" إن تهديد الإسلام المتطرف يضع دولة إسرائيل، الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، في جبهة القتال العالمي ... عمل صحيح، عسكري وسياسي، سيسمح لإسرائيل، إلى جانب التهديدات المركبة، بفرص هامة أيضاً. من المهم أن نعرف كيف نستغل هذه الفرص".
بهذه الكلمات اختتم اللواء "أليعازر مروم" قائد سلاح البحرية السابق في جيش الاحتلال الإسرائيلي مقالا له على صحيفة "معاريف" عما يجري في الجولان.. ليس صعبا تصور الفرص التي قد تطمح إليها إسرائيل في الجولان وما حوله من خلال عمل "عسكري وسياسي"..
في مطلع حملته الانتخابية التي فاز فيها برئاسة الحكومة الانتخابية زار نتنياهو هضبة الجولان المحتلة مع ابنه وغرس فيها غرسة ثم قال "إن أحفاد ابني هذا سيأكلون من ثمار هذه الشجرة "في رسالة تفيد بأن "إسرائيل" لن تتراجع عن قرارها بضم الجولان .. لا شيء قد يدعم قرارها هذا أكثر من احتلال أراض جديدة تكون هي مسرح التفاوض القادم -إن وجد- بدلا من الجولان نفسه.
كثير من الظروف تواتي ذلك اليوم وليس آخرها زوال القبعات الزرق من خط وقف إطلاق النار بين طرفي الجولان السوري والمحتل منه بعد انسحاب القوات الفلبينية ووقوع قوات "فيجي" أسرى بيد جبهة النصرة التي سيطرت مع مجموعات مقاتلة غيرها على بعض أسلحة هذه القوات الدولية.

يبدو واضحا أن جبهة النصرة قد تورطت في شيء لا تعي أي عواقب قد تبنى عليه، ولكن من أوصل الجبهة إلى معبر القنيطرة مع الجانب الإسرائيلي المحتل ؟!
قد يجيب على ذلك عنوان وضعته قناة "سما" شبه الرسمية السورية حول ما جرى ونصه "هل تعلم بأن الجيش السوري سلم معبر القنيطرة .... ليعلم الرأي العام من هم الثوار "هذا الحديث شبه الرسمي السوري عن تسليم متعمد لمعبر القنيطرة للثوار يمكن أن يربط مع ما نشرته قناة "المنار" التابعة لحزب الله على موقعها الإلكتروني الجمعة تحت عنوان "إسرائيل في الميدان السوري .. شريط حدودي حتى ريف دمشق".
وهو مقال نقل عمن وصفها بالمصادر الأمنية في محور المقاومة معلومات عن نية جدية لدى "إسرائيل" لاحتلال ما سماه شريط القرى الدرزية الممتدة إلى ريف دمشق، ورغم اختلاط كثير من معلومات المقال إلا أن أبرز ما فيه هو النقل عن النائب في الليكود الإسرائيلي أيوب قرة في صحيفة معاريف "أن أبناء الطائفة الدرزية في هضبة الجولان عبّروا عن قلقهم من المعارك الدائرة خلف الحدود، وطالبوا "إسرائيل" بضم قرية حضر التي يسكنها دروز سوريون إلى سلطتها خوفاً على حياتهم وفي حال لم تقم إسرائيل بضم هذه القرية إلى سلطتها، فإن جريمة ستقع بحق الدروز".
رغم المواقف العروبية المعروفة للموحدين الدروز يبدو هذا النقل عنهم موضوعيا أو مبررا أمام خطر وجودي يتهددهم بين النظام الذي أتقن اللعب على وتر الأقليات، ولا يكف عن التلويح للدروز بخطر الإبادة مالم ينخرطوا في معركته بالكلية وبين مسلحي المعارضة متنوعة الطيف التي لا يمكن السيطرة على كثير من فصائلها وفيهم دون شك من قد يخطر بباله أن يفعل بالدروز ما فعل باليزيدين في العراق.
لا يمكن أيضا أن نفهم هذه التصريحات بمعزل عن التطورات الأخيرة في السويداء والتي أودت بحياة عدد من شيوخ الطائفة الدرزية في معارك مع البدو المدعومين من بعض فصائل المعارضة واتهم كثير من أبناء الطائفة استخبارات النظام بافتعال هذه الاشتباكات والتحضير لها.
من يعرف سياسة النظام السوري المركزية يعلم تماما أن جميع رسائله السياسية تنشر إما عبر مواقع حليفة له كالمنار او مواقع شبه رسمية فيما لا تجد على وسائله الرسمية تصريحا مفيدا ذا معنى إلا ما في ندر.
أما الفهم الأعمق لهذه الرسائل، فيشرحه التاريخ وهنا نستحضر شهادة الدكتور عبد الرحمن الأكتع وزير الصحة السوري الأسبق عن سقوط الجولان.
حيث يقول الأكتع إنه سمع خبر سقوط الجولان عام 1967 من الإذاعة السورية بينما كان يجري جولة تفقدية على مشافيها كوزير للصحة، ثم يسرد أنه اتصل بحافظ الأسد، وكان حينها وزيرا للدفاع، ليسأله عن الخبر الخاطئ ليرد عليه الأسد بوابل من الشتائم وبعدم التدخل بما لا يعنيه.
يشرح "باتريك سيل" في كتابه عن حياة صديقه المقرب حافظ الأسد، والذي ألفه بناء على مقابلاته معه، سلوكه هذا ورفضه تأمين التغطية الجوية للدبابات السورية التي دمر معظمها عام 1970 عقب أحداث أيلول الأسود بأن الأسد كان مهتما بذلك الوقت بتثبيت حكم "الأقلية العلوية" داخليا وأن الوقت بنظره كان غير مناسب لأية معارك خارجية.. وتتفق قراءة "سيل" هذه مع ما أعلنه نظام البعث عقب هزيمة حزيران 67 من أن اهداف الحرب الإسرائيلية كانت إسقاط النظام البعثي وليس احتلال الجولان ولذلك فقد فشلت إسرائيل في اهدافها !!
في أواخر التسعينات تنازل الأسد الأب عن قطعة أخرى من البلاد هي لواء اسكندرون وسلم زعيم حزب العمال الكردستاني لتركيا التي حشدت جيوشها على حدود سوريا وهددت نظامه آنذاك. كذلك قدم الأسد الابن، وفق تصريحات لنائبه فاروق الشرع، كثيرا من المعلومات الأمنية عن المقاتلين الأجانب للولايات المتحدة عقب احتلالها العراق لضمان أن لا تشمل حملة جورج بوش الابن يومها إسقاط نظام الأسد كما أسقطت نظام صدام حسين.
من خلال فهم هذه المعطيات التاريخية قد يبدو حديث قناتي "المنار" و"سما" عما يجري في القنيطرة حديثا مرادفا ومشابها بقوة لما سمعه عبد الرحمن الأكتع من الإذاعة السورية .. تصريحات إعلامية يبقى البعث بسببها حاكما، وإن انتهت تبعاتها إلى سقوط قطعة جديدة من البلاد تحت الاحتلال تصل حدودها هذه المرة إلى ريف دمشق.
• كاتب وإعلامي سوري
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية