داعش أولاً ثم نتفق حول الأسد... د. عوض السليمان

دكتوراه في الإعلام - فرنسا
في دراسة نشرتها العام الماضي حول استراتيجيات الغرب في الحفاظ على نظام دمشق، أشرت إلى سعي واشنطن لتمكين بشار الأسد من أعناق السوريين، خدمة للصهاينة الذين يؤيدون ذلك بقوة.
أشرت أيضاً، إلى أن الإعلام الغربي سيقوم على ابتكار "عدو خطير" يهدد الأقليات داخل المجتمع السوري، ثم ينتقل تهديده إلى الدول الإقليمية ذات التنوع الطائفي، وسيصل أخيراً إلى الولايات المتحدة و"الغرب المتمدن". عندها سيضطر "المجتمع الدولي" إلى التدخل لحماية البشرية من هذا العدو، ولو اضطر للتعاون مع بشار الأسد.إنها لعبة معروفة يتقن سياسو الغرب اختيار شخوصها ويجيد الإعلام تحريكها وإسقاط العامة فيها.
يفرض السياسيون أسماء محددة في المعارضة السورية، أسماءً يسهل تحريكها والتلاعب بها، ومواقفها رمادية لا حاسمة، وهي ذات عمىً سياسي، ومصالحَ ضيقة. فمن هيثم مناع المؤيد بجلد المعارض إلى معاذ الخطيب المتهم بالذهاب إلى النرويج للاتفاق مع الأسد على تشكيل حكومة جديدة تمنح السوريين في الخارج جوازات سفر وتعدمهم على الفور عند دخول البلاد، مروراً بأحمد الجربا وإعلامييه أصحاب عبارة "وفد النظام" و"نتائج جنيف الإيجابية" وأصحاب كذبة "الضمانات الدولية بتنحي الأسد". وكذلك السيد هادي البحرة الذي أسرع إلى قاعة المؤتمرات الصحفية من فندقه في إستنبول ليرجو الولايات المتحدة التدخلَ العسكري في سورية لا لإسقاط الأسد، ولكن للقضاء على "داعش"، ثم ثبت بعد ذلك أن الرجل استقبل رسالة أمريكية أمرته ففعل.
حتى ميشيل كيلو، الذي رفض في نهاية الشهر التاسع من العام 2011 أي تدخل عسكري في سورية، على أساس أن التدخل سيفاقم المشكلة ولن يحلها، قد غير رأيه وطالب هو الآخر بتدخل عسكري لقصف قوات تنظيم الدولة.
من الذي أمر المجلس الوطني والائتلاف من بعده، برفض التدخل العسكري في سورية لإسقاط الأسد، ثم أمرهم بتوسل هذا التدخل ضد "داعش"، أ ليست الولايات المتحدة نفسها؟.
أما الإعلاميون فاستطاعوا بدورهم حرف النظر عن جرائم الأسد إلى "جرائم تنظيم الدولة"، مستغلين الأمية المتفشية في بعض صفوف المعارضة السورية.
اهتز كيان المعارضين بسبب مناظر قطع الرؤوس، والعبث بها، وأكدوا مطالبتهم التدخلَ الأجنبي ضد الإرهاب، مؤكدين في الوقت نفسه أن الأسد هو من صنع "داعش"، فقلنا لهم اقضوا على الأسد إذاً يسقط التنظيم وحده.
ليت المعارضين يذكرون خمسة آلاف الشهيد، الذين قتلهم غاز السارين في أقل من ساعة واحدة، وهو رقم قد يفوق عدد أعضاء تنظيم الدولة كله إضافة إلى القتلى على يديه إن صدق ذلك. وليتهم يذكرون ذبح الرضع بالسكاكين واغتصاب النساء أمام ذويهم.
لقد بدأت جرائم الأسد منذ العام 2000 وأصبحت يومية منذ بداية الثورة السورية، حيث لم يكن لتنظيم الدولة أي وجود في سورية. فهل أدرك أعضاء المعارضة اليوم مغزى كل تلك اللقاءات التي عقدتها المخابرات الألمانية والفرنسية وغيرها مع الأسد مطلع الثورة، وهل أدركوا معنى التصريحات الغربية للتعاون الفعال مع الأسد وهل فهموا معنى تصريحات وليد المعلم باستعداد سورية للتعاون مع الغرب في هذا الإطار.
علينا بالفعل أن ندرك أن الغرب بالعموم قد خطط لما يحدث في سورية منذ بداية الثورة، وأن مصلحته هي الحفاظ على الأسد عميلاً دائماً. وهذا يفسر ما قاله الرئيس أوباما من أن تنظيم "داعش" خطر على الإنسانية جمعاء بمعنى أن الأسد خير من غيره، فخطورته على الشعب السوري وحسب، وإن مقتل جيمس فولي يساوي عند الغرب إبادة السوريين كلهم.
ثلاثة ظواهر تحسم علاقة الغرب الحميمة بالأسد، التعاون في مواجهة "الإرهاب"، ولقاء الخيانة السرية في النرويج، وأخيراً المبادرة التي ستقدمها مصر السيسي لحل الأزمة السورية.
من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية