أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

كم من مجزرة تلزم لنا لننعم بالحرية؟!.. هيثم أبو طالب

خاب ﻇﻦ السوريين عندما اعتقدوا يوماً أن لهم ﺣﻘﺎً في الحرية والحياة الكريمة، إذ ذهبوا يطالبون بها في وقت كان العالم قد تجرد فيه من إنسانيته ووضع ﺷﺮﻳﻄﺎً ﻻﺻﻘﺎً على فمه، وأحكم طمس عينيه، وأصبح السوريون وحيدين على متن قارب الحرية ينتظرون نجدة أحدهم، فما كانت سوى الرياح تتلقفهم على شاطئ الانتظار، ومرت عليهم مجزرة تلو المجزرة يتنافس مرتكبوها على جعلها الأﺷﺪ بطشاً والأكثر إيلاماً، تحملُ كلٌ منها طريقة جديدة في قتل ذلك الثائر. إحدى تلك المجازر كانت مجزرة الغوطة الشرقية، والتي وقعت يوم الأربعاء 21 آب -أغسطس ٢٠١3، حين قامت قوات النظام بقصف المنطقة بصواريخ أرض -أرض تحتوي على غاز الأعصاب وتحديدﺍً السارين القاتل، ليسقط أكثر من 1450 شخصاً اختناقاً دون سيلان نقطة دم واحدة؛ أغلبهم من النساء والأطفال، ووصف المجتمع الدولي هذه المجزرة بالمرعبة والأكثر وحشية بحق المدنيين منذ بدء الحراك السلمي في سوريا، وما يثير الدهشة في تلك المجزرة ﺃﻥّ فريق التفتيش الدولي كان على بعد بعض كيلو مترات قليلة من المنطقة، وكان يتوجب عليه أن يتوجه ويتحرك على الفور لتأمين زيارة له إلى مكان المجزرة، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث، وفي الوقت نفسه كان تعويل السوريين على المجتمع الدولي في المساعدة لوضع حدٍ لهذه الجرائم كبيرﺍً، وكانت ﺭﺩّﺓ الفعل الدولية كفيلة لتوضيح الأمور بالنسبة للسوريين أكثر فأكثر وقد لعب الإعلام العربي والغربي دوراً بارزاً في توثيق المجزرة دون أن يؤكد على من ارتكب تلك الفعلة الشنيعة ﺟﺎﻋﻼً من القتلى الأبرياء الذين سقطوا، أرقاﻣﺎً جديدة تضاف إلى سجل مليء بقوائم لا تنتهي، وشدّد الإعلام الغربي على وصف مجزرة الغوطة بـ "الهجوم المزعوم" ليساعدوا الجلاد على التهرب من فعلته أمام الرأي العام العالمي، بوصف دورهم بالحيادي بنقل الوقائع، باستثناء بعض الصحف الغربية مثل "التايمز" الأمريكية والتي تناولت المجزرة بطريقة مهنية وقامت بتحليل الوقائع وعرضت النتائج في صفحاتها على الرأي العام لتثبت تورط النظام السوري بتلك المجزرة، وقامت صحيفة "الغارديان" بنشر تقارير فرنسية تشير إلى تورط النظام بارتكاب تلك المجزرة، وقالت في تقريرها إن الصواريخ التي أطلقت على الغوطة الشرقية خرجت من مناطق عسكرية تابعة للنظام، أما وسائل الإعلام الروسية فقد تابعت ما بدأته منذ بداية الثورة من تبرير لجرائم النظام وقد ركزت في خطابها الإعلامي على مقترح وزير خارجيتها سيرغي لافروف بوضع السلاح الكيماوي السوري تحت رقابة دولية، تاركة جذر المشكلة جانبا. على الرغم من ردات فعل زعماء العالم على المجزرة وأولهم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية والذي كان يزعم توجيه ضربة عسكرية ﺭﺩﺍً على قتل المدنيين، إلا أن ما حدث مجرد ضجة إعلامية ساعدت وكالات الأنباء بتضخيمها لتستطيع ضبط الرأي العام في ظل المظاهرات العارمة التي جابت شوارع العالم تنديدا بتلك المجزرة، وقد استطاعت وسائل الإعلام الغربية وبكل جدارة إشغال الجمهور والمراوغة به وجعل القضية تبدو كصراع بعيد عنهم ليتحول مطلبهم من محاسبة النظام المجرم إلى الاكتفاء بتدمير الترسانة الكيماوية. 

وبعد مرور عام على مجزرة الكيماوي في غوطة دمشق، يبقى السؤال الذي يراود الشعب السوري: كم من مجزرة تلزم لنا لننعم بالحرية؟
ويستحضر السوريون في هذا اليوم صور أطفالهم ونسائهم التي ترسخت في ثنايا أذهانهم ﺟﺮّﺍﺀ تلك المجزرة الفظيعة، والتي تشكل وصمة عار على جبين الإنسانية، متذكرين جيدا مدى احترافية العالم بالصمت على جرائم النظام التي مازالت مستمرة حتى يومنا هذا، ومدى وهمية الإعلام في نقله للحقيقة المزيفة، ﺟﺎﻋﻼً من مجزرة الغوطة مجزرتين إزاء غياب مهنيته.

هيثم أبو طالب –صحفي فلسطيني
(131)    هل أعجبتك المقالة (147)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي