لنحتفل بمقتل جنودنا

يدعونا الخبرُ الذي تناقلته "فضائياتُ االتحريض والفتنة" عن قيام تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" بذبح عدد يتراوح بين 250 و400 من عناصر جيش نظام الأسد إلى الكثير من التأمل، ويلح علينا هذا الحدثُ الكبيرُ لأن نستعرض بعض الأقاويل والشائعات التي رافقته، لأهميتها أحياناً، ولطرافتها في أحيان أخرى.
أولى هذه الأقاويل أن نظام الأسد "المُمَانع" كان قد تخلى عن جنوده عامداً متعمداً لأجل أن يرفع نسبة الإدانة لداعش في نظر المجتمع الدولي.. وهذه، في الحقيقة، معلومة ضعيفة، والأصح، في الحقيقة، أن القيادة التاريخية السورية الحكيمة قد تركت عناصرها يُؤْسَرُون ثم يُقْتَلُون انسجاماً مع مبدأ: التضحية، وهو ليس بمبدأ جديد طبعاً.
القائد التاريخي الراحل حافظ الأسد كان يعشق "التضحية" عشقاً يصل إلى حدود الهيام، ويُكثر من ذكرها في خطاباته وأحاديثه، ولأنه رجل أفعال وليس رجل أقوال، فقد (ضَحَّى) بكثير من الجنود السوريين البواسل على الأراضي السورية واللبنانية والكويتية والعراقية، عدا عن المدنيين الذين ضحى بهم في السجون والمعتقـلات من أجـل إعـلاء صـروح المجـد والسؤدد.
وأما الرفاقُ أعضاء القيادتين القطرية والقومية فقد كانوا مولعين بأقوال قائدهم العظيم، لذلك كانوا يرددون كلمة "التضحية" في خطاباتهم كما لو أنها تسبيحةٌ أو بسملة أو حوقلة، ثم أضافوا عليها شيئاً من عنديَّاتهم حتى صاروا يقولون:
- يجب أن نضحي بالغالي والغالية والنفيس والنفيسة في سبيل القضية!
وكان أبناءُ الشعب السوري يَضحكون لاعتقادهم أن المقصود بـ (النفيسة) حلويات (نفيسة) بساحة عرنوس!
وبناء على ما قررته السيدة أنيسة مخلوف زوجةُ القائد التاريخي الراحل حافظ الأسد، ذات يوم، من أن (سوريا لبيت الأسد من الوالد إلى الولد!)... فقد جاء وريث العرش الرئاسي الدكتور بشار الأسد ليمشي، في مجال التضحية، على نهج والده الخالد، وليرفع نسبة الاهتمام بفعل التضحية إلى مستوى إطلاق شعار استراتيجي جديد هو "الأسد أو نحرق البلد"!... وهو الشعار العبقري الذي لا ينص على كلمة (التضحية) صراحة، ولكنها متضمَّنَةٌ فيه على نحو معمق.
ويرتفع مفهوم "التضحية" عند الدولة الإسلامية في العراق والشام إلى مستوى القداسة، فعناصرها الذين يُفَجِّرون أنفسهم بالأحزمة الناسفة ليقتلوا ما فتح اللهُ ورزق من البشر، سواء أكان القتلى عرباً أو أكراداً أو سرياناً، مسلمين أو مسيحيين أو أو أيزيديين أو يهوداً، علويين أو إسماعيليين أو شيعة أو سنة، ذاهبون، بحسب ما يشرح لهم دعاتُهم، إلى الجنة (سكارسا)، فالله الغفور، الرحمن، الرحيم، الحميد، المجيد، العادل، سيكافئهم- بحسب زعم أولئك الدعاة- أكثر كلما قتلوا من البشر أكثر..
ومن الأقاويل التي رافقت هذا الحدث الرهيب هو أن مصور الدولة الإسلامية قد ارتكبَ إثما سيجعله يخلد في نار جهنم إلى أبد الآبدين- والله أعلم- بسبب إقدامه على جعل أسرى الجيش العربي السوري البواسل يتخلون عن ثيابهم، وإبقائهم بالـ "شورت" لتظهر عوراتهم أمام الكاميرات بينما المفروض به أن يأمرهم بارتداء السروايل الشرعية التي تتجاوز حدود الركبتين، مع الإشارة إلى أن التصوير، بحد ذاته حرام، ويصل في حرمانيته إلى مستوى "التدخين"- اللهم عافنا- ويستوجب الجَلد.
أخيراً: إن الشيء الوحيد المقبول ضمن سياق هذه المسألة العويصة، في رأينا، هو رجم الزانية التي ينفذه تنظيم داعش بوصفه نوعاً من التضحية، والتطهير. والنقطة الأساسية فيه هي التالية:
إن الزنا في ديننا الحنيف- كما هو معروف- لا يمكن إثباته إلا في لحظة الجرم المشهود. يعني بوجود الرجل الزاني والمرأة الزانية. وقد تبين أن داعش يتعاطف مع المرأة أكثر من تعاطفه مع الرجل. بدليل أنه يرجمها، فيطهرها، وحينما يصل الأمر إلى معاقبة الرجل (وتطهيره من آثامه) يشترك داعش مع النظام في مبدأ: الاحتفاظ بحق الرد إلى الزمان والمكان المناسبين.
خطيب بدلة - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية