كثر الحديث في الآونة الأخيرة، خاصة بعد أحداث غزة، حول وصول حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إلى طريق مسدود بعد نحو سنة ونصف السنة من دخولها في المعترك السياسي، وهناك من يزعم بأن القضية الفلسطينية قد سجلت تراجعاً كبيراً منذ ذلك الوقت وأن "حماس" قد أصبحت في ورطة، فما حقيقة هذه المزاعم؟!
وللإجابة على هذا السؤال، لا بد من الحديث عن الأهداف التي من أجلها اقتحمت "حماس" النظام السياسي الفلسطيني الذي تمثله سلطة أوسلو، كما لا بد من التطرق إلى حقيقة مشاريع التسوية المطروحة لحل القضية الفلسطينية خاصة تلك التي أفرزت سلطة أوسلو التي عبر الشعب الفلسطيني مراراً وبأساليب متنوعة عن رفضه لها.
كان اقتحام "حماس" للنظام السياسي الفلسطيني يهدف أساساً إلى انتزاع حق قيادة الشعب الفلسطيني وتمثيله لدى المجتمع الدولي من جماعة أوسلو التي اختطفت هذا الحق عنوة برعاية أمريكية وأوروبية وتحت غطاء من منظمة التحرير الفلسطينية، وهي منظمة لا تمثل كل فئات الشعب وفصائله ومكوناته ولم تعد قادرة على حمل مشروع تحرير فلسطين، خاصة بعد أن اعترفت بحق كيان الاحتلال الصهيوني فيما اغتصبه من أرض فلسطين وعدلت ميثاقها استجابة للمطالب الأمريكية والصهيونية.
كما سعت "حماس" من خلال ذلك إلى حماية المقاومة الفلسطينية من قمع الأجهزة الأمنية لسلطة أوسلو التي لم تتوان لحظة في التنسيق الأمني مع أجهزة مخابرات العدو الصهيوني وملاحقة قادة "حماس" السياسيين والعسكريين وتصفية العديد منهم واغتيال العديد من قادة فصائل المقاومة الأخرى التي رفضت الاستسلام للعدو وتمسكت بحقها في مقاومة الاحتلال.
كما سعت "حماس" إلى وتوظيف إنجازات كتائب القسام سياسياً لصالح القضية الفلسطينية التي شهدت تقزيماً وركوداً واضحاً بسبب ممارسات جماعة أوسلو وتواطئها مع الاحتلال وخدمتها للمشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة، حيث تعرض المشروع التحرري الذي اضطلعت به منظمة التحرير الفلسطينية إلى انحراف كبير على أيدي جماعة أوسلو التي تجاوزت كل الثوابت الفلسطينية وتحولت إلى شركة سماسرة لبيع ما تبقى من الأرض والحقوق الفلسطينية.
فقد أدى دخول "حماس" العملية السياسية إلى تسليم قيادة الشعب الفلسطيني لمن يمثله بحق وجدارة وفق خياره الحر وبناء على إرادته النابعة من تمسكه بحقوقه ثوابته ورفضه تسلط عصابات أوسلو على المقاومة التي صانت كرامة شعبنا وأحيت الأمل بإمكانية استعادة الأرض والحقوق المغتصبة وقرب التخلص من براثن الاحتلال الغاشم.
وبالفعل، لم يعد بإمكان جماعة أوسلو بعد فوز "حماس" في الانتخابات التشريعية الأخيرة واقتحامها نظام السلطة مطاردة المقاومة والزج بالمقاومين في الزنازين ونزع سلاح المقاومة. وربما لا يدرك الكثيرون أن أجهزة مخابرات الاحتلال كانت تعتمد بدرجة كبيرة على التنسيق الأمني مع بعض الأجهزة الأمنية للسلطة في التجسس على المقاومين ومطاردتهم واعتقالهم واغتيالهم.
وفي هذا الصدد، فقدت بدأت "حماس" بإطلاع جهات رسمية عربية على وثائق تفضح الأجهزة الأمنية لسلطة أوسلو وتبرهن على تورطها في تصفية أبرز قيادات "حماس" السياسية والعسكرية. وبعد نجاح "حماس" في تفكيك هذه الأجهزة الأمنية والسيطرة على مواقعها وأسلحتها، بات من الصعب على الاحتلال مطاردة المقاومين والمجاهدين واغتيالهم، كما بات من الصعب على جيش الاحتلال اجتياح أراضي قطاع غزة والتوغل فيها دون أن يتعرض إلى خسائر فادحة.
والآن، وبعد أن أصدر محمود عباس مراسيمه العبثية، ينطبق المثل العربي "جنت على نفسها براقش" تماماً على عباس وما قام به، فقد حققت "حكومة المراسيم" التي شكلها سلام فياض بمقتضى تلك المراسيم العبثية وغير الدستورية – إلى حد بعيد – ما كانت تسعى إليه "حماس" من وراء دخولها النظام الرسمي الفلسطيني، فقد خسر عباس وسلطته شرعيته الشعبية الزائفة وأدرك الشعب فداحة الخطر الذي يشكله عباس ومجموعته على القضية الفلسطينية، خاصة بعد أن بدأت "حكومة المراسيم" العبثية الباطلة أول أعمالها بإعلان الحرب على المقاومة والمقاومين.
لقد أصبحت "حماس" الآن في حل من أمرها بعد أن قام عباس بفصلها من النظام السياسي الذي يتزعمه، حيث أدى هذا الفصل إلى فقد السلطة لشرعيتها (الزائفة) وإصابتها بتصدع كبير، ولم يعد شعبنا ملزماً بما تتفق عليه سلطة عباس أو "حكومة المراسيم" مع كيان الاحتلال الصهيوني من اتفاقيات ومعاهدات وتفاهمات.
ولم يعد المجتمع الدولي الآن يطالب "حماس" بشروط اللجنة الرباعية الدولية، وبدلاً من مطالبة "حماس" بالاعتراف بكيان الاحتلال الصهيوني والتنازل له ونبذ المقاومة، أصبح المجتمع الدولي هو المطالب بالاعتراف بحركة حماس واحترام خيار الشعب الفلسطيني والانصياع لإرادته، وقاد جاء ذلك على لسان قادة برلمانيين وسياسيين رسميين غربيين.
بل إن هناك من قادة الأحزاب الصهيونية من يطالب حكومة الاحتلال بالاعتراف بحركة "حماس" والجلوس معها على طاولة المفاوضات، رغم أن حماس ترفض هذا التفاوض ما لم يعترف المجتمع الدولي وكيان الاحتلال بحق شعبنا في تقرير مصيره على أرضه ضمن عملية متدرجة تبدأ بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة منذ عام 1967م، وذلك بعد الانسحاب الكامل للاحتلال منها، دون اعتراف "حماس" والشعب الفلسطيني بكيان الاحتلال الصهيوني.
كما لم يعد المجتمع الدولي يطالب "حماس" بمحاربة المقاومة والالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية وسلطة أوسلو مع الاحتلال أو حتى احترامها، وهذا يمثل تقدماً كبيراً للقضية الفلسطينية، حيث أن التصدع الكبير الذي تعرضت له سلطة أوسلو بدخول "حماس" في النظام الرسمي أدى إلى إخراج القضية الفلسطينية من النفق المظلم والمسدود وعودتها إلى إطارها الجهادي والسياسي الصحيح، فلم يكن في نية الولايات المتحدة الأمريكية يوماً من الأيام إعادة الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني أو السماح له بإقامة دولة مستقلة.
ولكن تبقى هناك مسألة مهمة وملحة، وهي مسألة تصاعد معاناة الشعب الفلسطيني نتيجة الحصار الاقتصادي الظالم الذي يشترك في إحكامه وتشديده على شعبنا الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون والعرب وكيان الاحتلال الصهيوني وعباس ذاته، وهذه المعاناة هي جزء من خطة أمريكية قذرة تهدف إلى إقناع شعبنا الفلسطينية بعدم الفائدة من تأييد نهج المقاومة وثقافتها وصده عن الالتفاف حول حركة "حماس" وتأييدها، والحقيقة أنه لا بد لشعب يسعى إلى التحرر من تقديم التضحيات الجسام والصبر على المعاناة.
إن النظام الرسمي العربي والشعوب العربية والإسلامية والمجتمع الدولي هم الذين أصبحوا الآن في ورطة حقيقية، فالنظام الرسمي العربي ممثلاً بجامعة الدول العربية غير قادر على رفض الرضوخ لإملاءات الولايات المتحدة الأمريكية التي تفرض الحصار على شبعنا، بل إن جامعة الدول العربية باتت في حكم المتواطئ على شعبنا الفلسطيني وقضيته العربية والإسلامية.
وأما الشعوب العربية والإسلامية، وإن كانت تسعى لفك الحصار ودعم الشعب الفلسطيني، فهي في أزمة حقيقية لأنها غير قادرة على الضغط على أنظمة الحكم الخاضعة لها ومطالبتها بكسر الحصار عن الشعب الفلسطينية وكسر العزلة المفروضة عليه ووقف التآمر على "حماس" التي تمثل إرادة الشعب الفلسطيني وتحمل همومه وطموحاته.
والمجتمع الدولي هو كذلك في ورطة حقيقية وأزمة إنسانية حادة، فهو أصبح يمثل الوجه القبيح للظلم والطغيان والاستهتار بحقوق الإنسان وانتهاك كرامته، فوقوف المجتمع الدولي ضد إرادة شعبنا وتآمره على "حماس" ومشاركته في محاربتها وحصار شعبنا لن يجلب لهذا المجتمع الدولي إلا الخيبة والخسارة والخزي والعار...
لقد استطاعت "حماس" حماية مشروع المقاومة في قطاع غزة ودحر الاحتلال عنه وتطهيره من السماسرة والمفسدين المرتزقة، وهي الآن قاب قوسين أو أدنى من نقل تجربتها بقوة إلى الضفة الغربية، فحركة "حماس" هي جزء من الطائفة المنصورة التي أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنها ستبقى ظاهرة على عدوها ولا يضرها من خذلها أو خالفها.
وهنيئاً لعباس بورطته الحقيقية و "حكومة المراسيم" العبثية التي صنعها استجابة لدايتون وأولمرت بهدف قمع أهلنا في الضفة، فقد أصبحت سلطة عباس وحكومته جزءاً من الاحتلال وأداة طيعة له في قمع شعبنا...!!!
19/07/2007م
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية