يبلغ شهر المونة ذروته لدى السوريين في نهاية الشهر الحالي آب/أغسطس بتحضير "المكدوس" تلك الأكلة الشامية بامتياز، وقد اعتاد المجتمع السوري، وخاصة الريفي منه، الاكتفاء الذاتي داخل المنزل في فصل الشتاء..ولا يمكن القول إن تحضير المونة في الظروف الحالية الصعبة التي تمر بها سوريا، هو نوع من البطر، وإنما يمثل حاجة اقتصادية ضرورية أكثر من أي وقت مضى، وبالذات في المناطق التي تخضع إلى حصار ظالم من قوات بشار الأسد.
ولكن ممَّ تتألف المونة؟ وما هي كلفتها الآن؟ وهل كل الناس في سوريا قادرون على تحضيرها؟
في التحقيق التالي يحاول "زمان الوصل" الإجابة عن هذه الأسئلة وأسئلة أخرى.
غذاء صحي يشفي العليل
منذ أربعين عاما تواظب أم أحمد من ريف حمص على موعدها السنوي في تحضير مونتها السنوية، والبداية تكون بنهاية فصل الربيع بتحضير عصير العنب الحامض "الحصرم"، ومن ثم تحضر المخللات في الصيف، وفي شهري تموز-يوليو، ووآب-أغسطس تبدأ بتحضير "الشنكليش" أو ما يعرف بـ(السوركي) المصنوع من اللبن المخمر والكشك، وتختلف كمية المونة من منزل إلى آخر، وهذا يعود لبعد النظر الذي تتمتع به ربة المنزل وللحالة المادية للزوج...و من خلال متابعة موضوع المونة من قبل كاتب هذه السطور لمدة عاميين لا حظت أن 10 % من العائلات السورية مونتها تكفيها عاما كاملا، و40% من العائلات السورية مونتها تكفيها ما بين شهر وستة أشهر، 50% من العائلات مونتهم لا تكفي سوى أسبوع واحد، وهذا التباين الكبير يعود إلى بعد النظر والتخطيط السليم لربة الأسرة وإلى الحالة المادية للزوج.
تقول أم أحمد لـ"زمان الوصل" المونة تتألف من أكثر من 20 نوعا من الطعام، قسم منها يصنع من الخضار والفواكه، فالخضار مثل البامياء والباذنجان والقرع والبندورة واللوبياء وغيرها، حيث تقطع وتجفف بالشمس وتحفظ لفصل الشتاء، ومن الفواكه نصنع المربيات، كالتين والتفاح والعنب والمشمش، كما نصنع من اللبن عدة أنواع من المونة، أهمها الكشك واللبنة والشنكليش.
وتضيف جارتها الحاجة فاطمة أم عبد الكريم: المونة تقليد وتراث شعبي ورثناه من أهلنا لمواجهة ظروف الحياة الصعبة، وخاصة في فصل الشتاء..وردا على سؤال "زمان الوصل" عن الدور الذي لعبته المونة في المأساة السورية، وخاصة بريف حمص الشمالي المحاصر من قبل حواجز بشار الأسد، قالت الحاجة أم عبد الكريم: بلدتنا محاصرة منذ قرابة ثلاث سنوات حصارا خانقا، وفي بداية الحصار، وقبل أن يجد الثوار طريقا ترابية يمكن إدخال بعض المواد الغذائية منها، فُقدت كافة المواد التموينية من البلدة بعد أسبوع واحد من الحصار، فالبيت الذي أعد مونته بشكل جيد ومدروس، تجاوز مشكلة الحصار بسهولة، أما البيت الذي لم يعد مونته السنوية، فوقع بمشكلة كبيرة جدا لدرجة أن قسما من الأهالي تناولوا خبز الشعير والجلبانة ووصل سعر كيلو القمح وقتها إلى 160 ليرة سورية، أي ثمانية أضعاف سعره بالمناطق الموالية، فالمونة ازدادت أهميتها منذ تلك الأيام، ووجودها بالبيت ضرورة ملحة، وخاصة في ظل انقطاع الكهرباء كليا عن المناطق المحاصرة...وحددت الحاجة أم عبدالكريم حسنات المونة بالنقاط التالية: الجودة والنوعية، الوفر الاقتصادي، واللقمة الطيبة.
100 ألف ليرة كلفتها الآن؟!
لا شك بأن تكلفة المواد الداخلة في صناعة مونة السوريين ارتفعت هذا العام عشر مرات عما كانت عليه قبل ثلاث سنوات مضت، فالمونة في العام 2011م كانت كلفتها تتراوح ما بين (10-15) ألف ليرة، أما في هذا العام فقد بلغت كلفة بعض المونة /100/ ألف ليرة سورية، وذلك سببه عدة أمور أهمها:الجفاف وتراجع الزراعة وتربية الماشية، وغلاء الوقود وانعدام الأمان على الطرقات، وقصف السيارات التي تنقل الخضار والمواد الغذائية للمناطق المحاصرة..
وذكر ناشطون لـ"زمان الوصل" أن أكثر من عشرين شخصا من منطقة الحولة بريف حمص الشمالي، استشهدوا بنيران حواجز بشار الأسد خلال العامين الماضيين، وهم يحاولون إدخال المواد الغذائية والخضار لمنطقتهم المحاصرة. وبخصوص الأسعار قال تاجر مواد غذائية وخضار يعمل في منطقة محاصرة، نعمل ليلا ونسلك طرق ترابية خوفا من حواجز بشار، ومع ذلك فقدت ثلاثة من عمالي خلال شهر واحد، الأسعار عندنا مضاعفة عن المناطق التي تخضع للنظام، فمثلا كيلو الجوز الذي يدخل في صناعة "المكدوس" وصل سعره هذا العام إلى 3000 ليرة سورية، وكيلو الباذنجان 100 ليرة سورية.
وكيلو الموز400 ليرة، واسطوانة الغاز 5 آلاف ليرة سورية، ولكن بالرغم من تضاعف كلفة "المونة"يرى الحاج سليمان العمر بأن المونة، والخالية تماما من المواد الحافظة، تبقى أرحم وأرخص من الطعام الذي يتم شراؤه من الأسواق في فصل الشتاء إن وجد..
تأمين مأكل السوريون
يقول أحد المهتمين في الاقتصاد السوري: المونة في الظروف الحالية التي تمر بها سوريا تعبر عن حاجة السكان إلى تأمين مأكلهم وما يحتاجونه كمواد غذائية متوفرة بفصل الصيف، وليس من السهل إيجادها في فصل الشتاء، لذلك يلجؤون إلى التموين، وهي لا تحتاج إلى حافظات كهربائية، إنما يتم تصنيعها على أساس حفظها بواسطة الطبيعة "الشمس".
وأضاف: هذا النمط الذي اعتمده أجدادنا، لا زال بعض السوريين يعتمدونه، وعادوا إليه مجددا بسبب ظروف الحرب في سوريا، وبالذات بالمناطق المحاصرة، بعد أن تركوه فترة طويلة..وتمنى الخبير الاقتصادي من وسائل الإعلام تشجيع عادة صنع المونة، وتخصيص برامج لشرح فوائدها.
ماهر رضوان - حمص -زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية