إلى المختلفين مع داعش... د. عوض السليمان

سنترك الحديث بالموضوعية وعنها، ونتفق مع كل المختلفين مع تنظيم الدولة الإسلامية، على أن التنظيم صنيعة نظام الأسد أو تركيبة من الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا اتفاق جدلي بالطبع، إذ أن الباحث في الإعلام خاصة، لا يبني مواقفه على الزخم الإعلامي الموجه أو على ما يصله من أخبار" الفيس بوك" ومصورات "اليوتوب".
إنما أردت في هذه المادة أن أتوجه إلى الأقلام التي لا تتوقف عن الهجوم على تنظيم الدولة الإسلامية بوصفها صنيعة النظام، وتطالب بمقاتلته والتدخل العسكري الأمريكي ضده. وبقطع النظر عن موقفي من هذا التصور، فإنني سأقبل به فرضاً، غير أنني في هذه الحالة سأستهجن موقف تلك الأقلام التي تريد لنا أن نقاتل إفرازاً للنظام لا النظام نفسه، فهل يعقل أن نوجه سلاحنا ضد صنيعة الأسد، لا الأسد نفسه، والأصل أن نسحق رأس الأفعى لا ذنَبها، فإذا قطعنا دابر الأسد سقطت داعش وحدها دون جهد.
وإذا اتفقنا على هذه الفكرة ظهر لنا على الفور عورة الائتلاف الوطني وعدم قدرته على اتخاذ القرار الصحيح في هذا الشـأن، وذلك بسبب الهيمنة الإقليمية والأمريكية خاصة عليه وعلى سياسته. إذ لا يتوقف السادة أعضاء الائتلاف من التأكيد على أن الأسد هو القائد الفعلي لداعش وأنه صنع هذا التنظيم لتنفيذ سياساته، فكيف إذاً يطلب السيد هادي البحرة من الولايات المتحدة التدخل للقضاء على داعش بدل أن يطلب منها التدخل للقضاء على الأسد، فيسقط التنظيم وحده كنتيجة طبيعة لسقوط صانعه.
تذكرون بلا شك، كيف تآمر المجلس الوطني والائتلاف من بعده على الشعب السوري بمنع التدخل العسكري في سورية للقضاء على الأسد، بحجة السيادة الوطنية. ولا تزال فضيحة غليون- مناع حاضرة في أذهاننا إلى اليوم، إذ سعى الرجلان لمنع التدخل العسكري ضد الأسد بتلك الحجة الواهية. فكيف لنا بعد هذا أن نفهم موقف الائتلاف اليوم وهو يتوسل التدخل الأمريكي ضد داعش وليس ضد الأسد، فأين السيادة الوطنية، بل أين استقلالية هادي البحرة الذي أمرته أمريكا فأطاع.
أريد أن أتوجه إلى أولئك الذين ينظرون بعين الرضا إلى القرار الأمريكي باستهداف تنظيم الدولة، بهذا السؤال: أين كانت الولايات المتحدة عندما كانت داعش في مرحلة التشكل وبناء القوة، وكيف وصل أعضاء التنظيم إلى سورية؟ استطاعت المخابرات الأمريكية على الدوام منع السلاح عن الدولة التي تريد، لدرجة أنها منعت أطفال العراق من استخدام أقلام الرصاص في المدارس خوفاً من استعماله في صناعة الطلقات، كما صادرت عدة سفن تحمل السلاح لثوار سورية، وتجسست على هواتف المسؤولين في العالم كله، فكيف وصل أعضاء تنظيم الدولة إلى سورية؟ ثم كيف بنوا قوتهم دون تدخل أمريكا التي لا تزال طائراتها تلاحق الناشطين ضدها في العالم كله من اليمن إلى أفغانستان؟ أ ليس في الأمر ما يستدعي التفكير؟
سؤال آخر أهم؟ كيف حصل التنظيم على سلاحه المتوسط والثقيل؟ أ لم تمنع أمريكا تسلح الثوار في سورية، أ لم تضغط على حلف الناتو وعلى تركيا خاصة لعدم الرد بقوة على الأسد؟.
تكمن أهمية هذا السؤال بالإجابة عليه، فإذا حصل تنظيم الدولة على سلاحه من معاركه ضد النظام، فهو يستحق التقدير، وإذا حصل عليه من الولايات المتحدة، فتلك مصيبة، وإذا سكتت واشنطن عن وصول السلاح إليه من بعض الدول الإقليمية بقصد تقويته وتدمير سورية، فالمصيبة أعظم، وتكون أمريكا بهذا هي أس الإرهاب ومصدره، وفي الحالات كلها يكون من المعيب على الائتلاف الوطني أن يطلب من البيت الأبيض التدخل العسكري ضد داعش وليس ضد الأسد.
إذا اتفقنا جدلاً على إجرام داعش، فعلينا من باب أولى أن نتفق على أن جرائم الأسد والولايات المتحدة أشد وأنكى، إذ هم من صنعها كما تقولون، فكيف يستوي في عقولنا التركيز على الفرع لا على جذور الإرهاب.
هذا يعني باختصار، أن قطع الأعضاء وذبح الصحفيين والعبث بالرؤوس، إن صدق، كله من فعل الأسد، وتسهيل الولايات المتحدة.
بقي أن أقول إنه لو اجتمع إجرام المجرمين في الأرض كلها في كفة وقابله إجرام نظام دمشق في الكفة الأخرى لرجح إجرام الأسد، ولكننا على ما يبدو قصيرو الذاكرة.
من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية