أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حظر الأسلحة الكيماوية... عرض للتطور القانوني منذ "مانو" حتى مؤتمر "جنيف"


يصادف في الحادي والعشرين من شهر آب ذكرى مجزرة الغوطة التي راح ضحيتها أكثر من 1600 شخصٍ قضوا بعد استنشاقهم لغازات سامة ناتجة من هجوم بغاز الأعصاب. هذا الهجوم بالسلاح الكيماوي لم يكن الأول، فقد هاجم النظام في فترات سابقة من عمر الثورة، مناطق في ريف دمشق وحلب وريف إدلب وحمص وريف حماه.

مجزرة الغوطة
يذكر أنه في فجر يوم الأربعاء الموافق 21-08-2013, تم استهداف منطقة الغوطة الشرقية في ريف دمشق بالأسلحة الكيماوية، فقد استهدفت صواريخ مزودة برؤوس تحوي غازات سامة، بلدات دوما وزملكا وعين ترما في الغوطة الشرقية بينما تم قصف بلدة المعضمية حوالي الساعة الخامسة فجراً في اليوم نفسه بأسلحة كيماوية، وقد ترافق الهجومان بقصف عنيف ومكثف على هذه المناطق استمر لعدة ساعات، تزامناً مع قطع للطرق المؤدية إلى المناطق المستهدفة بالكيماوي ومنع الدخول والخروج منها، وحشود عسكرية للقوات الحكومية، أسفر حينها هذا الهجوم عن سقوط عدد كبير من الضحايا و مئات الإصابات في هذه المناطق.

تعتبر الأسلحة الكيماوية من أسلحة الدمار الشامل بالغة الخطورة والمحظر استخدامها دولياً، وهي أكثر أنواع أسلحة الدمار الشامل انتشاراً في العالم، ويعتبر تأثير هذه الأسلحة على البشر بشعاً وكبيراً، إذ إن الغازات السامة لها انتشار سريع وغير محسوس وتؤدي الى إسقاط آلاف الضحايا من الكائنات الحية وعلى رأسها الإنسان.

تحريم استخدام السموم في الحروب موغل في القدم
لذا كان ومنذ قِدم التاريخ استخدام السموم في الحرب محرماً، وقد استُند في التحريم إلى قواعد الحرب التي حددتها أنظمة أخلاقية وثقافية متنوعة، مثلاً كان "الطاعون والسم" محرمان في الحرب، وهذا التحريم استمر لأجيال عدة وفي ثقافات مختلفة، منذ عهد الإغريق والرومان وحتى قانون "مانو" للحرب في الهند وصولاً إلى قواعد إدارة الحرب التي استقاها العرب المسلمون من القرآن الكريم، كان يُحظر استخدام السم والأسلحة السامة في الحرب. وحين أدركت الدول الأوربية، هول ما يخلفه السلاح الكيماوي باشرت إلى الاتفاق على أن القتل إذا كان لا بد أن يتم فليكن بأسلحة أقل بشاعة في تأثيرها، فتم وضع الاتفاقيات في هذا الصدد. وكانت أولى تلك الاتفاقيات ما عرف باتفاقية ستراسبورغ لعام 1675 والتي عقدت بين فرنسا وألمانيا لمنع استعمال مواد سامة في الحرب.

ثم كان تقنين هذا الحظر في قانون "ليبر" لعام 1863 أثناء الحرب الأهلية الأمريكية، الذي يحظر استخدام السم والأسلحة السامة في الحرب، أما على المستوى الدولي فظهر في إعلان لاهاي عام 1899، ثم في القواعد الملحقة باتفاقية لاهاي الرابعة عام 1907.

يرى الخبراء أن وضع السلاح الكيماوي ضمن المحرمات يعود لارتباطه بمعاناة تفوق التصور، تسبب بها استخدامه بشكل مكثف خلال الحرب العالمية الأولى. كما يرى الخبراء أن للسلاح الكيماوي أبعاداً نفسية كبيرة جداً، فهو يرتبط بموت مؤلم كالاختناق والعجز عن التنفس، وهو سلاح غير تمييزي لأنه يطال المدنيين والعسكريين على السواء. فإلقاء قذيفة مثلاً يكون الهدف منه تدمير موقع محدد للعدو، غير أن إلقاء القذائف الغازية لا تشكل ضربة محددة الأهداف.

الحظر الدولي على استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية
ويذكر المؤرخون أن الحرب العالمية الأولى كانت أول حرب كيماوية في العصر الحديث، ففي أبريل من عام 1915 ألقى الجيش الألماني حوالي 150 طناً من غاز الكلور على جبهة " الفلاندر " في بلجيكا، أدى إلى انتشار  سحابة من غاز الكلور مما تسبب بإصابة 15 ألف جندي، قضى عدد كبير منهم اختناقاً، وقد وصف ذلك من الحلفاء بأنه جريمة حرب.

إن الاشمئزاز العام من الحرب الكيماوية في الحرب العالمية الأولى أدى إلى صدور حظر دولي خاص على استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في عام 1925. وقد كانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد أصدرت نداءاً مؤثراً في شباط 1918وصفت فيه استخدام السموم في الحرب بأنه "اختراع وحشي أتقنته يد العلم..." كما احتجت "بكل ما أوتيت من قوة على هذا النوع من الحرب والذي ليس له مسمى آخر سوى أنه عمل إجرامي". وفي استجابة جزئية للنداء تبنت الدول بروتوكول جنيف لعام 1925 الذي أكد مجدداً الحظر الشامل على استحداث أو إنتاج الأسلحة الكيماوية أو حيازتها أو تخزينها أو الاحتفاظ بها أو نقلها أو استعمالها. ويمثل هذا المبدأ الآن جزءاً من القانون الدولي العرفي الذي تلتزم به جميع الأطراف في النزاعات المسلحة.
 
على الرغم من التطورات التي ضاعفت من قدرات الأسلحة الكيماوية، فإنها لم تستخدم إبان الحرب العالمية الثانية. غير أن الولايات المتحدة استخدمتها في حرب الفيتنام، خاصة في مجال تخريب المحاصيل وتدمير الغابات.

ما زال نداء عام 1918 ساري المفعول حتى اليوم، وعززت الدول أيضاً هذا الحظر من خلال اتفاقية حظر استحداث وإنتاج الأسلحة (البيولوجية) وتدميرها 1972، واتفاقية حظرالأسلحة الكيماوية عام 1993.

اعتمد نص اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية (CWC) في مؤتمر نزع السلاح الذي عُقد في جنيف بتاريخ 3 أيلول 1992، وفتح باب التوقيع على الاتفاقية في باريس بتاريخ 13 كانون الثاني 1993، تدير الاتفاقية  منظمة حظر الأسلحة الكيماوية(OPCW)  - وهي منظمة مستقلة تقع في ذا هاغ في هولاندا- لتكون أول اتفاقية على المستوى الدولي في مجال نزع السلاح يتم التفاوض بشأنها في إطار متعدد الأطراف لضمان تعهد قاطع من المجتمع الدولي على إزالة نوع كامل من أنواع أسلحة الدمار الشامل تحت رعاية ورقابة دولية. كما أنها تخضع جميع المخزونات الدولية للأسلحة الكيماوية ومرافق إنتاجها السابقة لنظام التحقق الشامل والعمل على تدميرها. ومن السمات الفريدة التي تتميز بها الاتفاقية أنها تـُهيّئ لإمكانية إجراء "تفتيش بالتحدي" [تفتيش مستعجل يُجرى بناءً على تشكيك]، يتيح لأي دولة طرف تساورها شكوك بشأن امتثال دولة طرف أخرى للاتفاقية، أن تطلب من المدير العام أن يوفد فريق تفتيش إلى الدولة المشكوك في امتثالها. وبموجب إجراء "التفتيش بالتحدي" الذي تتيحه الاتفاقية، تعهدت الدول الأطراف بالتقيد بالمبدأ القاضي بإجراء عمليات تفتيش في أراضيها "في أي وقت، وفي أي مكان" من دون أن يكون لها الحق في أن ترفض ذلك. وقد تم رصد تدمير 71% من مخازن الأسلحة الكيماوية في تشرين الثاني 2011.

إلا أن الاتفاقية تسمح باستخدام عوامل مكافحة الشغب، المعروفة عامة بالغازات المسيلة للدموع، كوسيلة مشروعة "لإنفاذ القانون، بما في ذلك لأغراض مكافحة الشغب المحلي". إذ إن المفاوضات بشأن الاتفاقية لم تتناول استخدام مواد كيماوية سامة أخرى كأسلحة لإنفاذ القانون، وتعتبر اللجنة الدولية أن هذا الاستخدام من شأنه أن يقوّض أهداف الاتفاقية.

سورية خارج الاتفاقية
انضم لمؤتمر الحد من الأسلحة الكيماوية كل دول العالم عدا ثمان دول لم تعترف بالاتفاقية ( أنغولا، جنوب السودان، كوريا الشمالية، الصومال، مصر، سوريا، ميانمار وإسرائيل) وتعتبر سورية من الدول القليلة التي لم توقع على اتفاقية حظر السلاح الكيماوي، ويؤكد "اوزومجو" أنه وجه رسالة الى وزير الخارجية السوري وليد المعلم ليحض حكومته على الموافقة على الاتفاقية من دون تأخير. وسبق أن طلبت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، مراراً من سورية أن توافق على النص المذكور.

وكحال أي اتفاقية، فهي تعاقدية وبالتالي تُلزم فقط الدول التي تصادق عليها فحسب، أي لا تأثير لها على الدول التي لا تصادق عليها وبالتالي لا تخلق أي أثر قانوني. ولكل دولة الحق في وضع تحفظات على الاتفاقية عند التصديق عليها؛ وهذه التحفظات قد تجعل التصديق غير ذي قيمة.
وإن كان للاتفاقيات صفة تعاقدية إلا أن القانون الدولي العام يعمل خارج الاتفاقيات والمعاهدات. 
جاء ضمن مواد دستور "محكمة العدل الدولية"، مادة اعتبرها رجال القانون بعد ذلك على أنها المادة التي تعرف مصادر القانون الدولي. حيث تنص المادة (38) على:

” 1 – وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها وفقاً لأحكام القانون الدولي، وهي تطبق في هذا الشأن: 
 ( أ )الاتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترفاً بها صراحة من جانب الدول المتنازعة.
 (ب)العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دل عليه تواتر الاستعمال.
 (ج) مبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتمدنة.
 (د ) أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف الأمم، ويعتبر هذا أو ذاك مصدراً احتياطياً لقواعد القانون، وذلك مع مراعاة أحكام المادة 59.
2 – لا يترتب على النص المتقدم ذكره أي إخلال بما للمحكمة من سلطة الفصل في القضية وفقاً لمبادئ العدل والإنصاف متى وافق أطراف الدعوى على ذلك.”

وحيث لم توقع سورية على ميثاق روما أيضاً، فلا يمكن إحالة مرتكبي جرائم الحرب هناك للمحكمة الدولية إلا بإصدار قرار دولي بهذا الشأن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. هذا وكانت روسيا والصين قد استخدمتا حق النقض "الفيتو" ضد المشروع الفرنسي الذي تضمن إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، وكانت تلك هي المرة الرابعة التي تستخدم فيها روسيا حق النقض في موضوع يتعلق بالشأن السوري منذ بدء الثورة السورية في عام 2011.
يبقى استخدام الأسلحة الكيمياوية يشكل تحدياً وقحاً للمواثيق والأعراف الدولية، ويبقى العجز الدولي تجاه هكذا فضائح بحق الإنسانية، وصمة عار تشكك بصدقيته.

كفاح زعتري - عضو في حزب الجمهورية - مشاركة لــ"زمان الوصل"
(180)    هل أعجبتك المقالة (172)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي