حديث الحشاش السوري

يكاد عقلي يطق مما أرى وأناظر وأشوف. كل من يصفّ الصواني يقول لك (أنا حَلَوَاني)، وكل من يشتغل في الإغاثة ويسرق نصفها يقول لك أنا ثوري، وحينما يبدأ بالمزاودة يستطيع تحويل أكبر المناضلين إلى فأر انتهازي، ويطلع هو الأولَ والأخير في عالم النضال الثوري... والأدهى من هذا كله، أن كل واحد يشفط سيكارتين حشيش- في غفلة من الزمان- يقول لك ومناخيره في السماء: أنا حشاش!..
وأنا أقول لهؤلاء جميعهم: اتقوا الله، وتواضعوا، ويكفيكم غرور ومنفخة!
البارحة، ما لكم علي يمين، من كثرة ما حششنا أنا والشباب، حسيت الدخنة تطلع من كل فتحات جسمي، والنشوة صارت تشيلني وترفعني لفوق، إلى حيث تطير الطيارة، فوق الغمام، وتُفلتني، لأنزل متهادياً كورقة من وريقات الخريف.
أثناء نزولي الوثير سرحت بتفكيري، وبشعوري، وسلطنت، لحد ما سمعت صديقنا "أبو الخمير والفطير" يقول:
- أنا بدي بايع الخليفة البغدادي!!!..
فأحسست وكأنني دولاب سيارة داخلي (شمبرير) أتاه فجأة بسمار، فطق، وأخذ يفشّ. وبعدها هويت ووقعت على الأرض مثل كيس الخردق.. وسمعت حالي عم أصيح: آخ يا يوم، أنا ابنك، انقتلت!
ورميت السيكارة على الأرض، مع أنها ما تزال في وسطها، ووقفت، وألقيت بثقلي كله فوق صديقي أبي الخمير والفطير، وشددتُ على خوانيقه وقلت له:
- ولاك.. هاي العبارة ما بدي أسمعها منك. يا حيوان يا طشنة كيف تبايع واحد لا تعرف عنه أي شي؟.. وكيف تبايع واحد لا يسمح لك تدخن سيجارة تتن، فكيف بده يسمح لك تحشش؟
تملص أبو الفطير والخمير من قبضتي، وابتعد قليلاً إلى الوراء، وقال:
أولاً، ما في داعي تجحِّش، وتمد يدك علي. خلينا عم نتناقش بهدوء. وثانياً أنت واحد بهيمة، لأنك لو كنت تعرف فضائل مبايعة الخليفة البغدادي كنت بتركب على ظهر أقرب ناقة أو دبابة وبتروح إلى الرقة أو الموصل وبتبايعه على الغميضة..
أدهشني هذا الحكي. قلت له:
- أنت تحكي جد؟
قال: طبعاً. ولاك يا عمي هؤلاء الناس قادمون ليخلصونا من تعقيدات الحياة المتأوربة المتأمركة التي تتدخل في أدق تفاصيل حياتنا. يعني، بعدما يحكمونا عشر سنين من الزمان، ما عاد تشوف في البلد سيارة عم تشفط، ولا راح يبقى إشارات مرور، وبالتالي ما راح يبقى فيه تلوث بيئة!... وخزينة بيت مال المسلمين بدها تبقى مليانة دنانير ودراهم، لأن المصروفات التي ما لها طعمة التي تصرفها الدول لقاء قيمة كهرباء وإنترنت وعمولات مصرفية سوف تزول، وكذلك النفقات التي تصرف على تعليم الأشياء الدنيوية الزائلة، كالفيزياء والرياضيات والفلسفة وأكل الهواء الفارغ.. وبالنسبة لصناعة القمصان سوف تتطور.. ألم ترَ إلى الموضة الغربية المتفرنجة التي تصنع القميص الذي يغطي أحد كتفي المرأة، فتبرز إغراءات جمال كتفها الآخر؟ نحن سنصنع قمصاناً رجالية بكم واحد، لأن معظم أفراد الرعية سوف تُقْطَّعُ أيديهم، لأنهم حرامية حاشاك. ثم إن هناك اختراعاً خاصاً بدولة مولانا الخليفة ربما لا يستطيع أن يتخيله عقل قاصر مثل عقلك.
قلت: ما هو؟
قال: بدلاً أن نبني سداً لتوليد الكهرباء التي لا تلزم لنا أصلاً سوف نبني ما يسمى (المِرْجَمَة).
وشرح لي أن (المِرْجَمَة) هي مكان خاص لرجم نساء المسلمين الزانيات. فلما قلت له إن ديننا الحنيف قد جعل إثبات وقوع الزنا عملية معقدة، قال لي: بل هي بسيطة أكثر مما تتخيل. إذ يكفي أن يعترف واحد من الشباب المتأمّرين بأنه زنى معها سوف تحال إلى (المِرْجَمَة)، باعتبار أن الاعتراف سيد الأدلة.
قلت: قصدك يحالُ هو.. الزاني الذي اعترف.
قال: لا. الرجم يكون للمرأة، إذ أنها هي التي تغري الرجل وتضطره للمارسة هذا الفعل الحقير الفاحش.
بقي صاحبي "أبو الخمير والفطير" أكثر من نصف ساعة وهو يعدد لي مزايا مبايعة الخليفة البغدادي، حتى فاجأته بالسؤال:
- طيب والحشيش؟ يعني ما راح يكون ممنوع؟
ففاجأني بالقول:
- ربما يكون ممنوعاً. ولكن أكيد مولانا راح يكون عنده أولويات في الحكم. يعني إذا جاؤوه بحضرتك وأنت محشش وجاؤوه بزانية تحتاج إلى رجم. معقول يتركها ويضيع وقته بجلدك؟ ثم، إلى حين ما ينتهي الشباب من رجم الزانية، بتكون أنت صحيت من التحشيشة.. وتحلف له يمين أنك مو محشش. وهو مضطر لأن يصدقك وقتها.
أقول لكم الصراحة: أنا اقتنعت. وعلى الأغلب بدي بايع.
من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية