أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"بدنا نعيش".. صرخة من قلب الحصار

قد تكون الصرخة الأخيرة التي يطلقها نشطاء مخيم اليرموك المحاصر، وقد تكون كغيرها من الصرخات التي توالت لتدوي في وسائل التواصل منذ بداية الحصار إلا أنها وبكل تأكيد أكبر تعبير عن إرادة الحياة وعدم اليأس رغم الحصار والموت.

بدنا نعيش،حملة أطلقها نشطاء فلسطينييون سوريون من داخل مخيم اليرموك وخارجه.

صرخة هدفها إيصال معاناتهم للعالم أجمع بعد أن ملوا من أخبار الهدن التي تفشل دوماً قبل الخطوة الأخيرة، والضغط على أطراف هذه الهدن للتخلي عن مصالحهم في سبيل عيش الناس.

منذ سنة وشهر، تحديداً منذ يوم 17-7-2013، تم إغلاق مخيم اليرموك بشكلٍ كامل وبدأ الحصار الأطول في تاريخ اللجوء الفلسطيني بعد حصار جزئي لثمانية أشهر سابقة منذ تاريخ 17-12-2012.

منذ ذلك التاريخ لم يُسمح بحرية الدخول أو الخروج لا للبشر ولا البضائع ولا أي شيء آخر، وكل من دخلوا أو خرجوا مرهونون بأوامر من يحاصر، أما البضائع فقد اقتصرت على كراتين إغاثية محددة المواد والعدد والمستفيدين وممزوجة بطعم الغدر والاعتقال.

أكثر من عام وعشرات آلاف المدنيين "فلسطينييون وسوريون" محاصرون ومنهم أكثر من 170 استشهدوا نتيجة نقص المواد الإغاثية والطبية، وأكثر من 1300 استشهدوا لباقي أدوات الحرب.

أدوات الحرب وأساليبها القذرة قد استعملت جميعها من قذيفة الهاون إلى حصار الموت في هذه البقعة الضيقة التي أزعج الكثيرين وجودها وتمسكها بالحياة ليتأكد قول الراحل محمود درويش "حين يبتسم المخيم، تعبس المدن الكبيرة".

أكثر من عام من الصراخ والضجيج لعل العالم يلتفت لهذه المعاناة، فلم نجد سوى التفاتات إعلامية من الأمم المتحدة وغيرها من الهيئات والمنظمات دون أي فعل أو محاولة فعل على أرض الواقع، وكثيرا ما نوقشت قضية حصار اليرموك وتجويعه في أروقة المنظمات الدولية وطال النقاش وصدرت بيانات "القلق" من الأمم المتحدة ومنظمات أخرى، القلق والإدانة فقط ولا شيء آخر .

لأكثر من عام لم يشهد المخيم أي تحرك جاد ومثمر لفك الحصار من قبل المنظمات التي من المفترض أن تكون مسؤولة عنه وعن سكانه، بل إن بعض هذه المنظمات كوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) قد اكتفت بموقع المشاهد المحايد، وكأنها ليست طرفا ادعى وأصر على مسؤوليته عن معاناة اللاجئين الفلسطينيين منذ نكبتهم.

"بدنا نعيش" ذكرتني هذه الحملة من اسمها بعبارة كتبت على أحد المحلات في المخيم المحاصر ذاته منذ عام ونصف "أنا مو حقي رصاصة، أنا حقي أعيش".

نعم فمن صمدوا ولم يرضوا هجر منازلهم تحت أي ظرف من حقهم أن يعيشوا، من حق عشرات الآلاف أن ينفضوا غبار الحصار عن كاهلهم، من حقهم أن تعود حياتهم كسابقها ولو قليلاً، من حقهم أن يشعروا بأنهم يعيشون في القرن الواحد العشرين بكهرباء واتصالات وحرية تنقل وطعام.

وعلى ذكر الطعام، فإنه بعد استشهاد أكثر من 170 محاصراً نتيجة نقص المواد الإغاثية والطبية، قرر أولو الأمر الذين يفرضون الحصار التكرم على من يحاصرونهم، فسمحوا بإدخال مساعدات إغاثية محددة، لم تتضمن الخبز بداية ربما خوفا من استعماله كرصاص أو قذائف، ومن حينها أصبحت المساعدات وسيلة جديدة للماطلة في فك الحصار عند كل محاولة تفاوض لإقرار هدنة "تماما ككل المفاوضات الفاشلة التي يكون الخبيث فيها قويا"، ولكن أهالي المخيم المحاصرين لطالما أكدوا أن خيارهم ومطلبهم فك الحصار، وليس هذه المساعدات كما قالت امرأة محاصرة "افتحولنا المخيم ورح نشتري بمصارينا وبدناش الكرتونة".

أكثر من عام ولا يزال المخيم بداخله وخارجه يصرخ بأقسى ما استطاع "بدنا نعيش"، ومؤكد أن المقصود بالعيش هنا هو الحياة الكريمة دون موت بلا سبب أو إذلال بسبب، ومؤكد أيضاً أن الفلسطيني الذي كتب عليه الموت أينما كان سيظل متمسكاَ بأحد دساتيره الدرويشية الراسخة "ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا".

علاء عبود
(132)    هل أعجبتك المقالة (134)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي