من كثرة المحاضرات التي تضمنها برنامج اليوم الثاني لمؤتمر حماة التاريخ والحضارة عبر العصور، الذي أقامته مديرية الثقافة في حماة قبل أيام، عن منطقة السلمية وعن لوحات الفسيفساء.
يمكن القول إن هذا اليوم صار يوم السلمية والفسيفساء بامتياز. فقد تضمنت الجلسة الأولى محاضرتين عن السلمية الأولى بعنوان دراسة تاريخية لمنطقة سلمية لأحمد حسين فطوم، والثانية بعنوان تطور العمارة السكنية في سلمية لغالب المير غالب وعلي أمين. كما مر ذكر منطقة سلمية في عدد من المحاضرات الأخرى، كمحاضرة أنظمة الري القديمة في حماة ومحاضرة قناة العاشق وغيرهما.
أما بالنسبة للوحات الفسيفساء، فتحدث عنها ملاتيوس جغنون في محاضرته فسيفساء طيبة الإمام قراءة في الرمز والدلالة. وعن نفس الموضوع تحدث محمد مخلص حمشو. هذا في الجلسة الصباحية، وفي الجلسة المسائية قدم د. جورج نحاس محاضرة بعنوان أقدم لوحات الفسيفساء للمسيح.
ہ العمارة السكنية في سلمية
أكدت المحاضرة إن الدارسين والباحثين يرجعون استقرار السكان في سلمية إلى ما قبل ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، وقد فسرت مديرية الآثار في حماة ، وجود عدد كبير من المغاور على مشارف مجاري المياه كما في قرية الكافات وتل الدرة وضهر المغر في سلمية والمزيرعة وفي قرية تل التوت. بأنها كهوف آوى إليها الإنسان القديم. وفي العصور التالية أخذ بعض السكان ولظروف متعددة يحفرون الكهوف للسكن أو لأمور أخرى. ومن أشهر الكهوف المحفورة في سفوح الجبال، الكهوف المسماة بالدكاكين والتي تقع شرقي سلمية في منطقة البلعاس.
وأوضحت المحاضرة أنه بعد ذلك، بدأ الإنسان يبني لنفسه بيوتاً من الطين أولاً ثم من الحجارة، أو من المادتين معاً مع تطوير مواد البناء دائماً، وقد عثر المنقبون في أحد التلال القريبة من سلمية يدعى ( تل حانا ) على نموذج لبيت مصنوع من الفخار يتكون من ثلاثة أجزاء متلاصقة اثنان يشكلان طابقين والآخر ملاصق لهما. ذكر هذا النموذج على أنه مع عصر السلالات الملكية حتى الأكادية الممتدة ما بين 2900 ـ 2690 ق . م. ومن ملاحظة بعض الأبنية القديمة في سلمية نجد أن هناك تشابهاً بين هذا النموذج وبعض هذه البيوت التي أزيل قسم كبير منها بسبب البناء الحديث حيث كانت ( العلية ) أي الطابق الثاني أمراً مألوفاً، وهناك بيت لا يزال قائماً ومسكوناً حتى هذا التاريخ. أما البيوت ذات العلية الوسطى القائمة فوق مدخل الدار فكانت منتشرة قبل بضع سنوات، ولكن الحركة العمرانية كما سلف أزالت ما تبقى منها.
ہ لوحات الفسيفساء
ووصفت المحاضرة التي تناولت لوحة الفسيفساء في بلدة طيبة الإمام بأنها لوحة تاريخية، فيها ترف روحي وشفافية تتلاقى فيها إنسانية الإنسان مع روحانيته لتشكل ثقافة الإيمان وروعة الإنسان المؤمن المحب لفعل الخير. وقالت هي لوحة تشكل أرضية كنسية وقد صنعت من طراز البازليك عام 442 م أي قبل كنيسة سمعان العمودي وبمساحة تقدر ب600 م2 هي قطعة فنية رائعة الجمال , وآية من آيات العبقرية الفنية. وهذا ما جعل لوحة فسيفساء طيبة الإمام هي الأكبر مساحة في العالم بأسره.
و أوضحت بأن لوحة فسيفساء بلدة طيبة الإمام تتميز بزخارف فنية تميزها برسم مبانٍ مدنية وكنائس. ومنها كنيسة بيت لحم وكنيسة القدس والكنائس تظهر على مخطط متصالب تقاطعه قبة مخروطية. ويبدو طائر الفينكس خلف كل كنيسة وهو طائر رمز البعث والخلود, كما يوجد رسم أنهار الجنة دجلة والفرات وسيحون وجيحون وكتابة يونانية, وصورة الحرية رمز الروح القدس،
وصورة السمك والسللور، وأوراق العنب، وحيوانات برية مثل: غزلان يطاردهما فهد، وطواويس، وحيوانات مفترسة وأحواض مائية، وأعمدة وزخارف.
وفي محاضرة أخرى تم الحديث عن أندر وأقدم لوحات فسيفسائية للسيد المسيح في العالم في أفاميا، وأوضحت المحاضرة أن هذه اللوحة تتكون من ثلاثة مقاطع أو أقسام أو لوحات أصغر. اللوحة الأولى وهي أقدم اللوحات الثلاث تعود للربع الثاني من القرن الخامس الميلادي تقريباً قياسها 175 * 135 سم. تمثل السيد المسيح جالساً على كرسي العرش وهو يرفع اليد اليمنى ليبارك بها ويشير بإصبعين إلى الطبيعتين الإلهية ـ والإنسانية. وتصور اللوحة الثانية المسيح وكأنـّه في الجنـة. وفي هذه القطع نلاحظ أن شـخصية السيد المسيح تُمَثـَّلُ وهو شاب غير ملتح، وفي هذا دلالة إلى إله الشمس الذي لا يشيخ لأن الشمس دائمة الحرارة والنور لا تشـــــيخ أبداً.
ہ المئذنة الهزازة
هذه المحاضرة كانت من نصيب محمد عارف قسوم مدير الثقافة في حماة. وقد بدأها بالحديث عن أشكال المآذن، كالمآذن المربعة الشكل ذات الأضلاع الرباعية ( المآذن الأولى ): تدل على العهود الإسلامية الأولى وعلى وجه الخصوص الأموية منها مآذن : (الزيتونة، الجامع الأعظم في أشبيلية ) وقد استمر هذا الشكل خلال العصر العباسي ثم الطولوني و الإخشيدي و الفاطمي و السلجوقي و النوري ثم الأيوبي. وهناك المآذن ذات الجذوع المثمنة و المتنوعة ( تضم المقرنصات و العناصر التزيينية الأخرى ). والمئذنة كثيرة الأضلاع : يقترب شكلها من الأسطوانة و تتوّج غالباً بقبة زخرفية أو بكرة على هيئة عمامة. والمآذن الأسطوانية ذات الهامة المخروطية ( أسهم ذاهبة نحو السماء على شكل أقلام رصاص مبرية ) مثال : مسجد السلطان أحمد في استانبول. و المآذن الملوية : يدور السلم من الخارج على بدنها الملآن : مسجد ابن طولون ـ مئذنة مسجد أبي دلف شمالي سامراء ـ مئذنة مسجد سامراء. والمآذن ذات الجذع الأسطواني كامل الاستدارة.
ثم قدم بعض التفاصيل الخاصة بالمئذنة الهزّازة في طيبة الإمام : علو المئذنة 25،13م، قطر البدن المستدير 295سم، عدد درجاتها( 55) درجة يصعد إليها من جانبها الشمالي. أقسامها: القاعدة :الجسم المربع الذي يرتفع فوقه جسم المئذنة. الجذع :جسم المئذنة وهو هنا جسم أسطواني مستدير مكون من حطتين يفصلها طوق بارز على المحيط . الكوة : فتحة صغيرة في الجذع يمر منها الضوء والهواء. القمرية : فتحة إضاءة مستديرة. النافذة الصماء : نافذة مسدودة من جهة الجنوب (عنصر زخرفي ). النافذة المدببة : فتحة في الجذع. القوس : ويعلو باب المئذنة. الشريط الزخرفي : طوق يحيط بالجذع، وفي المئذنة شريطان بارزان تزيينيان. المقرنصات :عناصر معمارية تزينية تتوضع في أعلى الجذع بما يشبه التاج. وأخيراً المدخل.
ويلاحظ المحاضر غياب رأس المئذنة. علماً أن جميع المآذن يعلوها رأس يضم :(المظلمة والجوسق والقلنسوة والهلال و الشرفة و الدرابزين ...الخ ) ويفسر المحاضر هذه الحالة بتعمد بانيها ذلك، تنبيهاً إلى واقعة آل البيت عليهم السلام الذين نزلوا المكان نفسه ومعهم رأس الإمام الحسين مقطوعاً يحملونه باتجاه دمشق بصحبة الجند الأمويين.
ہ ملاحظات وتوصيات
وتناولت بقية المحاضرات موضوعات مختلفة كالوشم والزينة و الأزياء والطرق الرومانية والتراث العربي المعماري. بالإضافة إلى المباني في العصر العثماني ومملكة حماة الآرامية وحماة القديمة في الألف الثالث ق.م وحماة في نصوص إيبلا في الألف الثالث ق.م.
وبرزت مشكلة في برنامج المؤتمر، تتعلق في تشابه بعض المحاضرات. كالمحاضرات المتعلقة بفسيفساء طيبة الإمام وأنظمة وقنوات الري ومنطقة سلمية والحقبة الآرامية... إلى ما هنالك.
وهذا يعود إلى عدم وجود لجنة علمية تقوم بدراسة المحاضرات المقدمة للمؤتمر، والحيلولة دون حدوث هذا التشابه فيما بينها. ولهذا من المفيد جداً في الدورات القادمة للمؤتمر ( الذي من الضروري جداً أن يستمر ) أخذ هذا الموضوع بنظر الاعتبار، إلى جانب طباعة المحاضرات وتوزيعها على جميع المشاركين ليطلعوا عليها، ودعوة باحثين من مختلف دول العالم للمشاركة هذا المؤتمر الهام.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية