سادتي أعضاء الائتلاف..
بأغلبية كبيرة منكم، وبتوافق ملفت بين كتلتين وازنتين، أسقطتم الحكومة السورية المؤقتة، ولمّا يمض بعد على تشكيلها تسعة أشهر، بعد أن تبين لكم فجأة أنها حكومة فاشلة، ومخيبة للآمال، وغير قادرة على النهوض بمهامها..
نعم، فلا شك عندي أن الحكومة المقالة مثقلة بالكثير من الأخطاء والخطايا التي تبرر إقالتها، بل وتجعلها أمرا مطلوبا، لكن أرجو أن تسمحوا لي، وبرحابة صدركم المعتادة، أن أقول ما يلي:
لم يهبط الفريق الحكومي عليكم من السماء، فأنتم من جاء به وأنتم من رأى أنه مناسب وقادر، كما أنكم أنتم من أهملتم الحكومة طيلة فترة وجودها، وتركتموها تعمل وتجرب وتتخبط دون أي رؤية أو استراتيجية أو منهجية أو تخطيط.. لذلك فأنتم من عليه أن يتحمل المسؤولية الأكبر عن أخطاء الحكومة وفشلها، وأنتم من تجب محاسبتكم لو كان هناك عدل فعلا، لكنكم أصحاب السلطة والقرار، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم إذا كان الهدف المعلن من إقالة الحكومة هو تقصيرها وفشلها كما تدعون، فما الذي يجعلنا نعتقد أنكم سوف تأتون بحكومة أفضل؟ فأنتم ما زلتم كما أنتم، وليس ثمة تغييرات تستحق الذكر، لا على شخوصكم الكريمة، ولا على طريقتكم في التفكير والأداء.. والعامل الخارجي ما زال قائما ومسيطرا على قراركم.. ولم تكلفوا أنفسكم بإعداد أية دراسة جدية عن حالة الحكومة السابقة، تتبينون فيها بشكل علمي أسباب وعوامل فشلها، وتستفيدون من التجربة لعدم تكرارها.. إذن لم يتغير شيء من المعادلة، وما زالت قواعد اللعبة على حالها، وما زلتم تضعون على أعينكم نفس النظارة، وتختارون الأشخاص بنفس الطريقة ونفس المعايير، لذلك يرجح أن تأتي حكومتكم الجديدة على شاكلة سابقتها وربما أسوأ، فهذه المقدمات لن تقود إلا إلى مثل هذه النتائج.
كان جديرا بكم أن تعرفوا، عند اختياركم للفريق الحكومي، وأنتم أرباب العلم المعرفة، أن من ستناط بهم مهمات بحجم تنفيذ برامج ومشاريع لخدمة السوريين في الداخل، وفي مخيمات اللجوء والنزوح، وفي الشتات، ومعالجة مشاكلهم الحياتية، وتوفير الحد الأدنى من أسباب الحياة والصمود لهم ريثما يرحل الطغاة، يجب أن يمتلكوا المقدرة ويتمتعوا بالمواصفات التي تؤهلهم للقيام بذلك.. ومن بين هذه المواصفات المستوى العلمي والكفاءة الإدارية والقدرة على القيادة، والخبرات العملية المكللة بنجاحات بارزة يشار إليها بالبنان.. ناهيكم عن الحس الوطني والموقف من الثورة والنظام.. فهذه المواصفات هي التي تحرز تقدما وتصنع نجاحا وأملا.. وليس من بينها بالتأكيد رضا الإخوان المسلمين أو كتلة الصباغ أو الكتلة الديمقراطية، أو غيرهم.. وليس من بينها بالتأكيد رضا قطر أو السعودية أو تركيا أو أي دولة ذات نفوذ.. وليس من بينها بالتأكيد التاريخ النضالي وعدد سنوات الاعتقال.. فهذه قد تنفع في أي شيء سوى في إدارة حكومة وتنفيذ برامج وتحقيق أهداف.
ستقولون غالبا، أن التوازنات والقوى الدولية والإقليمية لا تسمح لكم بحرية الاختيار، ولا بد لكم من إرضاء اللاعبين الكبار في الملف السوري، وإلا فالنتائج وخيمة، وأنا أقول أن ذلك صحيح إلى درجة كبيرة، فنحن أصبحنا بالفعل، بجهودكم طبعا، بيادق في أيدي الآخرين، صغيرهم وكبيرهم، لكنني أقول أيضا أن الآخرين في الخارج ليسوا كل القضية، وأنكم، رغم إملاءات الآخرين، تملكون هامشا كبيرا من حرية الحركة والاختيار، واهتمام الآخرين ينحصر غالبا برئيس الحكومة، بينما يترك أمر الوزراء لكم، وأقول أنه يمكننا الالتفاف على متطلبات الآخرين عبر البحث عن شخصيات تحوز رضاهم من جانب، وتملك الكفاءات المطلوبة للعمل من جانب آخر، لكن، للأسف، فالمشكلة فيكم وليست في الآخرين، فبينكم من لا يهمه من رئيس الحكومة سوى الولاء والطاعة.. وبينكم من لا يفكر سوى بالسيطرة على هذه الوزارة أو تلك.. وبينكم من لا يهمه في الأمر سوى إسقاط مشاريع الآخرين وخياراتهم بغض النظر عن مضامينها!!.
ثمة ثروة بشرية هائلة في بلادنا، واكاد أجزم أن سوريا من أغنى الدول بها، ولن يصعب عليكم إيجاد شخصيات تتمتع بالمؤهلات المطلوبة لقيادة الحكومة من جانب، وإرضاء من لا بد من إرضائه من جانب آخر.. وما عليكم سوى تغيير المعايير، وتوسيع دائرة البحث، والتفتيش خارج السلة التي تحرصون على الاختيار منها، سلة الموالين والمرضي عنهم.. وهذا لن يحصل إلا إذا تخليتم كأفراد وكتل عن متطلباتكم الخاصة، ومعارككم الصغيرة، وخلعتم عن أعينكم النظارات التي لا تسمح لكم إلا برؤية من ترضون عنه، وتضمنون ولاءه.. وارتديتم نظارات تسمح لكم برؤية من هو قادر ومتمكن ومؤهل، بغض النظر درجة ولائه، إذا كان ما يهمكم فعلا هو مصلحة الوطن وأهل الوطن.
إضافة إلى اختيار الأشخاص المؤهلين والقادرين، يتطلب نجاح الحكومة بالدرجة الثانية توفير ظروف وشروط عمل سليمة تمكن الفريق الحكومي من النجاح، ويأتي على رأسها الاستقرار، وتحقيق الاستقرار غير ممكن دون الابتعاد عن السياسة وتجاذباتها ومطباتها، وهذا سبب إضافي يدعونا لتغيير أسس الاختيار ومعاييره، فنأتي بالأكفاء البعيدين عن الأحزاب والتكتلات السياسية، نستند في اختيارهم إلى معايير موضوعية وطنية، متخلّين عن رغباتنا ودوافعنا الشخصية والسياسية الضيقة.
ونجاح الحكومة يتطلب بالدرجة الثالثة وضع الأسس والضوابط والأنظمة اللازمة لعملها ومتابعتها ومحاسبتها، وهذا ما يفترض أن يحصل قبل ولادتها، ووضع هذه الأنظمة والضوابط يحتاج إلى علم وخبرة من نوع خاص، وقد لا تتوفر لديكم في الائتلاف، ولا بد من استقدامها ممن يملكها، وهناك دول صديقة ومنظمات دولية وخبرات وطنية مستعدة لتقديم هذه الاستشارات عند طلبها، ولا ينتقص طلبها من قيمتكم، بل يزيدها.
المطلوب إذن حكومة من التكنوقراط المحترفين، المستقلين، البعيدين عن الكتل والتجاذبات السياسية، وعن هيمنة الأطراف الخارجية، فإذا تعذر عليكم ذلك، لسبب أو لآخر، فبإمكانكم فرض هؤلاء التكنوقراط في الصف الثاني من المسؤولين، بعد الرئيس والوزراء، على أن يُفرض، من قبلكم، نظام لعمل الحكومة يضمن الاعتماد عليهم في إدارة العمل، ويمنحهم التفويضات والصلاحيات اللازمة ضمن اختصاصاتهم، ويحدد بوضوح دورهم وعلاقتهم بالوزراء وبالرئاسة، بحيث لا يتمكن الصف الأول من تعطيلهم أو تهميشهم أو التحكم بعملهم، وهؤلاء الأشخاص هم بشكل رئيسي نواب رئيس الوزراء ومعاوني الوزراء، والأمين العام، وربما رؤساء الهيئات المستقلة عن الوزارات.
تشكيل الحكومة المؤقتة الجديدة استحقاق هام ومصيري ووطني بامتياز، ونجاحها مصلحة وطنية كبرى، لأنها الجهاز المؤهل لخدمة السوريين ودعمهم والتخفيف من معاناتهم.. كما أن في نجاحها مصلحة خالصة للائتلاف، لأنها بالنتيجة حكومة الائتلاف، ونجاحها سيشكل الرافعة الرئيسة الوطنية الشعبية له، فلا شيء يصنع السمعة والشعبية والشرعية غير العمل والانجاز على الأرض.. وفشل الحكومة هو فشلكم قبل أي شيء آخر، ومازال لديكم الوقت لتدارك ما يمكن تداركه واتخاذ القرار الصحيح، فهل تفاجئون الجميع وتفعلون؟
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية