كلمة الدستور ليست عربية الأصل ولم تذكر القواميس العربية القديمة هذه الكلمة، ولهذا فإن البعض يرجح أنها كلمة فارسية الأصل دخلت اللغة العربية عن طريق اللغة التركية، ويقصد بها التأسيس أو التكوين أو النظام. فكلمة (الدُستور (حسب الفارسية مركبة من كلمتين: دست بمعنى القاعدة، ووَر بمعنى صاحب، أي المادة التي منها تستوحى الأنظمة والقوانين، التي تسير عليها الدول لحل القضايا بأنواعها.
وفي المبادئ العامة للقانون الدستوري يعرّف الدستور بأنه: "مجموعة المبادئ الأساسية المنظمة لسلطات الدولة والمبينة لحقوق كل من الحكام والمحكومين فيها بدون التدخل في المعتقدات الدينية أو الفكرية، والمحددة للأصول الرئيسة التي تنظم العلاقات بين مختلف سلطاتها العامة" أو هو "موجز الأطر التي تعمل الدولة بمقتضاها في مختلف الأمور المرتبطة بالشؤون الداخلية والخارجية."
الدستور هو القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة (بسيطة أم مركبة) ونظام الحكم (ملكي أم جمهوري...) وشكل الحكومة ) رئاسية أم برلمانية...) وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات بين السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وحدود كل سلطة، والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات، ويضع الضمانات لها تجاه السلطة. وتلتزم بالدستور كل القوانين الأدنى مرتبة في الهرم التشريعي، فالقانون يجب أن يلتزم بالقواعد الدستورية وكذلك اللوائح يجب أن تلتزم بالقانون الأعلى منها مرتبة، الذي يلتزم بدوره بالقواعد الدستورية. وفي عبارة واحدة تكون القوانين واللوائح غير شرعية إذا خالفت قاعدة دستورية واردة في الوثيقة الدستورية.
إذن الدستور هو وثيقة تتضمن قواعد عامة تحدد شكل النظام السياسي وتحدد الحقوق والحريات العامة للمواطن وترسم علاقته بالدولة، كما تحدد واجبات رئيس الدولة والسلطات الثلاث والعلاقة بينهم؛ وهو يعرّف اسم الدولة ويرسم علمها. والدستور هو قمة النظام القانوني، فهو يسمو على كل القواعد القانونية الأخرى، بمعنى وجوب توافق جميع القوانين معه.
والدولة التي تنادي بالديمقراطية يصدر دستورها عن الشعب، حيث يُصاغ من قبل لجنة دستورية تمثل جميع مكونات الشعب، ويطرح للنقاش ثم للاستفتاء العام.
وحتى يأخذ الدستور دوره على رأس الهرم القانوني، وتحترم أحكامه، لا بد من هيئة رقابية تسهر على تطبيق أحكامه وعدم مخالفتها، وإلا بقي حبراً على ورق.
أسوق هذه المقدمة لأذكّر أنه حينما انتفضنا على نظام الحكم في سورية، أردنا إسقاط النظام المستبد، الذي كمم الأفواه وصادر الحريات، النظام الذي وضع نفسه دائما فوق القانون وفوق الدستور، أردنا دولة قانون تحترم الإنسان وتحترم الحريات. ولأجل ذلك نزل مئات الآلاف إلى الشوارع مطالبين بالحرية ومنددين بالدكتاتور. ولأجل ذلك تحمل الشعب السوري كل أنواع التنكيل والقهر.
إن كنا لا نزال نريد دولة قانون، دولة مدنية ديمقراطية تعددية، دولة تحترم الإنسان وحقوق الإنسان، وإن كنا لا نمتلك في الوقت الحالي إمكانية صياغة دستور لعدم توفر مقومات الدولة بمفهومها الحقوقي والسياسي، إلا أننا نستطيع تكريس مفاهيم الدولة التي نريد من خلال عمل مجتمعي يهدف إلى الارتقاء بنظرة المجتمع للقانون، وبتوفير الأرضية اللازمة لترسيخ القناعة لدى السوريين باحترام القانون.
لكن مع الأسف، فما نراه على أرض الواقع يخالف ذلك، ولو قامت بهذه التجاوزات بعض الفصائل أو قام بها بعض المتشددين لكنا غضضنا الطرف باعتبارهم يعبرون عن رأيهم وهم فقط معنيون به. أما أن تصدر عمن يفترض أنهم ممثلون للشعب السوري فالأمر يكون قد تجاوز حده، وهنا أريد التعريج على إشكالية اسم الدولة الذي دخل حيز الصراع بين القوى.
بداية لا تستطيع أي جهة، مهما كانت، مصادرة حق الشعب السوري باختيار شكل الدولة واسم الدولة، فهذا الأمر يعبر عنه بشكل واضح دستور البلاد، وهو ليس محل نزاع بين أطراف يريد كل منهم جر اللحاف إلى صفه، بينما الشعب السوري آخر همهم.
إن فرض اسم الدولة بشكل منفرد من أي جهة كان، وإن كان الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، إنما هو إعادة إنتاج للفكر الاستبدادي والممارسات الاستبدادية، لأن فيه مصادرة لحق دستوري أساسي من حقوق الشعب السوري، وفرض للوصاية عليه، ويعتبر شكلا من أشكال التسلط والتفرد والاستبداد.
مما لا شك فيه أن اختيار اسم (الجمهورية السورية) يعبر بشكل أفضل عن مكونات الشعب السوري، وأنا شخصيا أتبنى هذا الاسم وسأصوت له عندما يطرح للاستفتاء العام، وقد تكون الأكثرية مثلي، لكن ذلك لا يعني بحال من الأحوال أن تقوم بذلك جهة ما بشكل منفرد، مهما كان شأنها، إذاً ليس اعتراضي على الاسم، بل على المبدأ، إذ لا بد للجميع من احترام مبدأ سيادة الدستور والقانون والعمل المؤسسي.
لقد تحولت سورية إلى أرض مستباحة، وتحول الشعب السوري إلى شتات، وأصبح كل يدلو بدلوه دون اعتبار لإرادة شعب سئم التجاذبات والأجندات والوصاية، وسئم ادعاء تمثيله من الجهات الإسلامية تارة ومن الائتلاف تارة أخرى ومن غيرهم..
يختلفون على اسم الدولة ونحن ما زلنا بمرحلة ما قبل الدولة، يصدعوننا بمماحكات لا طائل منها، وخلافات لمّا يحن أوانها بعد، وهم لا يملكون أصلا حق البت بها، وقد بدأت تظهر نتائج خلافاتهم الضارة على السوريين، وكان أول المتضررين آلاف الطلبة الذين يعانون الآن من هذا التصرف المنفرد وغير الدستوري وغير المحسوب، حيث إن إصدار وثيقة الدراسة الثانوية باسم الجمهورية السورية، سيعني حرمان هؤلاء الطلاب من الانتساب إلى الجامعات، طالما لا يوجد اعتراف رسمي بالجهة التي أصدرت الوثيقة ولا بدولة تحمل اسم الجمهورية السورية دولة على خارطة العالم.
الجمهورية العربية السورية هو الاسم المعترف به دولياً، وأي اسم آخر غير مقبول على مستوى التعامل الدولي، فرفقاً بهذا الشعب المنكوب أيها السادة، وكفاكم تخبطاً وأخطاء عن وعي أو بدون وعي، وعن حسن نية أو بسوء نية، فالناس أرهقت إلى الدرجة القصوى، ولم تجن من أفعالكم سوى الخيبة.
*محامية ومعارضة سياسية سورية
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية