أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

" الغريب " البير كامي

صدرت في طبعة جديدة رواية "الغريب" لألبير كامي عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة، وكانت الرواية قد صدرت في أول طبعة لها بالفرنسية عن دار جاليمار للنشر عام 1942 وتعد الرواية إحدى درر الحداثة الروائية في القرن العشرين؛ وتمثل شاهدا على عمق الرؤية لوعي الانسان الحديث ومصيره وكانت سببا مهما لمنحه مؤلفها جائزة نوبل في الآداب عام 1958.

ولد كامي لأب فرنسي، وأم ذات أصول أسبانية، في مدينة وهران الجزائرية عام 1913، في الجهة الأخرى من البحر المتوسط، قبالة فرنسا، الوطن الأم، التي لن يراها كامي إلا في عام 1936، حين كان في الثالثة والعشرين من عمره. حيث اختلطت الدماء الفرنسية بالأسبانية وانصهرت تحت الشمس الأفريقية، وهو ما حرر كامي من القيود الذهنية والمواقف الفكرية التي توراثتها فرنسا بتاريخها الطويل، فتربى عليها معظم الفرنسيين.

أعطت فرنسا لـ "كامي" اللغة، وأضفت شمس الجزائر على هذه اللغة روحاً جديدة، أرقاً وتوتراً خاصاً، ووضوحاً صادماً، يكفي لأن يتميز به كامي عن رفاق جيله من الكتاب الفرنسيين. حيث ظل كامي مغروس الجذور في الأرض الجزائرية حتى عام 1931، حين اندلعت الحرب العالمية الثانية، ووجد نفسه مضطراً إلى مغادرة الجزائر إلى الضفة الباردة من المتوسط، حيث توجد مدن "الدم والحديد"، وفقاً لتعبير كامي في وصفه للمدن الأوروبية. وعبر الكثير من كتابته، رد كامي الجميل إلى الجزائر.

لم يكتب كامي كثيراً عن والده، العامل الفقير الذي توفي في الرابعة والثلاثين من عمره تاركاً طفله الوحيد في رعاية أرملته الأمية، المرهقة، الصماء، التي تجد صعوبة كبيرة في النطق، والتي لم تكن حتى قادرة على قراءة خطاباته المقتضبة التي كان يرسل بها إليها قبل أن يغادر الحياة. ويتردد حضور أمه في الكثير من الصفحات التي خطها كامي، والتي أورد فيها بعض صور حياتها التعسة الشاقة، وعينيها البنيتين الحائرتين الصامتتين وحوارتها القصيرة المتقطعة.

لفت كامي انتباه معلمه، لوي جيرمان، عندما التحق بمدرسة بيلكور الابتدائية عام 1918. تابع لي جيرمان تلميذه ألبير، وأشرف على دروسه حتى بعد ساعات الدراسة الرسمية، ليحصل كامي على منحة مكنته من الدخول إلى مدرسة الليسيه في مدينة الجزائر، وتدرج فيها حتى التحق بالجامعة عام 1932، حيث درس الفلسفة، وتخرج عام 1936؛ وهو ما سوف يترتب عليه أن يغادر حيه الأثير (بيلكور) والجزائر ذاتها.

لم يكن كامي يهتم كثيراً بالدروس، في فترة المراهقة. بل كانت كرة القدم معشوقته الكبرى، وبرع في مركز حارس المرمى. وكان كامي يقدس الجسد البشري؛ وفي هذا السياق، شغلت السباحة جيزاً كبيراً من اهتماماته. ويمكننا أن نرى ذلك بوضوح في كتاباته، فقد كانت تبدو كأنها – بالنسبة له – ضرب من التطهر الجسدي والروحي، وطقس يعتقه من ضغوط الحياة اليومية المتكررة الرتيبة.

أصيب كامي بالتدرن الرئوي في صغره. وفي عام 1930، عندما كان في السابعة عشرة من عمره، كانت أولى نوبات المرض القاسية، ما استدعى احتجازه بالمستشفى. كانت تلك المواجهة الأولى مع الموت، بين أسرة البهو العام بالمستشفى. نقطة تحول في حياة كامي، فتحت عينيه، وأيقظت وعيه بحقيقة كينونة البشر.

الخوف، الخجل، والتمرد كانت – على ما يبدو – ردود فعله الأولى. ولعل الفترة بين 1930 إلى 1940، كانت أثرى وأنشط فترات حياته، فأدار ظهره للماضي، وشرع يصنع حياته بيديه.
في الرابع من يناير من عام 1960، غادر ألبير كامي الحياة عن ستة وأربعين عاماً، ولم يكن قد مر على منحه جائزة نوبل عامان، وهو في طريقه إلى باريس برفقة صديقه وناشره جاليمار؛ عندما اصطدمت السيارة التي كانا يستقلانها بشجرة؛ صدمة أودت بحياته على الفور. ذاع الخبر في فرنسا، ثم خارجها، وخيم الحزن على قراء كامي في أنحاء العالم. وفي الصحف والإذاعات، تواترت المراثي والمقالات بأعداد كبيرة. وفي النعش المغطى بكساء رقيق - وتحت إكليل واحد من الزهور – كان جسد الكاتب الكبير يرقد مطمئناً، في وسط قاعة البلدية في قرية فيلبليفان الوادعة. في صحبة نفر قليل من أسرته وأصدقائه، نقل النعش إلى قرية لورماران، التي قضى فيها وقتاً طويلاً بعد أن حصل على جائزة نوبل.

والكتاب الذي بين أيدينا ليس ترجمة لرواية "الغريب" لكامي فقط. بل تناول الكاتب المترجم عاصم عبد ربه: السيرة الحياتية والثقافية لكامي، وتعرض كذلك لأعماله: رواياته، مسرحياته، وأخيراً مجموعة مقالاته. أيضا خطاب جائزة نوبل الذي ألقاه في حفل تسلم الجائزة؛ ثم ترجمة لرواية "الغريب" تبعها ملحق بأسماء الأعلام.

يقول المترجم في تقديمه للكتاب: اعتمدت – بشكل أساسي من بين كتب أخرى - على كتاب "ألبير كامي" لجرمين بري (نيويورك 1961) – وكذلك كتاب "ألبير كامي: محاولة لدراسة فكره الفلسفي"، للدكتور عبدالغفار مكاوي (دار المعارف بالقاهرة 1964) بعدما طالعت الكثير من الكتب عنه وحول أعماله، وهي أعمال يضيق المقام عن حصرها.

وفي هذا السياق، يقول د. مكاوي في مقدمة كتابه: "إن أعمال كامي وشخصيته – وهو في ذلك يزيد عن أي كاتب معاصر، يمثلان وحدة متكاملة، لا يمكن الفصل فيها بين الكاتب الروائي والمسرحي وبين المفكر الفيلسوف، بين رجل السياسة وبين رجل المجتمع والأخلاق؛ فلا يستطيع المرء أن يفصل بين كامي الإنسان الذي شارك في المقاومة السرية للاحتلال الألماني مشاركة فعالة، ووقف – في عديد من القضايا الاجتماعية – موقف المكافح الباسل، ووضع نفسه – كما يقول – في صفوف الضحايا والمعذبين والمحتقرين. لقد حللت داء الروحي الذي استشرى في كيان عصره، وحاول أن يجد له الدواء، وعاش في ألوان الصراع التي كابدها جيله إلى حد التوتر والتمزق. لا يمكن أن نفصل هذا الإنسان عن شخصيات سيزيف، ميرسول، وريو.. ممن ساروا في طريق الأمانة والعذاب إلى أقصى مداه".

ويضيف المترجم: ورطة ممتعة .. هذا ما وجدتُ نفسي أمامه، عندما اقتضى الحال أن أقدم لترجمتي لرواية "الغريب"، أن أنقل لقراء العربية لمحة عن واحد من أهم كتاب ومفكري القرن العشرين، لمحة سريعة جداً لمجمل أعمال كاتب بقدر ألبير كامي، وأن أحاول الغوص في عوالمه؛ كاتب تقصر أفضل الترجمات وأكثرها أمانة عن نقل أسلوبه الأدبي وتوتره الفريد.

كانت كل كتبه أحداثاً أدبية، ما تكاد الضجة التي يثيرها صدور أحدها لتهدأ قليلاً في باريس، حتى تنطلق في أجواء عواصم أدبية أخرى، بعدما يترجم إلى لغتها ذلك الكتاب؛ ليصبح من جديد مادة للنقاش، المديح أو الهجوم. وصفه نقاد جيله بالعبقرية، عندما استقبلوا مقالاته الأولى، التي أظهرت نبوغه وتفرده رغم حداثة سنه؛ كان حينها في الثانية والعشرين من عمره القصير.
.

وكالة الصحافة العربية
(159)    هل أعجبتك المقالة (144)

Abu Hammaam

2014-09-17

اسمه ألبير كامو و ليس كامي Albert Camus و هو ملحد من رواد الفكر الوجودي في القرن العشرين, أي أنه من رواد الموضة الفكرية لذلك الوقت, و النتاج الفكري الطبيعي لفترة ما بين الحربين هناك..


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي