاف السنين , فمن يجزم إن الضربات الجوية ستزيل التطرف والإرهاب؟ ومن من الدول سيجازف بارسال قواته الى المستنقع السوري العراقي ؟ فيما لو فشلت المعارضة السورية (المعتدلة) في كسر شوكة داعش واحتلال الحيز الجغرافي لدولة الخلافة في سوريا ,ومن يتنبأ بردة فعل النظام السوري الذي يتخوف عملياً من تقهقر داعش وهزيمتها لأنه يفقد بذلك حجته في ضرب المعارضة وإسقاط البراميل المتفجرة ؟ ومن ؟ ومن؟ إنها أسئلة كثيرة وإجابات مخفية في ثنايا المستقبل .
ربما يصح أن نقول إن حقبة تاريخية جديدة آخذة في التبلور , والذي نتمناه أن تكون ملبية لتطلعات شعوب المنطقة ومصححة لأخطاء الماضي ,راسمة لخارطة واضحة تعبر عن حقيقة تاريخ المنطقة وتنزع كل الألغام التي من شأنها أن تعيد تفجير الوضع من جديد كما فعل المخططون الاستعماريون في اتفاقيتهم المسماة سايكس بيكو, حقبة لا محل فيها للحكام الجاهلين الذين يختبؤون خلف شعارات الوطنية وعباءة الدين , حقبة تعيد تأهيل الفكر وتوجهه نحو الأهداف السامية في إسعاد الآخرين وتأمين الأمل لهم في الحياة, لإن الكراسي والمناصب لم ولن تجلب السعادة لأي كان ,إنما بناء أوطان كريمة وسعيدة ومتعاونة على أسس حقيقية هي كل ما يطمح إليه سكان هذه المنطقة.

(139)    هل أعجبتك المقالة (137)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي